يعتبر جوستاف كوربيه (1814- 1875) أهم ممثل للحركة الواقعية فى الفن والتى بلغت أوجها فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر بعد أن كانت الكلاسيكية الجديدة (العائدة) تتصارع مع الرومانتيكية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، وغلب فى الحركة الواقعية إهمال الذات والخيال والانفعالات الخاصة فى سبيل رصد الواقع والطبيعة كما هما دون تدخل من الفنان بمشاعره ووجدانه وميوله الشخصية، فالواقعية التى يمثلها جوستاف كوربيه عملت على تسجيل الواقع كما هو دون إرهاق الخيال والفكر فى التحوير أو التعبير عن إحساسات الذات التى ترهق المتلقى لكى يحس بهذه الرموز المبتدعة عند الفنانين من ذوى الرؤى الخاصة، وهو ما تعارض مع الحركة الرومانتيكية التى كانت الطبيعة فى نظر فنانيها مجرد مادة خام يستلهمونها لصياغتها إلى لغتهم المبتدعة التى تغاير لغة الطبيعة، وهم بذلك يعيدون الكلاسيكية الأغريقية بأسلوبها الرصين المتزن البارد الذى كان يتميز به الفن الأغريقى، ولكن فى ثوب كورى تأثراً بالثورة الفرنسية. وجوستاف كوربيه تتلمذ على أيدى ستيبان وهيس ودرس أعمال الأساتذة القدامى فى «اللوفر» واستطاع أن يعطى المثل فى الصراحة وصدق الرؤية ومعرفة الصنعة الفنية، عالج الضوء عن طريق تباين الألوان أكثر من الالتجاء إلى مزجها، كما اهتم بالتجسيم بدرجات لون واحد فى إحساس شاعرى.. وهو مصور واقعى كان فى مقدمة الحركة المناهضة لبرودة الفن فى الكلاسيكية العائدة، ورغم أن كثافة ألوانه الداكنة واستعماله لسكينة الألوان أضلت مقلديه، إلا أنه أبدع لوحات تمتاز بنبل واضح، من بينها 4 لوحات ضمن مقتنيات متحف محمد محمود خليل وحرمه بعناوين (القيلولة – صورة الفنان – الرجل والغليون – فرع مزدهر لشجرة تفاح). كما توجد لوحة ضمن مقتنيات الفنان المؤرخ الفنى الدكتور جمال قطب بعنوان (جوستاف كوربيه فى مرسمه) أبدعها بريشته، وقد نشرها الفنان جمال قطب فى المجلد الأول لموسوعة (لوحات العباقرة فى ألف عام – تاريخ المدارس الفنية وروائع مبدعيها). وقد التف حول جوستاف كوربيه العديد من شباب الفنانين واعتبروا الواقعية مذهباً فنياً حديثاً يشعر الفنان بحريته من قيود الكلاسيكيين والتعاليم الأكاديمية، وتوالت بعدها اجتهادات الفنانين الشبان الباحثين عن التحديث، وتحولت أحياء باريس ومقاهيها فى الحى اللاتينى إلى شبه منتديات يجتمع فيها الشباب الثائر من الفنانين والأدباء والشعراء من أمثال بودلير وجوتييه واميل زولا الذى سخر كل إمكاناته ونفوذه ومكانته فى المجتمع الفرنسى لتأييد الحركة الواقعية وغيرها من الحركات التحررية.