استشهد المفكر المسيحي المصري، نبيل لوقا بباوي، والأمين العام للأمم المتحدة، البرتغالي أنطونيو غوتيريس، بآيتين من القرآن الكريم، في الأيام الأخيرة، للتدليل على أنهما كفيلتان بإنهاء صراعات العالم، وأزمات اللاجئين. قال بباوي، أمام مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، يوم الأحد الماضي، في القاهرة، إنه في أثناء دراسته للشريعة الإسلامية، استوقفته آية يمكنها إنهاء الصراعات في العالم أجمع. وأوضح أن هذه الآية هي قول الله تعالي: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود: 118). "بباوي" الذي رشحه مجمع البحوث الإسلامية لجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، وله كتاب "الإرهاب صناعة غير إسلامية"، لم يغادر الحقيقة بمقولته تلك، وإنما عبَّر عن الإسلام بروح منصفة، جاذبا انتباه المسلمين إلى ما بين أيديهم من كتاب مُعجز، ووحي قَويم، ومبادئ هادية، لسائر البشر، في كل عصر، ومصر. والآية تتكامل مع الآية التي تلتها، إذ قال الله تعالي: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)". (هود). وفي تفسير "الوسيط" للشيخ السابق للأزهر، محمد سيد طنطاوي: "أخبر، سبحانه، بأن قدرته لا يعجزها شيء، والأمة: القوم المجتمعون على أمر واحد يقتدى فيه بعضهم ببعض. وهو لفظ مأخوذ من "أم" بمعنى قصد، لأن كل واحد من أفراد القوم يؤم المجموع، ويقصده في مختلف شئونه". والتقدير: "لو شاء ربك، أيها الرسول الحريص على إيمان قومه، أن يجعل الناس جميعا أمة واحدة مجتمعة على الدين الحق لجعلهم، ولكنه، سبحانه، لم يشأ ذلك، "وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ". يعود على الاختلاف، أو الرحمة، أو هما معا، فيكون المعنى: "وللاختلاف والرحمة خلقهم" أي أنه، سبحانه، خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وأهل الرحمة للرحمة. وهذا أحسن الأقوال؛ لأنه يعم"، وفق "الوسيط"، بتصرف. وقبل مقولة بباوي، المشار إليها، بقرابة شهر، وتحديدا يوم الأربعاء، 15 فبراير الماضي، وفي القاهرة أيضا، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس: "إن أبلغ ما قيل عن حماية اللاجئين هو ما قرأناه في سورة "التوبة" في القرآن". وفي محاضرة ألقاها بجامعة القاهرة، قال غوتيريس، بشئ من التفصيل: "يقول الله في سورة "التوبة"، إن حماية اللاجئين ينبغي أن تُقدم للمؤمنين وغير المؤمنين، وهذا في واقع الأمر أبلغ ما قرأته بالنسبة لحماية اللاجئين، فالحماية تقدم للاجئين بصفتهم الإنسانية بغض النظر عن عقيدتهم"، بحسب تعبيره. والآية التي قصدها الأمين الأممي هي السادسة من سورة "التوبة"، قوله تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ". وفي تفسير "الوسيط" أيضا: "قوله: استجارك، أى، طلب جوارك وحمايتك من الاعتداء عليه، وقد كان من الأخلاق الحميدة المتعارف عليها حماية الجار والدفاع عنه، حتى سُمى النصير جارا". وأضاف التفسير أن هذه الآية الكريمة تشهد بسمو تعاليم الإسلام وسماحتها وحرصها على هداية الناس إلى الحق، وعلى صيانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم من العدوان عليها.. حتى ولو كانوا من أعداء الإسلام. ووفق "الوسيط": "كانت قمة عالية، تلك الإجارة والأمان، لهم في دار الإسلام.. ولكن قمة القمم، هذه الحراسة للمشرك- عدو الإسلام والمسلمين- حتى يبلغ مأمنه خارج حدود دار الإسلام. إنه منهج الهداية لا منهج الإبادة، حتى وهو يتصدى لتأمين قاعدة الإسلام"، بحسب التفسير. حقا، إن حلول مشكلاتنا ومشكلات العالم، كما ألمح بباوي وغوتيريس، هي بين يدي هذا الكتاب المعجز، "القرآن الكريم"، لكنه يحتاج فقط إلى قوم يستبصرون حقائقه، ويستضيئون بهديه، ويستخرجون كنائزه، ويقدمون هديه وهداياه إلى العالم أجمع. ليتنا نكون ممن يفعل ذلك.. ليتنا نمتلك إنصاف بباوي، وغوتيريس، للقرآن. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;