ليس واردًا بحال من الأحوال القبول بأى أسافين تدق فى أى مساحة بين مصر وفلسطين.. الشعبين والجغرافيا والتاريخ، والألم والأمل، وقل ما شئت من جوانب فى حياة البشر.. ليس لأن هناك من يعتقد اعتقادًا لا تفريط فيه - ومنهم كاتب هذه السطور - أن انخراط مصر فى القضية الفلسطينية هو من صميم أمنها الوطنى ووجودها القومي، وهو من صميم موقفها المبدئى فى كفاحها ضد الاستعمار قديمه وجديده، والصهيونية باعتبارها حركة استعمار استيطان عنصري.. ورغم أن هذه المفردات قد تبدو مع متغيرات الانحطاط العربى عمومًا والاضمحلال السياسى والثقافى الذى ضرب مصر بوجه خاص؛ رطانات عفى عليها الزمن ولغة تعبوية شعبوية تحريضية عند الذين يرون فى الخيانة بالتواطؤ مع العدو الصهيونى وجهة نظر، وخلافًا لا ينبغى أن يفسد ود المصالح، إلا أنها مفردات لمنظومة متكاملة من الأفكار والمواقف والسياقات التاريخية، هناك عشرات من البراهين على صحتها وبقاء جذوتها متقدة لا تخبو. لقد كتبت الأسبوع الفائت عن شر البقر الذى شاءت تعاسة الأيام أن يبقى فى واجهة بعض مؤسسات السلطة الفلسطينية وبعض مؤسسات منظمات العمل الفلسطيني، وكيف أن فيهم من يعمد الإساءة لمصر وقياداتها، وتشاء الصدفة التى يراها بعض فلاسفة التاريخ صاحبة دور فى حركته، أن تصلنى هدية ثمينة من رجل محترم له أفضال متعددة هو الأستاذ الدكتور عادل حسن غنيم أستاذ التاريخ العربى الحديث والمعاصر والرئيس السابق للجمعية المصرية للدراسات التاريخية.. إذ له فضل السبق فى البحث العلمى فى مجال تاريخ فلسطين وقضيتها، وله الفضل على كاتب هذه السطور، إذ وقف إلى جواره وأسرته أثناء محنة السجن فى عام 1977، وفضل سعة الصدر والقبول بالاختلاف فى الرأى والتعدد فى الاجتهاد حتى وإن تصادم تمامًا مع ما يذهب إليه. الهدية هى الجزء الثانى من المجلد الرابع من موسوعة مصر والقضية الفلسطينية، وهى الموسوعة التى يروى محررها العام الدكتور عادل غنيم بعضًا من سيرتها فى مقدمته للجزء الأول من المجلد الرابع، فيقول: (موسوعة مصر والقضية الفلسطينية التى تقدم بها مجموعة من أبرز مؤرخى مصر ويصدرها المجلس الأعلى للثقافة بناء على توجيه من مجلس الوزراء المصرى الذى قرر بجلسته فى 14 يناير 2009 أن تقوم وزارة الثقافة بإعداد ورقة عمل بشأن الأسلوب الأمثل لتوثيق تاريخ الحروب المصرية - الإسرائيلية وإبراز صلتها بالقضية الفلسطينية والتضحيات التى تحملها شعب مصر).. ثم كان تكليف من الدكتور عماد أبو غازي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة آنذاك، للدكتور عادل غنيم بإعداد دراسة مختصرة رفعت لمجلس الوزراء، واقترح الدكتور أبوغازى تشكيل لجنة كان مقررها الدكتور غنيم فى إعداد دراسة تفصيلية عن مصر والقضية الفلسطينية، تطور عملها- كما يروى محرر الموسوعة- إلى إعداد الموسوعة التى صدر المجلد الأول منها قبيل منتصف عام 2012 ،ويؤرخ لتاريخ مصر والقضية الفلسطينية منذ تصريح بلفور 1917 حتى ثورة 1952، ثم جاء المجلد الثانى الذى يتناول حرب 1948، وبعده المجلد الثالث الذى يتناول العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وبعده جاء المجلد الرابع الذى يتناول فى جزئه الأول مقدمات حرب 1967، أما الجزء الثانى من المجلد الرابع فقد صدر هذا العام 2017 وعنوانه «من العدوان الثلاثى إلى حرب 1967». فى الجزء الأول من المجلد الرابع يكتب الأستاذ الدكتور عاصم الدسوقى - أبرز مؤرخى مصر المعاصرين - فى موضوعين، أولهما عن أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين حربين، وثانيهما عن دور التنظيم السياسى فى تنمية الوعى بقضية فلسطين، ويكتب الدكتور عبد الوهاب بكر عن أوضاع مصر العسكرية، ثم اللواء عبدالمنعم كاطو عن المتغيرات السياسية والعسكرية السائدة كمؤثر رئيسى فى مجريات الحرب، ثم اللواء سامح أبو هشيمة عن برامج تثقيف وتوعية القوات المسلحة بالقضية الفلسطينية، ويكتب الدكتور زكى البحيرى عن القضية الفلسطينية فى مقررات التعليم قبل الجامعي، وعصام الغريب عن مجلس الأمة وقضية فلسطين، ثم إسلام محمد عبدالخالق عن دور الدبلوماسية المصرية تجاه القضية الفلسطينية، وبعدها يكتب عبدالقادر ياسين عن تبنى مصر للعمل الوطنى الفلسطيني، وعبدالمنعم الجميعى عن رعاية مصر للاجئين الفلسطينيين، ومحمد على حلة عن دور مصر فى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.. ويأتى المحور الأخير عن دور الإعلام والأدب والفن فى القضية الفلسطينية لتكتب الدكتورة عواطف عبدالرحمن عن الصحافة المصرية والقضية الفلسطينية، ويكتب سامى سليمان عن صورة القضية الفلسطينية فى الرواية المصرية، وعبدالناصر حسن عن دور الشعر فى تنمية الوعى فى القضية الفلسطينية، ويكتب محمد عفيفى عن السينما المصرية والقضية الفلسطينية. وفى المجلد الثانى من الجزء الرابع نجد محورين، الأول دور مصر والعرب وإفريقيا فى القضية الفلسطينية، والثانى عن موقف مصر والعالم من إسرائيل، ويكتب محمد عبد المؤمن عن مصر والقضية الفلسطينية فى الجامعة العربية وعن الدول العربية والقضية، ويكتب السيد فليفل ووسام طه عن منظمة الوحدة الإفريقية والقضية الفلسطينية.. ويكتب الدكتور جمال شقرة عن مصر وأمريكا وإسرائيل، ويكتب فطين أحمد فريد عن موقف مصر من دعم بريطانيا لإسرائيل، وإلهام ذهنى عن موقف مصر من دعم فرنسا لإسرائيل، ثم يكتب وجيه عتيق عن موقف مصر من دعم ألمانيا الاتحادية العسكرى لإسرائيل، ومحمد كمال يحيى عن موقف الاتحاد السوفيتى من القضية الفلسطينية، وأخيرا وسام طه عن موقف الأممالمتحدة من الصراع العربى - الإسرائيلي. تلك مجرد عناوين قرأت بعض تفاصيلها ومازلت بصدد قراءة ما تبقى.. إنه عمل أتمنى أن يقرأه المصريون، وأن يقرأه ويستوعبه ويتعلم منه أولئك الذين ابتليت بهم ساحة العمل السياسى فى فلسطينالمحتلة فتصدروا المناصب لتصبح ألقاب مملكة فى غير موضعها!. لمزيد من مقالات أحمد الجمال