فاجأ ترامب العالم بقراره شن ضربات جوية ضد سوريا فى الاسبوع الماضى. عنصر المفاجأة ارتبط بأن كل تصريحات ترامب السابقة، خاصة فى أثناء الحملة الانتخابية، كانت ضد أى شكل من أشكال التدخل الأمريكى فى الأزمة السورية، واعتبرها خارج نطاق المصالح الامريكية المباشرة فى إطار ما يعرف بسياسة «أمريكا أولا» . هناك عدة تفسيرات لموقف ترامب الجديد. الأول يرتبط بأن ملامح العديد من سياسته الخارجية ما تزال فى مرحلة التكوين، ولم تتبلور بشكل نهائى بعد، ومن ثم وارد فيها عنصر التغيير والمفاجأة. التفسير الآخر يرتبط بتأثير الرأى العام والإعلام الامريكى فيما يتعلق بالهجوم الكيماوى فى سوريا وانتشار صور ضحاياه بشكل كبير مما مثل عنصرا ضاغطا على ترامب، التفسير الثالث يرتبط أيضا بالازمة الداخلية التى يعانيها ترامب وحالة الانقسام السياسى بشأنه، وربما أراد بضربته العسكرية أن يوحد الصفوف ويزيد من درجة التأييد له، وهو ما تحقق بالفعل. وهناك أيضا التفسير المتعلق برغبته أن يبدو مختلفا عن سلفه أوباما، وأنه ليس رجل كلمات بل رجل أفعال، مقارنة بأوباما الذى هدد باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا عام 2013 لواستخدمت أسلحة كيماوية، ولكنه لم يفعل ذلك وفضل العمل الدبلوماسى، والتوصل لاتفاق مع روسيا للتخلص من الترسانة الكيماوية السورية. أيا كان التفسير، فنحن بصدد موقف أمريكى جديد، ودور متزايد للولايات المتحدة فى الأزمة السورية، قد يترتب عليه مفاجآت جديدة سوف يكون علينا التعامل معها. وفى هذا الصدد يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة للموقف الامريكى تجاه سوريا. السيناريو الأول يقوم على فكرة أن الدور الامريكى الجديد سيظل محدودا فى سوريا، وأن الغارة الامريكية ارتبطت باستخدام الاسلحة الكيماوية، ولم تستهدف إسقاط الرئيس بشار الاسد أو إضعاف قوته، أى كانت مجرد رسالة أو عمل رمزى لردع القيادة الروسية لعدم استخدام الاسلحة الكيماوية مرة أخرى، وأن تكرار الضربات الامريكية سيرتبط فقط بتكرار استخدام النظام السورى للأسلحة الكيماوية. فى هذا الاطار فإن الضغوط على مصر ستكون محدودة، وسترتبط فقط بالموقف من هذه الغارات الامريكية سواء التأييد أو الرفض أو الحياد. السيناريو الثانى يرتبط بقيام إدارة ترامب بتنفيذ الفكرة التى أعلنتها من قبل بشأن إقامة «مناطق أمنة» أو «مناطق استقرار» داخل سوريا، يتم فيها تجميع اللاجئين والمهاجرين فى مناطق بعيدة عن العنف والقتال. تطبيق هذا السيناريو سوف يتطلب مساعدة حلفاء وأصدقاء الولاياتالمتحدة فى المنطقة، ومنهم مصر. وقبل أن يفاجئنا ترامب بمطالب محددة بشأن المشاركة فى إقامة هذا المناطق، علينا أن نحدد تصورنا بشأنها، و إمكانيات وحدود المشاركة فيها. خاصة، أنه قد يصعب على مصر عدم مساندة هذا السيناريو لو شارك فيه باقى حلفاء الولاياتالمتحدة بالمنطقة، وتم تصويره على أنه جزء من الحرب ضد الإرهاب. السيناريو الثالث، وهو الأكثر خطورة، ولكنه يمكن أن يمثل أيضا إحدى مفاجأت ترامب القادمة، ويتعلق بتبنى الولاياتالمتحدة سياسة تغيير النظام فى سوريا. الادارة الامريكية ماتزال تبدو مرتبكة فى هذا الشأن، فوزير الخارجية تيليرسون تحدث أن هدف الولاياتالمتحدة الاساسى فى سوريا هو هزيمة داعش و ليس تغيير بشار الأسد، وأن الشعب السورى هو صاحب القرار بشأن الأسد، فى حين أن السفيرة الامريكية بالأمم المتحدة نيكى هيلى تحدثت عن أن مستقبل سوريا لا يجب أن يتضمن بشار الأسد. الأن وبعد الضربة الجوية، بدأ يظهر حديث متزايد داخل الادارة الامريكية عن سيناريو تغيير النظام بسوريا. وبالطبع هناك مجموعة من حلفاء الولاياتالمتحدة بالمنطقة يتبنون هذا السيناريو ومنهم دول خليجية أخرى وكذلك تركيا وإسرائيل. وتطرح هنا فكرة ان الولاياتالمتحدة عليها فقط مباركة هذا السيناريو و ليس المشاركة بقوات على الارض، وأن مايعرف «بالتحالف الاسلامى» الذى ترعاه مجموعة من الدول السنية سوف يتولى مهمة القتال على الأرض، أى أن الولاياتالمتحدة لن تدفع ثمن اقتصاديا أو بشريا مقارنة بما حدث عند تغيير نظام صدام حسين فى العراق. وربما تكون الجهود الحالية التى تبذلها الولاياتالمتحدة و معها باقى مجموعة الدول الصناعية السبع للضغط على روسيا للتخلى عن بشار الاسد أو تخفيض ارتباطها به هى جزء من هذا السيناريو، ويتم هنا التلويح ب «عصا» فرض عقوبات جديدة على روسيا، او «جزرة» تخفيف العقوبات التى فرضتها الدول الغربية عليها عقب تدخلها فى الأزمة الأوكرانية. السيناريو الأخير يمثل الأسوأ بالنسبة لمصر، وسيضع عليها ضغوطا هائلة للمشاركة فيه، و نتائجه قد تكون كارثية على دول المنطقة كلها فى ظل غياب تصور واضح لما يسمى بسيناريوهات اليوم التالى، أى ماذا سيحدث بعد التخلى عن بشار، وهل تستطيع قوى التحالف الحفاظ على الامن والاستقرار بعد رحيله، أم أن الأرجح هو تحول سوريا الى غابة يتصارع فيها الجميع، وتصبح قوات التحالف جزءا من هذا الصراع. لذا من المهم أن تحذر مصر بشكل علنى من تطبيق هذا السيناريو دون دراسة متأنية لتفاصيل تنفيذه واحتمالات ما بعد الأسد، وعلينا أن ننقل هذه الرسالة بشكل واضح فى حوارنا مع إدارة ترامب، ومع الأشقاء فى الخليج. لا يعنى هذا بالضرورة التمسك ببشار الأسد كجزء من مستقبل سوريا، لكن الأهم هو الحفاظ على ماتبقى من كيان الدولة السورية، ومنع انزلاقها الى الهاوية، أوأن تصبح مجالا آمنا للإرهاب فى اليوم التالى لرحيله. الخلاصة، حقيبة ترامب مليئة بالمفاجآت، وقد نشهد تطورا فى موقف إدارته من الملف السورى خلال الاسابيع القادمة، وعلينا أن نستعد لذلك بالدراسة الجيدة، وتطوير الرؤى، وإعداد الرأى العام لمساندة الموقف المصرى. لمزيد من مقالات د. محمد كمال