يفرض هذا النجاح الجماهيرى لفيلم «مولانا» عن قصة وسيناريو الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى ضرورة المساهمة فى هذا الحوار الفكرى لتفسير بعض جوانبه الإبداعية والفكرية ولتأكيد ضرورة أن يكون لكل مشروع إعلامى فنى وإبداعى هدف واضح يسعى لتحقيقه من خلال إيضاح وتفسير بعض جوانب الواقع الاجتماعى والسياسى والفكرى فى المجتمع بهدف إثراء الحياة الثقافية فى صورة جذابة ومؤثرة. ويمكن اعتبار فيلم «مولانا» من تلك الأعمال التى يمكن مناقشتها من خلال قيمتها الفكرية وما تحتويه من معان دالة على الواقع الثقافى والفكرى، فهو يواجه قضية من القضايا الفكرية الشائكة وترتبط أشد الارتباط بالحوار القومى الدائر حول ضرورة مناقشة وتحديث الخطاب الدينى وضرورة وضع أسس منهجية وعلمية لدراسته من خلال التأمل الثاقب لعناصره ومقابلته بنصوص القرآن الكريم وآياته المقدسة، فضلاً عن الأحاديث النبوية الشريفة كمصادر أساسية فى عقيدتنا الدينية والفكرية لحصر ما تحتويه من علوم وفنون وجماليات لغوية متعددة لتأكيد مصادر الإعجاز فيها كإحدى الخطوات المهمة فى المجتمع العربى والإسلامى.ولعل مصطلح تحديث الخطاب الديني لهو مضلل للعديد من الافراد فى مجتمعاتنا والذين يعتقدون أن مصطلح تحديث لهو تحديث وتغيير لجوهر معانى الآيات القرآنية الكريمة ولكن لا يدركون أن المفهوم الحقيقي لمصطلح تحديث الخطاب الدينى ما هو الا تفسير قائم على المناهج العلمية والتحليلية للآيات القرآنية الشريفة التى تختزن فى باطنها إبداعاً وقدرة فى التكوين الفنى تفوق بكثير الأشكال التعبيرية الفنية الحديثة فى منطق تكوينها البصرى والجمالى فإذا ما قُرئت بقلب وفكر واعِ ومنفتح لأدركنا ما تختزنه من قدرة على الإقناع والتأثير واستخلاص الدلالات المتعددة التى تضيف إلى القارئ الواعى مستويات متعددة من المعانى لتؤكد القدرة الإلهية والإعجاز فى مواطن الجمال والبلاغة وكنوز المعرفة الكامنة فى آياته الشريفة وما تتضمنه الدعوة الإسلامية من إخلاص وصدق ومحبة ونبذٍ للإرهاب والتطرف والعنف. الفيلم يلقى الضوء على خطورة استغلال تفسير الآيات القرآنية الشريفة والأحاديث النبوية فى قلب الأنظمة المستقرة بهذه التأويلات والتفسيرات المغرضة خاصة فى المجتمع العربى الذى يغلب عليه الطابع الشفوى فيتقبل الكلمة المنطوقة خاصة التى تُلقى على لسان أئمة المساجد والدعاه فيتقبل تلك التفسيرات فى اغلب الاحيان دون اعطائها التأمل الواعى والفاحص للمضمون الحقيقي لجوهر المعنى وقدسيته فالاشكالية تكمن فى تفاصيل تلك التفسيرات للنصوص الدينية التى تناقضت وتغيرت وفقاً للظروف التاريخية والسياسية وكل ذلك يؤكد خطورة طريقة تفسيرها والاهداف منها تلك الخطورة تضاعفت وسط هذا الكم الهائل من البرامج التليفزيونية العربية والتى سعت بعضها الى الوقيعة والكراهية والعنف بدلاً من نشر الدعوة الاسلامية وتوظيف إمكاناتها الكبيرة الإعلامية فى تنمية الفكر والعقل والقاء الضوء على عناصر قوتنا الفكرية والثقافية ونشر الدعوة الاسلامية الحقة والتى يدعو اليها ديننا وآياته وأحاديثه الشريفة الموحية والداعية الى الخير والحب والتسامح والعمل الصالح. ومن هنا يمكن تأكيد اهمية السينما كأداة فنية ولغوية وقدرتها على تكثيف المواقف الفكرية المتعددة فى مشاهد ولقطات لتقديم الأحداث المختلفة. فالحدث الرئيسى فى الفيلم يدور حول هذا الإمام الشاب «عمرو سعد» المجتهد والمتفتح الذى وهبه الله لباقة الكلمات وحسن اختيار أفضلها وأكثرها تأثيراً وتجسيداً للمعانى الموحية والمؤكدة لعظمة الخالق وقدراته فى نشر التسامح والمحبة وحب العمل وتقبل الآخر ونشر المعرفة. وذلك بتأكيد مواطن الإعجاز فى آيات الله البينات. ومن خلال هذا العرض لتلك الأفكار نؤكد نقطتين: أهمية هذه النوعية من الأفلام القادرة على إلقاء الضوء على خطورة استغلال العقيدة الدينية فى قلب الأنظمة المستقرة. التساؤل عن أسباب غياب السينما المصرية عن الساحة العربية والدولية كوسيلة حققت لمصر دورها الريادى والثقافى والفنى فى منطقة الشرق الاوسط فلعبت أدواراً وظيفية متعددة مارستها طوال ما يقرب من 60 عاماً إلى جانب ما حققته من أرباح اقتصادية ومعنوية وأدبية وثقافية حتى أواخر ستينيات القرن الماضى. فالتساؤلات كثيرة حول كيفية معالجة المشكلات والسلبيات لاستعادة دور هذه الوسيلة الفنية والفكرية. فلا يحق لنا التفريط فى ثقافاتنا وإمكانياتنا الفنية والإبداعية فى عصر العولمة الثقافية خاصة أن هذه الوسيلة تجمع فى ثناياها فنونا وعلوما عديدة وخلاصة الفكر والعقل المصرى والعربى قد لا تتوافر هذه الإمكانات فى أى وسيلة اتصال جماهيرى أخرى، فمقوماتها الفنية والفكرية لا تزال متوافرة فى مصر وتستطيع أن تحقق الكثير لمواجهة التحديات التى تواجه الفكر فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية. أستاذة الإعلام جامعة القاهرة لمزيد من مقالات نسمة البطريق;