كان الرئيس الأسبق سيد محمد خاتمي قد أعلن اقتراحا بعقد مصالحة بين الشعب والسلطة الحاكمة، مؤكدا قبوله الكامل بكل وجود الجمهورية الإسلامية، باعتبارها أفضل نظام لحكم إيران، مع احتفاظه بحق نقد الحكومة الناعم، ودعوته لها بإصلاح ما بها من ضعف وقصورا وقد أثارت دعوة خاتمي للتصالح موجة من الجدل الشديد على الساحة السياسية، مع تصاعد مخاوف الأصوليين من استغلال هذه الدعوة في دغدغة مشاعر المواطنين للتعاطف مع الذين أطلق عليهم النظام أصحاب الفتنة أو الليبراليين أصحاب الدعوة للتعامل مع النظام العالمي، والخوف من تغير الموازين لصالح الإصلاحيين مع الاستعداد لانتخابات رئاسة الجمهورية، لكن الإصلاحيين بادروا بتأييد هذه الدعوة وتبريرها، وإشاعة المقدمات لتحقيقها، وقد سارعت أجهزة الإعلام للتيار الإصلاحي بترويج هذه الدعوة، مؤكدة أن ضوءا أخضر للقاء المحدد إقامتهم، من أجل إنهاء هذا الوضع، و أنه تجري محاولات، وتعد الخطط من أجل العفو عن ثلاث شخصيات قيادية إصلاحية، وأن المسئولين قد وافقوا على طلب علي مطهري مقابلة المحدد إقامتهم إلا أن موعد المقابلة لم يتحدد نهائيا بعد. وصرحت القيادات الإصلاحية بأن المصالحة الوطنية معناها إحياء شعار «الجميع معا» الذي رفع في وقت الثورة وشعار«إيران للإيرانيين» الذي رفع في عصر الإصلاحات، أي أن تنزل جميع القوى إلى الساحة، مع احتفاظ كل فريق بعقائده، للتعاون من أجل إنقاذ إيران، ولا معنى للاعتذار بعد أن دفعوا ثمن مطالبهم طوال السنوات الماضية في السجن وتحديد الإقامة. كما وجهت الدعوة لكل التيارات للاستعداد للتباحث دون شروط، وفي إطار الدستور، حيث يتم إحباط سياسات ترامب العدائية بالرجوع لدعم شعبي. وطالبت بعدم إهدار الفرص بمنافسة طفولية، والاستفادة من عبارة التضامن الوطني بدلا من المصالحة الوطنية، فالتضامن والاتحاد الوطني ضرورة للبلاد في الظروف التي تمر بها، وقد أكد التيار المعتدل ضرورة عدم الوقوف في وجه الدعوة للمصالحة الوطنية، باعتبارها ضرورة وطنية في الوقت الحالي في حين أن التيار الأصولي عمل على إفشالها وتساءل بعض المحللين السياسيين الأصوليين عن سبب سعى الليبراليين للمصالحة مع النظام؟ خاصة أنه بعد منتظري في عهد الإمام الخميني، ورافسنجاني في عهد الزعيم خامنئي لا توجد شخصية تستطيع أن تلعب نفس الدور الليبرالي المتعامل مع النظام، والذي يسعى لإضعافه ثم تغييره، ورغم دعوة خاتمي للاستفادة من وصول ترامب لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية في خلق المجال للمصالحة الوطنية، فإن الدعوة لن تلقى استجابة، لأن الهدف من هذه الدعوة ليس توحيد الصفوف للمقاومة في مواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإنما عودة الليبراليين للساحة .السياسية في إيران ومع ازدياد القلق وانتقاله إلى الرأي العام الإيراني، أصبحت قضية المصالحة الوطنية مواجهة حادة بين فريقين مختلفين حول القضية، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات رئاسة الجمهورية الإيرانية، وهو ما أدى إلى تدخل الزعيم الإيراني آية الله سيد علي خامنئي، وقد اعتبر النقاد تصريحات خامنئي في هذا الشأن قنبلة فجرها الزعيم في وجه الإصلاحيين، حيث رفض بشكل حاسم إجراء ما يسمى بالمصالحة الوطنية، بل اعتبر هذه الدعوة بلا معنى، مؤكدا أن الشعب لا يقبل المصالحة مع من أهانوا طقوس عاشوراء الحسين عام 1388 ه ش2010م، وقال: وهل يحمل الشعب ضغينة لبعضه البعض بحيث يطلبون مصالحة وطنية؟ لا شك أنه لا توجد ضغينة في صفوف المجتمع، إن أصحاب الضغينة هم من تعاملوا بقسوة وبلا حياء أو أخلاق مع شباب البسج، فخلعوا عنهم ثيابهم في الشوارع وضربوهم وأهانوهم، ولم يتعاملوا معهم بالتقوىإن المسيرات الشعبية في 11 فبراير هي دليل عزة الثورة والنظام وإيران، وهو ما يجعل لساني عاجزا عن توجيه الشكر لهذا الشعب، ولا ينبغي أن يتصور المسئولون أن هذه المسيرات لم تتضمن العتاب الشعبي إن تأمل تشكيلات المسيرات التي حشدت جميع العرقيات، يبعث على الأمل، ويشير إلى أن الجيلين الثالث والرابع اللذين لم يشهدا أحداث الثورة لديهما الوعي والبصيرة، وإن صمودهما في ميدان الدفاع عن الثورة والنظام يدل على نضج الثورة وتعالي النظام، وهي مسألة مهمة ينبغي أن تؤخذ في الاعتباروإن الذين يقولون إن الانتخابات حجة، وإنما هدفنا هو أصل النظام، إنما هم فئة محدودة، وهم قطرة في بحر الشعب المحيط الهادر، وقد انبرى كثير من المسئولين لتحليل موقف الزعيم خامنئي المتشدد، حيث أكد آية الله آملي لاريجاني رئيس السلطة القضائية أن المصالحة الوطنية ليست مرفوضة ولا نعارضها، إنما لا موضوعية لها، وطرحها خاطئ، فليس هناك اختلاف أساسي حول المصالح الوطنية والأمن الوطني، حتى نلجأ للمصالحة الوطنية، وإنما أولئك الذين انفصلوا عن الشعب بالفتنة، عادوا يطالبون بقبول أخطائهم، وليست هذه قضية الشعب كما حاول كثير من القيادات والنخب السياسية أن يضعوا بعض الشروط لعلها توجد حلا وسطا، في محاولة للتخفيف من حدة رأي الزعيم ، مؤكدين أن العودة عن طريق الخيانة للناس شرط أول لأي نوع من المصالحة، وأن أولئك الذين لم يوضحوا موقفهم بعد من تلك الأحداث المشئومة والمؤامرات المشينة، لا يحق لهم أن يتحدثوا عن المصالحة، وإن أولئك الذين حولوا الحماسة الشعبية عام 88ه ش إلى فتنة عليهم أن يتوبوا إلى الله أولا وإلى الشعب، ومن لم يفعل فإنه ليس نادما على ما اقترفوأن القضية ليست المصالحة الوطنية، وإنما هي قضية علاقات باردة إلى حد ما، وينبغي أن يسود خطاب الحوار الوطني في بلادنا، وكل من أخطأ عليه أن يعتذر، وأن الفراغ الحاد الموجود في النظام هو افتقاد الإدارة الفعالة على أساس أفكار خطاب الثورة الإسلامية، فليس لتيار الثورة نموذج مناسب للعمل التنفيذي وأن طريق العودة ليس مغلقا أمام أصحاب الفتنة، بشرط أن يتوبوا ويعلنوا ندمهم على سيرهم في طريق الفتنة. مشيرين إلى أنه في سبيل بناء إيران الحرة المستقلة العامرة، واتباع زعيم الثورة يكون العمل من أجل الإجماع على المصالحة والانسجام الوطني. من الواضح أن الزعيم خامنئي مصر على موقفه برفض المصالحة، وهو ما سوف ينعكس على انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة، حيث تتضاءل الفرص أمام التيار الإصلاحي للفوز بها، لكن عدم تمكن الأصوليين من الاتفاق على مرشح واحد، يثير الكثير من الغموض والتساؤلات. أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس لمزيد من مقالات د. محمد السعيد عبد المؤمن