فى صبيحة يوم الجمعة الماضى أمر زعيم كوريا الشمالية باخلاء العاصمة بيونج يانج تحسبا لهجوم أمريكى بالقاذفات!. . وطالبت روسيا بضبط النفس ، وعلقت الصين رحلاتها الجوية الى كوريا. فهل تدق طبول الحرب فى شرق آسيا؟ وهل يتطور الصراع ليشهد مناطق أخرى من العالم؟ منذ أسابيع قليلة قام وزير الخارجية الأمريكى تيلرسرون بجولة فى ثلاث دول تقع فى شرق آسيا : اليابانوكوريا الجنوبيةوالصين . وقبل أيام قليلة من تلك الجولة ، أطلقت كوريا الشمالية 4 صواريخ باليستية انفجرت فى البحر قبالة الساحل الشمالى الغربى لليابان ، مما دعا السلطات اليابانية للقيام بأول تدريب ميدانى على إخلاء السكان فى حال وقوع هجوم صاروخي. وفى الوقت نفسه أطلقت اليابان قمرا صناعيا مزودا بردار للتجسس على كوريا الشمالية. وهاهى المدمرة الأمريكية usa pry ذات الصواريخ الموجهة تصل الى ميناء موكوبو فى كوريا الجنوبية للمشاركة فى المناورات العسكرية الأمريكية الكورية التى يشارك فيها أيضا عدد من الأسلحة الاستراتيجية ذات القوة التدميرية الهائلة، من بينها مقاتلات الشبح إضافة إلى الأسطول الثالث الكورى الجنوبى ، لتشكل أضخم مناورة عسكرية من نوعها فى تاريخ المنطقة منذ أكثر من 60 عاما . ثم جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكى فى أثناء جولته الآسيوية مثيرة ولافتة لأنظار المراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين ؛ فقد أعلن تيلرسون صراحة وأمام وسائل الإعلام أن (الولاياتالمتحدة ستضع حدا لسياسة الصبر الإستراتيجى التى تساهلت فيها واشنطن مع الاختبارات النووية التى أجرتها بيونج يانج وكذا الصواريخ التى كانت تطلقها بين الحين والآخر ) . وأكد تيلرسرون أن أمريكا تعكف حاليا على دراسة مجموعة من الخيارات العسكرية جنبا الى جنب مع الإجراءات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية. ولم يكن استخدام مصطلح «الصبر الإستراتيجي» عفويا ، بل قصد به توجيه النقد للسياسة الأمريكية فى عهد أوباما الذى ترك الحبل على الغارب لكوريا الشمالية كى تفعل ما تشاء فى حقل التجارب النووية والسباق النووى . فهل تلجأ إدارة ترامب لعمل عسكرى ضخم تقضى به على القوة العسكرية لكوريا الشمالية التى تهدد جارتها الجنوبية واليابان فى وقت واحد ؟ . الإجابة عن هذا السؤال يمكن استقاؤها من ثنايا التاريخ العسكرى للولايات المتحدة، خاصة منذ حرب تحرير الكويت التى اندلعت فجر يوم 17 يناير 1991 . فالمعروف أن الدستور الأمريكى يشترط الحصول على موافقة الكونجرس لاستخدام القوات العسكرية الأمريكية فى أى حرب برية تخوضها امريكا خارج الحدود ، وهو ماحدث بالفعل فى أوائل شهر يناير 1991 . كما أن أمريكا تحتاج لغطاء سياسى دولى بصدور قرار من مجلس الأمن طبقا للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة . وحتى كتابة هذه السطور فإن الأممالمتحدة فرضت حزمة من العقوبات الدولية على كوريا الشمالية بسبب برامجها الصاروخية النووية ، لكن الأمر لم ولن يصل الى حد استخدام الفصل السابع من الميثاق لعدم انطباقه على الحالة الكورية. كما أنه من المتوقع ألا تخوض أمريكا حربا برية ضد كوريا نظرا لأن مثل هذه الحرب ، كما سبق أن ذكرنا ، تتطلب موافقة الكونجرس . وليست القيادة الأمريكية بالسذاجة التى تفقدها دعم الرأى العام وتأليب الشارع الأمريكي، كما أن الصين الحامية الدبلوماسية لكوريا الشمالية والشريكة الرئيسية لها فى التوجه السياسى والمجال التجارى ، تلقى اللوم على الإدارة الأمريكية ؛ اذ تعتقد أنها السبب فى تصعيد التوتر كما أنها لا توجه نقدا صريحا لكوريا الشمالية فيما تقوم به من تهديد لليابان ولجارتها الكورية الجنوبية ، وان كانت تشاطر واشنطن مخاوفها بشأن مساعى بيونج يانج لبناء ترسانة من الأسلحة النووية . ولاشك أن الزيارة التى قام بها الرئيس الصينىلواشنطن منذ أيام أسهمت فى تلطيف الأجواء الدبلوماسية بين البلدين . إذن: ما ملامح السيناريو المقبل ؟ هل تدق طبول الحرب فى منطقة الشرق الأقصي؟ الاجابة نعم .. لكنها ستبدأ بحرب نفسية ضخمة تقوم بها الولاياتالمتحدة ضد كوريا الشمالية تطبيقا لإستراتيجية ( لعبة الكتكوت chicken game ) التى ابتدعتها الادارة الأمريكية فى بداية عقد السبعينيات من القرن العشرين فى أثناء ما سمى الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى المتمثل فى الاتحاد السوفييتى والغربى المتمثل فى أمريكا وحلفائها بأوروبا الغربية . وتتلخص «لعبة الكتكوت» فى تصعيد التوتر والحشد العسكرى حتى يصبح الطرفان على شفا حرب متوقعة، ويطلق على الطرف المنسحب أو المنحرف عن مسار الصدام فى اللحظة الأخيرة : »الكتكوت ! ». . فهل تلجأ الولاياتالمتحدةالأمريكية لتطبيق هذه الاستراتيجية العسكرية مع كوريا الشمالية؟ .. نتوقع ذلك ، كما نتوقع أن تشهد الشهور وربما الأسابيع المقبلة تغييرا كبيرا فى موازين القوى الدولية وتقليم أظافر كوريا الشمالية وربما إصابتها بالكساح !. إلا إذا أجاد قادتها قواعد «لعبة الكتكوت»! .. وربما تقنع الصين الزعيم الكورى المتهور بأن يتحول الى «كتكوت» أفضل من تدمير بلاده بالقاذفات الأمريكية ! أستاذ الإعلام السياسى بجامعة بنها لمزيد من مقالات د. عبدالله زلطة;