الكاتب الروسى الشهير مكسيم جوركى استطاع رسم صورة «الأم» المثالية المناضلة من أجل الحياة الكريمة فى الوطن فى روايته الشهيرة «الأم». جوركى بدأ فى كتابة رواية الأم عام 1906 ، وخلال أربع سنوات لاحقة قام بنسخ النص الأول وتعديله خمس مرات متتالية، بمعنى أن نص الرواية الكامل قد اكتمل على عدة مراحل متعاقبة، فى كل مرة أدخل بعض التنقيحات المهمة على النسخة السابقة حتى انتهى إلى النسخة التى بين أيدينا الآن عام 1922، كما ذكر المؤلف، ومن يدقق النظر فى أوجه الاختلاف والتطابق بين النص الأول والأخير يلاحظ اختلافًا نسبيًا بين النصوص وطريقة الإنشاء والأسلوب حسبما ذُكِر فى مقدمة النسخة المترجمة إلى الفرنسية، التى أدخل فيها التجربة السياسية لسنوات الثورة. والغاية الأساسية لجوركى من كتابة الرواية هى صقل النضال الثورى ومساندة الحركة العمالية، و بيان نضال «الأم» ضد الحكم الاستبدادى من أجل حُريتهم واستقلالهم، جوركى من مؤسسى الواقعية الاشتراكية التى تسعى إلى تطبيق النظرية الاشتراكية وأفكار صاحبها ماركس. يقول الباحث المصرى أحمد عزيز بكلية الآداب جامعة عين شمس. «إن البناء السردى للرواية قائم على نمو روابط الطبقات التى تعكس أفكار الشخصيات فيما بينها من تناقضات، والرواية تحكى تاريخ أربع سنوات من النضال، كما تمتاز بأسلوب تيار الوعى السياسى الفائق فى تدوين العمل الفني، وكما هو معروف عن كتابات جوركى التى تنبع دائمًا من فلسفة النظرية الرأسمالية، فقد بدأت فكرة الرواية من آخر جملة فى بيان الشيوعية «يا عمال العالم اتحدوا». وتبدأ الرواية بخروج عامل من عمال المصانع «ميشال فلاسوف» عندما ترسل الصافرة إنذار موعد العمل بعدها يهجم سيل من العمال المظلم وهديره الحانق، يخرجون بوجههم الكئيبة إلى المعامل وهم منهوكى القُوى، هذا الرجل هو فرد من هؤلاء العمال الذين يتم استقبالهم بالسباب والقذف وأصوات تروس الآلات وهى تتحرك، عاشت الأم فى هذا الجو الذى لا يبعث على التفاؤل خمسين عامًا، وقد أصابها الأمرين من هرم ومرض وفقر وعرى وجوع. ويرجع «صانع الأقفال» إلى منزله بعد رحلة عمل شاقة، وقد انهك عقله صوت آلات المعامل، فحياته كالماء العكر رتيبة بطيئة ويخرج كل مشاكل وأزمات الحياة فوق رأس زوجته. بول وأمه التى كان ينعتها أبوه دائما بالجيفة، قد عانت هذه الزوجة كثيراً مع زوجها صانع الأقفال القاتم الذى لا يتحدث بغير بذيء الكلام وفواحشه، زوجها جميع الناس يبغضونه ويخشونه لسوء أخلاقه، فكان كلما جلس على المائدة وانتهى من طعامه وتهاونت زوجته «الأم» فى رفع المائدة يركل كل ما عليها على الأرض طريحًا، كان هذا الزوج يقهرها ويضرب ضلوعها؛ ليثأر من شقائه وشقاء حياته التى خنقته دون أن يدري. والأم المثالية المناضلة «بيلاجي» التى تعبت وذاقت الأمرين عناءً ومشقة لقيت من زوجها الأمرين وكل أنواع المصائب والشرور، هذه الأم رفض زوجها إعالتها هى وابنها، كانت هذه الأم تسيل منها رقة حزناً واستسلامًا، هذه الأم المثالية التى قبلت أن تعيش فى منزل عبارة عن مطبخ وغرفة صغيرة لتنام بها وأخرى حجرة مربعة لابنها بول. عاشت فى بيت لم يكن فيه أثاث سوى بضعة كراسي، هذه هى الأم المثالية التى تحملت وقاست حتى أخرجتْ ابنها لطور الحياة من تعليم ورعاية وثقافة بعد موت زوجها. وبعدما كبر ابنها بدأت فى مرحلة التربية الفكرية والرعاية الثقافية فكانت قلقة جدًا على ابنها من النظام الحاكم، قد داخلها شعورٌ بالخوف والشفقة على ابنها؛ لقراءاته فى الكتب الممنوعة من قبل النظام الحاكم التى تكشف الحقيقة عن أوضاع العمال.