بدأت الحكومات الأوروبية فى السنتين الماضيتين فى اتخاذ إجراءات قانونية لمواجهة الأخطار التى تواجه سلامة الدولة والمواطن، خاصة جرائم الإرهاب، بعض هذه الإجراءات والقوانين أحدثت رد فعل بالقلق من جانب المواطنين الذين تعودوا فى بلادهم على الديمقراطية والحرية وخصوصية حياتهم، لكنهم بدأوا يتقبلونها بسبب إدراكهم أن بلادهم تتعرض لأخطار شديدة، وأن أمانهم كمواطنين تحت التهديد، وأن هذه الإجراءات لابد منها لحمايتهم. فى هذه الظروف يسيطر على الصحفيين فى بريطانيا شعور بالقلق والغضب بسبب المقترحات التى تدرس الآن لإصدار قانون يوقع عقوبات مشددة بالسجن على كل من يكشف عن أسرار تخص الدولة، وقد صدرت عن الصحفيين انتقادات تصنف هذا القانون بأنه يمثل اعتداء على الديمقراطية. وكان مجلس الوزراء البريطانى قد طلب من لجنة قانونية فى عام 2015 إعداد مشروع قانون يحل محل القانون القديم الخاص بالأسرار الرسمية، الذى بدأ العمل به عام 1911، ثم أضيف إليه فى عام 1989 القانون الجديد بشأن التجسس. وتقول جودى جيسبيرج رئيسة مؤسسة «مؤشر الرقابة» ان المستشارين القانونيين للجنة لم يقوموا باستشارة الصحفيين فى مقترح هذا القانون، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على مصلحة الصحافة فى بريطانيا، وهو ما نفته اللجنة وأكدت أنها استشارت بعض المؤسسات الصحفية ومنها «الجارديان». وفى مواجهة هذا القلق سارعت رئاسة مجلس الوزراء البريطانى إلى إصدار بيان يوضح للصحفيين أنهم لن يواجهوا قيودا على حريتهم، وستظل هذه المقترحات محل مناقشات وتشاور حتى الثالث من أبريل القادم. وتقول صحيفة «التايمز» البريطانية، أن المتحدث باسم رئيسة الحكومة تيريزا ماى قال، «أننا نؤمن بحرية الصحافة ولن نفعل أى شىء يقوض من شرعيتها أو من تحقيقات الصحافة الاستقصائية، ولم تكن تلك سياسة الحكومة ولن تكون أبدا كذلك». ويتضمن أحد بنود القانون المقترح والخاص بالأسرار الرسمية، دراسة ما إذا كان مطلوبا المزيد من إجراءات الأمان لحماية العاملين فى المجال الإعلامى. وتقول التايمز ان المقترحات محل المناقشة تدعو لفرض أقسى عقوبة على بعض الانتهاكات، وأن المستويات العقابية الحالية لا تعكس مدى الضرر الذى يمكن أن تسببه هذه الانتهاكات، لأن معظم من يرتكبون المخالفات يعاقبون بالسجن لفترة لا تزيد على سنتين، وهذا يعنى أن العقوبة التى توقع على شخص لتسريب معلومات عن الضرائب قد تتساوى مع عقوبة شخص تسببت تسريباته فى الإضرار بقدرات القوات المسلحة البريطانية. وأوضحت اللجنة القانونية أن مثل هذا الاتهام يمكن أن تصل عقوبته فى دولة مثل كندا إلى السجن 14 عاما. كذلك اقترحت اللجنة تعديل القانون، بحيث لا تقتصر العقوبة على شخص يقوم بتسريب معلومات سرية، بل تطبق أيضا على أى شخص يقوم بجمع هذه المعلومات. ولا يتوقف تعريف الاتهام على نتائج التسريب، لكن أيضا عما إذا كان الشخص المتهم يعلم أو حتى يعتقد أن ما يفعله يمكن أن يسبب أضرارا. ورغم أن الحكومة البريطانية أكدت للصحفيين عدم المساس بحرية الصحافة، أو النية للاعتداء على الديمقراطية، لكن القلق الذى سيطر عليهم سببه التفكير فى قانون جديد، بينما كان رأى الذين كلفوا بوضع المقترحات الخاصة بالقانون المقترح هو أن وسائل الإعلام فى عصر ثورة المعلومات قد تعددت وتنوعت، وأن قانونا صدر منذ أكثر من 100 عام لم يعد كافيا للتعامل مع ظروف هذا العصر، وحتى لا تكون أسرار الدولة معرضة للانتهاك من أى فرد.