لم تكن العمليات الإرهابية تجاه المواطنين المصريين المسيحيين فى سيناء مفاجأة لمن يتابع النشاط الإرهابى على مدى العامين الأخيرين فى سيناء ويدرك جذور هذا التنظيم الإرهابي، وبيئته الحاضنة هناك، خاصة منذ انهيار المنظومة الأمنية للدولة المصرية هناك إثر أحداث عام 2011، الأمر الذى يتضح بالنظر للملاحظات التالية: أولا: مع تدهور المناخ الأمنى فى سيناء فى ذلك الوقت، كشف الواقع هناك عن تنامى التيار السلفى الجهادى فى العريش وعدد من القرى والمدن السيناوية، وقد عبر هذا التيار عن ثقله وحضوره بصورة غير مسبوقة تجسدت فى مظاهر تجاوزت كل مؤسسات الدولة وكان من بين أوضح تلك المظاهر ذلك الاستعراض العسكرى الذى قامت به خلايا تابعة لجماعات إرهابية من بينها ما يُسمى بتنظيم التكفير والهجرة وبعض الروافد الإرهابية الأخرى فى شوارع مدينة العريش وذلك عام 2012 وضمت تلك المظاهرة أكثر من 200 سيارة بها حوالى ألف فرد بعضها كان يحمل الرايات السوداء وانتهت المظاهرة بالاعتداء على قسم الشرطة، فضلاً عن قيام مجموعات مسلحة أخرى بمحاصرة ميناء نويبع للإفراج عن متهمين تم القبض عليهم فى محاولة تهريب شحنة مخدرات، ومن مظاهر تنامى ذلك التيار أيضاً على هذا المستوى ما عبر عنه أحد مؤسسى الجماعة السلفية هناك أنهم شكلوا مجموعات من ستة آلاف مسلح سيتولون فرض الأمن، هذا بالإضافة إلى حديث لعدد آخر من تلك القيادات السلفية المتطرفة حول نيتهم تشكيل محاكم شرعية تكون بديلاً للمجالس القبلية. ثانيا: قيام عناصر سلفية متطرفة ومجموعات من المنخرطة فى التنظيمات التكفيرية بالتنسيق مع مجموعات أخرى داخل غزة لإمدادهم باحتياجاتهم بدعوى كسر الحصار، وهو ما كشف عن تورطهم فى عمليات التهريب عبر الأنفاق وتكونت آنذاك ميليشيات ومجموعات مسلحة تولت عمليات التهريب عبر الأنفاق وأعطت لهذه العملية نوعاً من المشروعية، وشمل هذا التهريب مجالات متعددة سواء تهريب السلاح أو الأفراد. ثالثا: هذه هى البيئة الحاضنة التى استثمرتها تلك القوى لإقامة سلطة موازية للدولة تحت غطاء قبلى يتناقض مع النظام القبلى الذى كان سائداً هناك ولا يحترم القيادات القبلية الكبرى ذات التاريخ الوطني، وهو ما خلق أرضية مناسبة لتفريخ كوادر التطرف والإرهاب المنفلتة اجتماعياً، وقد سمح فتح الحدود والحركة عبر الأنفاق بانصهار المنظمات التكفيرية فى سيناء مع المنظمات الإرهابية داخل قطاع غزة خاصة المرتبطة بالسلفية الجهادية. كما حدث تلاقى مصالح بينها وبين منظمات تهريب السلاح والتهريب بمعناه الواسع. وتبلورت بذلك بؤرة للإرهاب فى سيناء، وزاد من ذلك تداعيات قرار العفو الذى صدر بعد ذلك خلال حكم الرئيس مرسى عن قيادات إرهابية مطلوبة على ذمة قضايا، فضلاً عن عودة قيادات كانت مُلاحقة أمنياً، ووقف الملاحقات الأمنية لكوادر عادت من اليمن والعراق وأفغانستان، انتقلت أعداد منها إلى سيناء. وارتبطت معظم هذه الخلايا والمجموعات بتنظيم القاعدة خاصة تنظيمات أنصار الجهاد، والتوحيد والجهاد، وصولاً إلى تنظيم أنصار بيت المقدس الذى انصهرت مجموعات كبيرة من التنظيمات السابقة داخله، ونجحت فى إنشاء علاقات مع تنظيمات الإرهاب فى سورياوالعراق وليبيا. رابعا: أن مواقف الكثير من القيادات السلفية مسئولة عن مناخ العداء، وتمثل غطاء لعناصر التكفير فى تعرضها واعتداءاتها على المواطنين المصريين المسيحيين، وهذا الموقف ليس قاصراً من جانب تلك العناصر التكفيرية على مصر، ولكنه جزء من الفكر التكفيرى المتطرف، سواء لتنظيم القاعدة أو داعش، وكان مبرراً للعمليات الإرهابية التى تعرض لها المواطنون المسيحيون وغير المسلمين فى كل من العراقوسوريا، وتكشف وثائق وكتب ما يُسمى بالمنظرين الشرعيين فى التنظيمين عن عمق النظرة الإرهابية لتلك التنظيمات الإرهابية تجاه المسيحيين. وفى تقديرى أن توقيت ما جرى للمواطنين المسيحيين المصريين فى العريش قد استهدف تحقيق حزمة من الأهداف التى تلتقى عليها تنظيمات الإرهاب مع قوى كثيرة إقليمية ودولية رافضةً لما تحققه مصر من إنجازات فى سبيل تحقيق الاستقرار والتنمية، وهو ما يمكن إيجازه فى محاولة التنظيم الإرهابى فى سيناء تأكيد استمرار حضوره وقوته داخل العريش ورفح بعد نجاح القوات المسلحة المصرية وأجهزة الأمن فى اجتثاث الكثير من جذوره، وهو ما دفعه للتركيز على المواطنين الأبرياء كحلقة ضعيفة تترك صدى إعلاميا مؤثرا. والتشويش على زيارة السيد رئيس الجمهورية إلى الولاياتالمتحدة والتى تتم بناء على دعوة من الرئيس الأمريكى الجديد تقديراً لمصر ولرئيسها، ودعماً لما تقوم به الدولة المصرية فى مواجهة الإرهاب، ومحاولة إعادة ملف الأقباط إلى موضوعات المناقشة خلال الزيارة، حيث كان الملف الثابت على مدى سنوات طويلة فى أيه لقاءات بين مسئولين مصريين وأمريكيين، ومحاولة التقليل من حجم الإنجازات الجبارة التى تقوم بها، ولا تزال قواتنا المسلحة وأجهزة الأمن فى مواجهة الإرهاب، والتغطية على نجاحها فى محاصرة العناصر الإرهابية بصورة كبيرة، خاصة تطهير منطقة جبل الحلال التى كانت تمثل بؤرة ارتكاز لعناصر وخلايا الإرهاب. علاوة على السعى للتأثير السلبى على ما حققه الرئيس السيسى والدولة المصرية من إنجاز على مستوى تعامل الدولة مع مواطنيها المسيحيين الذين ساندوا ثورة 30 يونيو، ومحاولة ضرب التوافق الملحوظ والإيجابى المتطور بين الدولة والكنيسة المصرية. ومحاولة التأثير السلبى على نظرة دول الاتحاد الأوروبى إلى مصر، وإعاقة عودة السياحة. الموقف الآن يحتاج إلى مصارحة ووضوح، فالدولة المصرية مسئولة عن إعادة هؤلاء المواطنين إلى مساكنهم وأعمالهم لتأكيد هيبة الدولة، وقدرتها على حماية مواطنيها وإفشال الخطط المرتبة لضرب الاستقرار والأمن فى مصر، وعدم اعتبارهم لاجئين أو ضيوفا. ومن الضرورى عمل حوار مجتمعى واسع مع مختلف القوى القبلية والسياسية والاجتماعية فى سيناء، وتبادل وجهات النظر وصولاً إلى تفاهمات تسمح بعودة الدور المتراجع لشيوخ القبائل المحترمين، والمجالس القبلية، وتفهم مطالبهم فيما يتعلق بالإدارة المحلية، والقيام بعمليات فرز للعناصر والمجموعات التى تمثل بيئة حاضنة للإرهاب. وقد يكون مطلوباً أيضاً مواجهة المنابر الإعلامية التى تحاول استثمار الحدث لضرب الاستقرار وإثارة الفتنة، وذلك بموضوعية ومنطقية واضحة. الخلاصة يجب أن تتضامن كل مؤسسات الدولة وشعبها لتأكيد أن ترويع المصريين المسيحيين هو ترويع للوطن، وضرب للأمن القومى المصري، وأن مصر ستبقى مستهدفة كلما حاولت تجاوز عمق الزجاجة فيما يتعلق بأزمتها الاقتصادية أو فيما يتعلق بسعيها لتحقيق الاستقرار والأمن واستئصال جذور الإرهاب. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات;