يبدو أن اختيار الأردن للبحر الميت مكانا لانعقاد قمة الملوك والرؤساء والقادة العرب لم يكن جزافيا، فمن هنا تبدو لنا أضواء أريحا وفلسطين التاريخية المحتلة التى لها من الأراضى المطلة على البحر الميت ما يقارب الأربعين كيلو مترا .. فعلى مرمى النظر تستطيع بالعين المجردة النظر إلى أراضى فلسطين ..فلسطين الحاضر الدائم فى قمم العرب وبياناتهم الختامية وإعلاناتهم المتعددة ستكون هذه المرة فى مرمى أعين قادة الدول العربية، مما يدفع للتفاؤل بأن لحظة عاطفية آنية قد تحمل جديدا فى هذا الملف الشائك. لا أدرى لماذا فرضت المقاربة بين مسمى هذا البحر، والمصير الذى يمكن أن يصل إليه العمل العربى المشترك، والذى تسعى قمة الملوك والرؤساء العرب فى البحر الميت إلى تجنب الوصول إليه، وهذه القمة تأتى فى ظل أوضاع عربية معقدة سياسيا، وعسكرياً وإقليميا ودولياً يبدو هذا سواء على مستوى الصراعات المسلحة الداخلية التى تعيشها دول عربية، أو على صعيد الخلافات العربية العربية. لقد بدأت أمس الأول الأعمال التحضيرية للقمة العربية فى دورتها الثامنة والعشرين التى يستضيفها الأردن فى منطقة البحر الميت، خلال الفترة من 23 حتى 29 مارس الجاري. منذ الوهلة الأولى لمسنا إصرارا أردنيا رسميا وشعبيا على إنجاح القمة، لمسنا ذلك فى طائرة الجامعة العربية التى أقلتنا ومندوبى الدول العربية فى الجامعة من القاهرة، حيث بذل السفير على العايد سفير المملكة الأردنية فى القاهرة ومندوبها فى الجامعة كل الجهد فى إظهار كرم الترحيب بضيوف القمة، وهو الأمر الذى لمسناه فى مطار عمان، وكذلك فى الطريق من العاصمة الأردنية إلى مقر القمة فى البحر الميت. الإجراءات الأمنية التى اعتمدتها السلطات الأردنية لا شك أنها إجراءات غير عادية حيث بدأت الأجهزة الأمنية الأردنية أمس الأول فى تنفيذ الإغلاق الأمنى الكامل لمنطقة انعقاد القمة فى البحر الميت، وأشارت مصادر الأمن الأردنى إلى أن المتابعات والتدقيق الأمنى سيشمل جميع المواطنين وقاطنى المنطقة ومركباتهم والذين تم تزويدهم بتصاريح أمنية مسبقاً تتيح لهم دخول منطقة القمة، وتم تأكيد أنه لن يسمح بدخول منطقة القمة حتى منتصف ليل الخميس الماضى إلا لحاملى التصاريح الأمنية، وأكدت مصادر الأمن الأردنية أيضاً أنه تم إغلاق جميه المراكز التجارية الموجودة فى المنطقة، وأن الأغلاق سيستمر طيلة أيام انعقاد قمة البحر الميت. حتى اللحظة يبدو أن ثمة مشاريع لقرارات عربية جديدة حول فلسطين وقضيتها سيتضمنها البيان الختامى للقمة العربية أبرزها ما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، وإعادة تأكيد الموقف العربى بالإصرار على حل الدولتين وفقا لمبادرة السلام العربية.وبحكم العلاقة الخاصة للأردن بملف مدينة القدس فمن المتوقع أن يدفع الأردن نحو منح ملف الاعتداء على المقدسات المقدسية ودعم صمود المواطنين المقدسيين زخما أكبر. الأردن يدرك تماماً خطورة التحديات التى تحيط بهذه القمة، والتى يمكن تشبيهها بالحفر العميقة التى بدأت تظهر فى البحر الميت خلال السنوات القليلة الماضية.. والتى يتساءل العُلماء و الخُبراء هل سيتآكل هذا البحر من قبل الحُفر التى تظهر فجأةً فى مُحيطه وتهدد باختفائه؟؟ ولا يمكن تجاهل الكثير من ملامح التشابه بين البحر الميت والعمل العربى المشترك فى هذه المرحلة الدقيقة .. يتوقع أن تشهد القمة حضور عربيا كبيرا على مستوى القادة غيابا خامسا لسوريا، بسبب قرار سابق لجامعة الدول العربية فى عام 2011 الذى علّق مشاركة سوريا فى اجتماعات الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها. عمليا ستكون القمة التى سيتسلم الأردن رئاستها لعام مقبل بمثابة تفويض سياسى عربى للأردن للأستمرار فى الدور الذى يلعبه فعليا فى طرح القضايا العربية على طاولة النقاش فى المحافل الدولية وعواصم صنع القرار. وتشير مصادر دبلوماسية أردنية إلى أن العاهل الأردنى بذل جهودا كبيرة من أجل جمع العرب بصورة كاملة على طاولة القمة بكثير من نقاط الاتفاق، وقليل من الاختلاف، وذلك من أجل أن يتحرك العرب بحزم وقوة تجاه الأزمات التى تحيط بهم، مشيرة إلى أن هناك جهودا أيضا من أجل تمثيل كبير للقادة العرب فى القمة التى يتوقع الأردن أن تكون بمثابة قمة لإحياء وتوطيد العلاقات البينية وتطوير مسار العمل العربى المشترك. حيث من المتوقع مشاركة 15 زعيما وكذلك سيشارك فى القمة كل من السكرتير العام للأمم المتحدة ومندوب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. ولا شك فإن الجهد العربى المشترك هو الضمان الحقيقى لإنجاح القمة فى البحر الميت، وهو الأمر الذى سيفتح الطريق إلى سبل التعامل مع الأزمات العربية الحالية فى المنطقة.