هذا فيلسوف مختلف وجسور! مفكر أثار خلفه الزوابع والأعاصير! سبح في بحور وتيارات فلسفية عديدة.. شهدت حياته تحولات فكرية عنيفة عكست معها المحطات الفلسفية التي توقف لديها عبر سنوات حياته. من الماركسية المادية.. إلي الكاثوليكية والبروتستانتية, إلي الإسلام. أي رحلة فلسفية وعقائدية هذه؟!. اصطدم بالصهيونية صداما عنيفا إذ شكك في أسطورة الهولوكست مكذبا بالحجة والدليل المغالطات اليهودية حول عدد الضحايا اليهود في محرقة النازي, ليلاحق بالقضايا حتي حكم عليه بالسجن مع ايقاف التنفيذ وتغريمه آلاف الفرنكات.. كان أول من طرح فكرة حوار الحضارات عبر نظريتة الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة علي أساس أرضية مشتركة للتفاهم علي مستوي شعوب الأرض. وتلقفت فكرته دول العالم المختلفة وصارت هناك دعوة من قبل الكتاب والمفكرين إلي تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتي يمكن لكل طرف ان يتفهم الآخر ويتعايش معه.. وبزغت سياسة ترسيخ الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام والقتال والحروب وإراقة الدماء.. دعا إلي تحرير الإبداع الادبي والفني من أي شروط معيارية يضعها النقاد.. فالفن عنده سماء رحبة مفتوحة بلا حدود, فمن هنا تحديدا يكتسب الفن خصوصية وثراء.. كان الفن هو بوابة دخوله إلي الاسلام!إذ كلفته يوما دار نشر بكتابة تعليقات لصور فنية يضمها كتالوج كبير يزخر بالأعمال الإسلامية البديعة مثل الخط العربي والزخارف والمنمنمات التي تحفل بها العمارة الإسلامية, فأخذ بها ووقع في هواها.. وظل يتأملها مليا في انبهار وإعجاب معا.. وفي هذه اللحظات تحديدا استخدم مصطلح حوار الحضارات للمرة الاولي وكان يقصد به أن في العمارة الإسلامية توجد عناصر فنية مختلفة: هندية ويوناينة وبيزنطية, تتآلف معا في تناغم جميل وبديع أطلق عليه اسم حوار الحضارات ثم خرج من هذا المعني المجازي الي المعني الحقيقي, فأنشأ معهدا يؤكد فكرته هذه بمدنية طليطلة الاسبانية, يضم في جنباته طلابا وباحثين ودارسين من شتي انحاء العالم ومن مختلف الديانات.. يتناقشون معا ويتجادلون بحرية وسلام تحت شعار حوار الحضارات.. اعتنق اسلاما بلا ضفاف.. اسلاما منفتحا ومتسعا ورحبا.. اسلاما منحازا الي الانسانية..فالاسلام عنده دين سمح.. دين يحفل بالجوهر أولا قبل المظهر. ومن هنا كان نبذه للإسلام الاصولي المغلق. ترك خلفة عشرات الكتب الفلسفية والفكرية والسياسية التي تسجل معها مسار رحلته الثرية العريضة التي قطعها عبر سنوات حياته نذكر منها: الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية, واقعية بلاضفاف, حوار الحضارات, الاسلام وأزمة الغرب مستقبل المرأة, الإرهاب الغربي. الإسلام دين المستقبل.. وغيرها. روجيه جارودي(1913 2012) الذي رحل عن عالمنا منذ أيام قليلة جدير بان يفيد قراءة أعماله من جديد فهو فيلسوف ومفكر عظيم, انحاز للإنسان ووقف في صف الفكر الحر.