لست في خصومة مع أشخاص أو تيارات في انتخابات نقيب الصحفيين، وأمد يدي للجميع من أجل وحدة الصحفيين، حتي تعود النقابة إلي عصرها الذهبي ويعود للمهنة ازدهارها ورونقها. البعض يريد أن يضرب تحت الحزام من خلال نشر الشائعات والأكاذيب والافتراءات، لكنني مؤمن بقدرة الصحفيين علي الفرز وتجنب الأكاذيب والأساليب الرخيصة. لدينا تلال متراكمة من المشكلات تحتاج إلي جهود المخلصين لحلها والتغلب عليها، وأدعو كل الزملاء المشاركين في الانتخابات للتركيز علي توضيح رؤيتهم بشأن تلك المشكلات بدلا من المهاترات والافتراءات التي أدت إلي ذلك المأزق الذي نعانيه الآن، وأسهمت في إيجاد حالة من العداء والكراهية بين الصحفيين والمجتمع خلال الفترة الماضية. لابد أن نسابق الزمن للخروج من المأزق الحالي الذي تعيشه الصحافة المصرية وألقي بظلاله علي كل الجوانب، ويكفي أن نعرف أنه تم إلغاء ترخيص 122 صحيفة أخيرا فيها جرائد كانت مشهورة ومؤثرة مثل التحرير والبديل و24 ساعة والعالم اليوم الاسبوعية، ومعني أن يتم إلغاء صحيفة فهي تعني إغلاق نافذة للمعرفة والحرية، غير أنه للأسف الشديد باتت هذه الأخبار أخبارا عادية بعد أن تكررت عملية غلق الصحف وتشريد العمالة فيها، وتحويل الصحفيين فيها إلي «عاطلين بالإكراه» نتيجة الظروف القهرية التي أحاطت بها. المأزق الذي تواجهه الصحافة متعدد الأبعاد، فهناك بُعد يتعلق بالنقابة وغيابها عن ملفات المهنة والمهنيين، والبُعد الثاني يتعلق بالمأزق الذي يحيط بمستقبل مهنة الصحافة وضرورة دراسة المشكلة من كل جوانبها، سواء فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية وظلالها علي صناعة الصحافة، وضرورة البحث عن حلول من خلال دعم مدخلات صناعة الصحافة، لأن دعم العقول لا يقل أهمية عن دعم البطون، وكذلك التركيز علي ضرورة الارتقاء بالعنصر البشري المتمثل في الصحفيين وتوفير وسائل التدريب والتطوير لهم، وحل مشكلات الصحفيين الاقتصادية من خلال زيادة دخولهم، بعد أن أصبحت أجور الصحفيين ضمن أدني مستويات الدخول في مصر، وهو الأمر الذي يتطلب نظرة إنصاف لعقول الأمة وقوتها الناعمة لتحقيق مستوي لائق من الحياة الكريمة يساعدهم علي الانفتاح والتطور وتجويد المحتوي الصحفي ليتناسب مع ظروف العصر الذي نعيشه. ولأن تشخيص الأزمة جزء أساسي ومهم من الحل، فإنني أود أن أشير إلي بعض أوجه القصور الذي تعانيه مهنة الصحافة الآن. أولا: عدم صدور التشريعات اللازمة لتوفير الحماية اللازمة للصحفيين في أثناء عملهم، ومنها قانون حرية تداول المعلومات، وهو المشروع المعطل منذ فترة طويلة دون مبرر حقيقي، علما بان خروج هذا التشريع إلي النور أصبح ضرورة ملحة وعاجلة لضبط الأداء الصحفي لانه يبطل أي أعذار في نشر التقارير والأخبار «المفبركة» والمغلوطة. يرتبط بالتشريعات أيضا ضرورة إصدار التشريعات الإعلامية المتوافقة مع المواد 211، 212، 213 لسرعة تنظيم سوق العمل الصحفي والإعلامي من جديد. ايضا من المهم اصدار قانون جديد للنقابة لينهي قصة القانون 76 لسنة 1970، ويسهم في وضع أسس عادلة وشفافه للقيد، ويرفع سن المعاش للصحفي إلي 65 عاما وهو ماتناولته بالتفصيل في الاسبوع الماضي، حيث إن هذا القانون غير دستوري وغير عصري. ثانيا: مأزق العنصر البشري الصحفيون هم بؤرة الاهتمام في نقابة الصحفيين، ولابد من الاهتمام بهم علي مختلف الأصعدة بدءا بالتدريب والتأهيل علي أعلي مستوي لمواكبة كل التطورات المستحدثة في هذا المجال حتي تزدهر مهنة الصحافة وتستمر، وقد كان لدينا في النقابة مركز للغات وآخر للكمبيوتر ضمن لجنة التطوير والتدريب التي كانت تشرف عليها الزميلة عبير السعدي، إلا ان كل ذلك ذهب أدراج الرياح وسوف تتم معالجة هذا القصور بسرعة من خلال إقامة اكبر مركز تدريب أكاديمي للصحفيين وغيرهم. ايضا يرتبط بالعنصر البشري ضرورة تحسين الحالة الاقتصادية المتردية للزملاء الصحفيين، وبعد أن كانت متوسطات دخل الصحفي معقولة أصبحت الآن تلامس خط الفقر، وهو مايهدد مستقبل تلك المهنة ويعرض الصحفيين لمخاطر الانحراف والشطط، ولابد من نظرة عادلة لتحسين دخل الصحفي حفاظا علي كرامته ومستقبل مهنته. إن إجمالي عدد الصحفيين لايتجاوز عشرة آلاف صحفي بمن فيهم من هم تحت التمرين، وبالتالي فانه من الممكن من خلال إجراء حوار جاد وموضوعي ودراسة متكاملة ايجاد مخرج لأزمة أجور الصحفيين والوصول إلي تسوية عادلة ومقبولة في هذا الإطار. ثالثا: صناعة الصحافة ومستقبلها تتعرض صناعة الصحافة لمخاطر رهيبة بعد ارتفاع تكاليف مدخلات صناعة الصحافة، وقد تضاعفت هذه التكاليف بعد تحرير سعر الصرف، لانه للأسف يتم استيراد كل مدخلات صناعة الصحافة (ورق أحبار ماكينات طباعة قطع غيار.. الخ)، وقد آن الأوان لمعالجة أوجاع صناعة الصحافة للحفاظ علي عقل الأمة باعتبارها قضية أمن قومي، فالصحافة لاتزال مزدهره في العالم، وبقدر من الجهد يمكن إقالتها من عثرتها الحالية. أخيرا لن تكون هناك حلول لتلك المشكلات أو غيرها إلا بوحدة الصحفيين بعيدا عن المهاترات والمزايدات ومحاولات إلقاء تهم التخوين والإقصاء والتي كانت السبب الرئيسي فيما وصلنا اليه الآن. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة