بفوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية تكون شرعية ثورة23 يوليو التي كرست لحكم العسكر ستة عقود قد انتهت. وبدأت في مصر شرعية جديدة هي شرعية ثورة25 يناير وشرعية الصندوق في إطار مفهوم جديد للعلاقة بين الحاكم والمحكوم يقوم علي منطق الإرادة الشعبية باعتبارها مصدر جميع السلطات وصاحبة الحق في منح او سحب تلك السلطات في إطار نظام ديمقراطي حقيقي يقوم علي تداول السلطة والانتخاب الحر النزيه وسيادة القانون والدستور ودولة المؤسسات. وهي شرعية ترتكز علي مفهوم الإنجاز باعتباره المعيار الرئيسي لتجديد أو سحب الثقة والتأييد من الحاكم واستلهامه الكاريزما ليس من الخطابات الرنانة أو من الشرعية الدينية وإنما بقدر إسهامه في تقدم الوطن والارتقاء به في كل المجالات, وهذا يعني أننا أمام نمط جديد من الحكم يقوم علي ان الرئيس هو جزء أصيل من النظام السياسي يقوم بدور فاعل ضمن منظومة متكاملة لمؤسسات الدولة تحكمها قواعد راسخة وأهداف مشتركة ورؤية موحدة باتجاه عملية التطور السياسي والاقتصادي, بحيث لو تغير هذا الرئيس يظل النظام يعمل بقواعده تجاه مسار تراكمي ومنحي تصاعدي في بناء مصر الجديدة الديمقراطية المدنية الحديثة المزدهرة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. وهنا نقول إن دور الرئيس مرسي في هذا المرحلة الجديدة من تاريخ مصر وفي إطار الشرعية الجديدة, ينبغي أن يكون واضحا ومحددا, فشرعيته ليست فقط مستمدة من كونه أول رئيس في تاريخ مصر علي مدي سبعة آلاف سنة يأتي بانتخاب حر من الشعب, وإنما شرعيته أيضا في قدرته علي المساهمة في صناعة المستقبل وبناء مصر الجديدة التي نسعي إليها وقامت من أجلها ثورة يناير العظيمة, فإذا اعتبرنا أن مدة الرئيس سوف تكون أربع سنوات أو ثماني مع تجديد الثقة به لولاية ثانية, فالمهمة الأساسية له هي وضع لبنات وأساسات لعملية التحديث الشاملة للمجتمع, لكي يأتي من بعده ليبني علي ما تم بناؤه لأن التقدم عملية مستمرة ومتواصلة, ومن ثم ليس مطلوبا منه حل كل المشكلات الموروثة والمتراكمة عن العهود السابقة, بقدر قيامه بإطلاق عملية التغيير الشاملة, وهذا يعني أن يرتكز مشروعه للنهضة علي الواقعية من خلال برامج عملية للتقدم قابلة للتطبيق تتناسب والإمكانات والموارد المتاحة والإمكانات الكامنة, التي يمكن تطويرها خاصة المورد البشري صلب وعصب أي عملية للتقدم وهو أداة وهدف أية تنمية, وهذا بدوره يتطلب الاستثمار في الإنسان المصري عبر مشروع متكامل للتعليم والنهوض به لتخريج أجيال جديدة مسلحة بكل إمكانات ومهارات العصر الحديث. كما أن تنفيذ هذا المشروع النهضوي ينبغي أن يكون من خلال برامج واضحة وآليات للمتابعة والمراقبة ومواجهة العقبات والتحديات التي تواجهه أولا بأول. كذلك التدرجية, بحيث يتضمن مشروع النهضة تحديد الأولويات الحقيقية للمجتمع المصري, سواء تلك التي في المدي القصير مثل توفير الأمن وتحقيق الاستقرار وإنعاش عجلة الاقتصاد, وحل مشكلة العشوائيات وسكان المقابر, والتي تمثل وصمة عار علي جبين مصر, ومواجهة الأمراض التي تفتك بالمجتمع, أو تلك التي في المدي البعيد مثل النهوض بالتعليم والصناعة والزراعة ضمن إستراتيجية شاملة. إضافة للتوقيتات, أي وضع جداول زمنية محددة للانتهاء من تلك المشروعات, كذلك الشفافية والمصارحة مع الشعب في إظهار القدرات الحقيقية والصعوبات حتي لا تكون هناك فجوة بين ثورة التوقعات وما يحدث علي أرض الواقع. وبالطبع فإن نجاح مشروع النهضة والتحديث يتطلب عددا من الأمور أولها الإسراع في إنجاز دستور توافقي وعصري يعكس أهداف ثورة يناير, وهو ركيزة وهندسة أي تقدم, كما أنه سوف يفض إشكالية التعارض بين الشرعية, التي تعني رضاء الناس وإرادتهم, وبين المشروعية, والتي تعني الاتفاق مع القانون, والتي تسببت في تعقيد المرحلة الانتقالية وحالة النزاع بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية, وثانيها تكريس نظام قيمي يرتكز علي تكريس آليات جديدة للفرز والحراك الاجتماعي والسياسي وتستند علي تغليب معيار الكفاءة والإنجاز في عملية الاختيار أو التصعيد, كذلك تعظيم قيم إتقان العمل وتقديس الوقت والتسامح والمواطنة, وتفعيل آليات الثواب والعقاب والمحاسبة لمواجهة الفساد أو التقصير والإهمال, وثالثها أن يكون مشروع النهضة في إطار شراكة وطنية تضم مختلف التيارات. ولاشك أن السياسة الخارجية تتفاعل مع السياسة الداخلية فهي أداة لدعم التنمية في الداخل, وفي المقابل فإن فاعلية وتأثير دور مصر الإقليمي هو انعكاس لقوة الداخل سياسيا واقتصاديا, وينبغي أن ترتكز تلك السياسة علي مفهوم المصالح وتوازن القوي, حيث انتهت اعتبارات الإيديولوجيا السياسية أو الدينية بعد انتهاء الحرب الباردة, كما أن هناك حاجة لإعادة ترتيب دوائر السياسة الخارجية المصرية بحيث تعطي الأولوية للدوائر الأفريقية والعربية والإسلامية, كذلك تعظيم القوة الناعمة المصرية خاصة الثقافة والفن كإحدي الأدوات الفاعلة الآن في السياسة الخارجية إلي جانب القوة الصلبة. وأخيرا فإن دور الرئيس مرسي هو في قدرته علي تعبئة كل الجهود والطاقات والموارد في اتجاه إعادة بناء مصر واستعادة مكانتها التي تليق بتاريخها وحضارتها وثورتها وهو ما يكرس شرعيتها الجديدة. http://[email protected] المزيد من مقالات احمد سيد احمد