الأمر الذى ليس محل شك أو جدل، أن تعيين المرأة المصرية فى منصب »المحافظ«، هو قرار إيجابى للغاية، وهو بداية لتحديات جسام للمرأة والمجتمع كله. فنجاح المرأة فى هذا المنصب يهم المجتمع قبل المرأة فى شخصها، لأنه يعنى ببساطة أن نصف المجتمع آخذ فى التقدم خطوات للأمام، ومالم نوفر ضمانات لنجاح هذه الخطوات، فإن الفشل سيعيدنا مرة أخرى إلى المربع الأول للوجود المجتمعى الشكلى للمرأة. أى أنه إذا كانت الفكرة فى تعيين المرأة فى منصب »المحافظ«، إيجابية فى حد ذاتها، فإن نجاحها هو التحدى الأكبر حتى يتم افساح المجال أمام سيدات أخريات فى هذا المنصب. وهنا فمسئولية المجتمع كبيرة فى نجاح المرأة فى هذا المنصب المهم والمحورى، وأراه أهم من منصب »الوزيرة«، لأنه يحمل أعباء مضاعفة أكبر من طاقة الوزير بما يعادل عشرة أمثال مهام الوزير وطاقته، فمنصب الوزير مكتبى أكثر، بينما مهمة المحافظ ميدانية أكثر ومنفذ لسياسات الحكومة، ومن ناحيتى الشخصية، فإننى نشأت فى بيئة تقدر المرأة، وتسمح لها بالعمل العام، وهى بيئة سياسية ناضجة فى شبرا الخيمة، وعملت فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية نحو عشر سنوات، كانت السيدات الأستاذات تمثلن 70% من إجمالى العاملين فيه، وكانت رئيسة قسمى أستاذة، ومديرة المركز أستاذة، ورئيس مجلس الادارة بحكم منصبها وزيرة الشئون الاجتماعية (أستاذة)، واستثناءً رئيس الشعبة »أستاذ«، ولم أجد غضاضة فى ذلك بل كل احترام وتقدير. كما أن المشرف المشارك على الدكتوراة كانت أستاذة، وكذلك زوجتى أستاذة جامعية، حتى عندما ذهبت أكثر من مرة أستاذا زائرا فى الولاياتالمتحدة بعدد من الجامعات تصادف أن رئيس القسم كانت أستاذة فى كل جامعة أذهب إليها. كما أنه خلال ولايتى كعضو مجلس الشعب (2005 2010م) كانت النساء هن الأكثر إهتماما عندى بمساعدة شقيقتى الكبرى ذات التاريخ فى العمل العام، كما أن مشروعات قوانينى وأفكارى تحت القبة فى هذا السياق لصالح المرأة المصرية. وتشهد المرأة المصرية فى مجلس الشعب بمدى تشجيعى لهن ومساندتهن مهما يكن انتماؤهن السياسى، لأن مصلحة المرأة من مصلحة المجتمع ويصب دعمها فى المصلحة العامة. حتى عندما كونا تحالفا باسم (تحالف العدالة الاجتماعية 25 يناير 30 يونيو)، فقررت المرأة أن يكون لها حركة لتصبح عضوا متميزا فى التحالف باسم حركة رائدات المستقبل، مازالت تعمل الى الآن وتمارس دوراً مجتمعيا فى دعم قضايا المرأة والشباب، وأتشرف بأننى راعى هذه الحركة لقناعتى الشخصية بذلك.حتى إنه تتويجا ودعما للمرأة وضعنا المرأة على رأس قوائم التحالف التى قدمناها فى الجولة الأولى (فبراير/ مارس 2015)، والتى لم نوفق فى تقديمها فى سبتمبر 2015 م لأسباب معينة. إذن على المستوى الشخصى (والممارسة السياسية والفكر السياسى والمجتمعى) فأننى أشد انحيازا لقضايا المرأة ودعم حقوقها والتفكير الدائم فى كيفية الحفاظ على حقوقها ومكانتها، وأرى فى وجه كل امرأة التقيتها أنها مواطنة لها كافة الحقوق وعليها نفس الواجبات فى ضوء الحفاظ على التقاليد الايجابية للمجتمع مثلا فإننى أستاء كثيراً عند عودتى من شبرا الخيمة إلى سكنى فى مصر الجديدة، أن أرى عدداً من السيدات فى الليل (بين 10 12 مساء)، يقمن بكنس الشوارع أعلى كوبرى قصر الطاهرة خلف قصر القبة، وأشعر بألم فظيع أن تعمل المرأة فى جوف الليل من أجل لقمة العيش، ولكن لا الموعد كريم، ولا طبيعة العمل، وهو الأمر الذى يحتاج لمراجعة وعلاج سريع حفاظا على كرامة المرأة المصرية وتقاليدنا التى تصون المرأة ولا تسمح لها بالاهانة أيا كان الأمر. وقد كان تعيين المرأة فى منصب المحافظ، حلما لنا، بلاشك، ولذلك فإن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بتعيين أول امرأة فى منصب المحافظ، هو قرار تاريخى أى تحولى لمصلحة المجتمع، يجب تأكيده والاشادة به، وهو تاريخ لا ينسى (فبراير 2017 م). كما أننى أنظر إليه على أنه جاء تتويجا لموقف ثورة 23 يوليو 1952 من المرأة التى تمتعت بكل حقوقها ابتداءً من دستور 1956 بالمساواة الكاملة مع الرجل فى المشاركة السياسية (تصويتا ترشيحا)، وتعيينا فى جميع الوظائف الحكومية دون استثناء دستورى، والأجر الكامل مثل الرجل، وهو الأمر الذى يعد مرجعية لم يحدث نكوص عنها منذ الزعيم جمال عبد الناصر، لكن ظل التحدى فى الممارسة والواقع. وقد سار الأمر بالتدرج اخيرا، حيث تم تعيين المرأة نائبا للمحافظ فى عدد من المحافظات (القاهرةالاسكندريةالبحيرة)، ثم تم تكليف سيدة للقيام بأعمال محافظ الاسكندرية عدة شهور حتى تم تعيين محافظ، وأخيراً جاءت السيدة/ نادية عبده وهى مهندسة، لتكون أول من يشغل منصب المحافظ رسميا. وبالتالى فالفكرة سليمة ومقبولة ومحل توافق مجتمعى، حتى إن. مفتى الجمهورية، ذهب ليبارك تعيينها وفى مكتبها وفى هذا تقدير للمرأة المصرية. ، ومازال الحوار متصلا. لمزيد من مقالات د. جمال زهران