كشف طارق عامر، محافظ البنك المركزي، عن أن حجم تحويلات المصريين بالخارج وصل إلى 20 مليار دولار في العام. أعتقد أن هذا الرقم الذي تعلنه الدولة عن تحويلات المصريين بالخارج لا يعبر عن الحجم الحقيقي لتحويلاتهم الفعلية، وذلك لأن البنك المركزى يُعلن عن أرقام التحويلات الرسمية التي تمر عبر البنوك المصرية، وبالتالي فإن البنك المركزى يحسبها بصفته كبير هذه البنوك والمشرف عليها، فى حين أن آلاف المصريين يحولون أموالهم بعيدًا عن البنوك بطريقة عادية تلقائية داخل جيوب أقاربهم ومعارفهم القادمين إلى أرض الوطن. ويفعلون ذلك حتي لا يلجأون إلى تحويلات بنكية معقدة عند الإيداع وساعة الصرف، وما أدراك ما ساعة الصرف.. هى تلك الساعة التى تضطر فيها إلى تضييع يوم بأكمله من أجل الوقوف بطابور طويل حتي تحصل على حقك، ولأننا عباقرة فى ساعات نادرة، فإن المصرى أراح نفسه وظهرت عبقريته في الاستغناء عن لحظة الصرف تلك وما يتتبعها من معاناة. اليقين الذى أتكلم به ناتج عن تجارب ومشاهدات شخصية أراها في قريتي.. حيث لا يخلو شارع - على الأقل - من أسرة لها مسافر خارج البلاد.. ذهب ليبدأ حياة جديدة، يبحث عن رزق أوسع ويضرب فى الأرض لعل الله يعطيه من الخير ما يسعد به أسرته التي تركها.. شخصيًا لي كثير من المعارف والأقارب خارج البلاد.. ولكل منا له حالات مشابه يراها ويعرفها. لكن على كل حال يبقى الوضع الأصلي أنه لا يتم حساب كثير من الأموال التى تدخل إلى مصر ضمن تحويلات المصريين بالخارج.. وهو ما يشكل ضياع عملة صعبة تحتاجها الدولة لكي تصلح بها العجز فى ميزانها التجاري وتحتاجها فى زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية. وهنا أتذكر فكرة كان والدي - رحمه الله - يكررها علينا كثيرا استمدها من واقع تجربته مع كثير من المغتربين، وأرسل بها خطابات بعلم الوصول لعدد من وزراء المالية السابقين عسى أن ينفذوها، والفكرة أن تشترط الدولة على العاملين المصريين القادمين من الخارج استبدال مبلغ بسيط جداً.. بسعر البنك المركزى وكل مغترب على حسب العملة المحلية فى البلد التى يقيم فيها.. فمثلا لو فرضت الدولة 50 ريالًا على القادمين من المملكة السعودية يتم تغييرها بسعر البنك المركزي، هنا ستظهر منفعة مشتركة بين الدولة وبين المواطن.. فالدولة ستستفيد من مئات الآلاف بل الملايين القادمين من السعودية، وتحصل على احتياطي نقدي لا بأس به من عملة السعودية، والمغترب سيكسب دعم بلاده بعملة أجنبية، وتوفير تلك العملة (الريالات) التي سيجدها حينما يحتاجها إن أراد عمرة او حجًا أو سفرًا عاديًا للمملكة.. ولن يخسر المغترب إلا قروشاً أو بضعة جنيهات إذا حسب الفرق بين تغيير 50 ريالًا بسعر البنك المركزي وتغييرها بسعر السوق السوداء أو بسعر أعلى البنوك فى مصر.. بالطبع يستثني من شرط تغيير العملات في المطار، الطلبة الدارسون بالخارج، والمرضى والسياح المصريون، وكل الفئات ما عدا من يثبت أنه يعمل بالخارج لفترة كبيرة مثلًا تصل إلى ستة أشهر. الفكرة كانت ستكون قوية لو تم تطبيقها قبل تحرير سعر الصرف، لكنها ما تزال صالحة لزيادة الاحتياطي النقدي ودعم اقتصاد البلاد. شخصياً، سألت كثيراً من المغتربين عن الفكرة، ووجدت استجابة وترحيباً شديداً، بعيداً عن الأغاني التي مملنا منها وتم استهلاكها وابتذالها بصورة كبيرة، إلا أن الحقيقة تكشف أن المصري يقف مع بلده في أحلك الظروف. ختاماً، الفكرة واضحة وبسيطة. أتمنى أن تنفذها الدولة كما هي بدون أى زيادة وبدون أن تتحول إلى "ضريبة على تحويلات المصريين".. فبساطة الفكرة وبراعتها أنها لن تضع أى عبء مادى على كاهل المغترب الذي اضطر إلى الغربة وترك تراب وطنه من أجل مستقبل أفضل له ولأبنائه.. حتى لا نجعله يكره البلد وقوانينها. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى;