موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    أسعار الذهب اليوم الجمعة.. عيار 24 ب 3525.75 جنيه    ترينيداد وتوباجو تقرر الاعتراف رسميا بدولة فلسطين    طلاب مؤيدون لفلسطين ينصبون خيامًا أمام أكبر جامعة بالمكسيك (فيديو)    الدفاع الأمريكي: لا أرى مؤشرات على أن حركة حماس تخطط لأي هجوم    جمال علام يكشف موقفه من خوض انتخابات اتحاد الكرة المقبلة    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 3- 5- 2024 والقنوات الناقلة    إبراهيم سعيد: عبد الله السعيد نسي الكرة مع الزمالك    زد يلتقي المقاولون العرب في مباراة خارج التوقعات بالدوري    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    حالة الطرق اليوم، سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    تموين الغربية يضبط 2000 لتر سولار بمحطة وقود لبيعها بالسوق السوداء بالسنطة    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    الفسفور.. أسعار الجمبري اليوم الجمعة3-5-2024 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    "الدفاع التايوانية" تعلن رصد 26 طائرة و5 سفن صينية في محيط الجزيرة    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين جائزة حرية الصحافة    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    سعر الموز والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 3 مايو 2024    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصرى يغفو أحيانا.. لكنه لا ينام أبدا!
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2017

لاننى طول عمرى بكل أسف نكدى أموت فى النكد وأبحث عنه بمنكاش كما كانت تقول عنى أمى أنا أسمعكم تسألون: لماذا يا عمنا وهو احنا ناقصين نكد.. نحن نعيش هذا النكد اليومى الذى تطلع علينا شمسه فى الصباح.. ونودعه كلنا بربطة المعلم فى المساء.. وتشاركنا شعوب العالم كله هذا «النكد الصباحي»!
والنكد هنا «حتى لا يفهمنا أحد غلط».. ويقولون عنى تقلب المواجع..معظمه صناعة عالمية ودولية.. لا دخل لنا فيها.. ولكن بعضه صناعة مصرية يعنى بأيدينا نحن.. وأغلبه تشارك فيه دول العالم كله والنظام النقدى العالمى الذى يجلس فيه عمنا وتاج رأسنا الدولار متربعا فى مقعد الحاكم بأمره المتحكم فى أرزاق الناس وأقوات الخلق.. ولا ناقة لنا ولا بعير.. نحن من يملك جنيها نحيف القد مصابا بكل أمراض العصر وفى مقدمتها فقر دم مدقع.. يعنى يا دوب صالب طوله وعايشين فى ظله حتى يقضى الله أمرا كان مكتوبا..!
والدولة هنا لا تملك له علاجا.. ونحن بلد لا نعمل ولا نزرع ولا نقلع.. ونأكل خبزها وغموسها بكل أسف من حاجة اسمها الاستيراد من الخارج.. حتى رغيف العيش والسكر والزيت والسمن واللحم والدجاج التى كنا نربيها على زمانى فى منازلنا فى الزمن الجميل فى عشش فوق السطوح.. وتوقظنا ديكتها فى الصباح الباكر عشان نروح شغلنا.. أكل عيشنا.. حتى إن فنان الشعب سيد درويش كان يغنى فى الزمن الجميل إياه: الذى أصبح سرابا وتاريخا وتراثا «والديك بيدن كوكو كوكو فى الفجرية.. يالا بينا يا اسطى عطية.. على باب الله» أصبحنا نستوردها كلها بربطة المعلم من الخارج.. بعد أن كانت بجلالة قدرها فى زمان عظمتها ومجدها أيام الرومان تستورد خبزها من مصر كما كان يقول لى قاهر الصحارى والقفار الدكتور محمد البهى عيسوى الخبير الجيولوجى العالمى فى الثمانينيات من القرن العشرين!
وأذكر اننى قلت له يوما يا ملك الصحارى والقفار أنا سمعت يوليوس قيصر بأذنى وهو يقول فى مجلس الشيوخ الرومانى قبل الميلاد: فى الصباح أنا أفطر على خبز زرعه الفلاح المصرى العظيم!
قاهر الصحارى والقفار يصحح لي: بذمتك سمعت يوليوس قيصر بأذنيك؟
وأرد عليه بقولي: يا عزيزى لقد قرأته فى كتب المؤرخين.. وقد قاله بالفعل.. ولا فرق كبير بين ما سمعته بأذنى وقرأته بعيني.. واللا ايه!
أتابع كلامى قبل أن يرد بقولي: ولقد قرأت فى كتب المؤرخين أن يوليوس قيصر نفسه قد قال فى خطاب له أمام مجلس الشيوخ الرومانى قبل الميلاد وهو يتحسر على حال بلاده: نحن فى روما نأكل خبزا زرعه وحصده لنا الفلاح المصرى العظيم أول فلاح زرع وحصد وخبز فى التاريخ كله..
ومن عنده كلام آخر.. فليتفضل!
..................
...................
ولو نظرنا إلى حالنا بعين الانصاف والحقيقة لوجدنا اننا أصبحنا نستورد خبزنا من دول العالم أجمع هذا قمح أمريكى وهذا قمح روسي.. وهذا قمح من بلاد «واق الواق».. ولا تسألونى أين بلاد الواق الواق هذه.. المهم اننا أصبحنا نستورد قمحنا من دول العالم وبالدولار اللعين الذى ركب فوق كتفى الجنيه المصرى ودلدل رجليه كما قال لى مواطن حاله أغلب من الغلب.. بل تسلل الفساد إلى المستوردين أنفسهم ومن يتسلم منهم القمح المستورد.. وإذا أردتم أن تعرفوا أكثر افتحوا ملف فساد وسرقة صوامع الغلال.. وما خفى كان أعظم!
ولعل فساد صوامع الغلال والقمح المستورد كان أحد الأسباب الرئيسية فى التغيير الوزارى الأخير الذى أمر به الرئيس السيسي.. وحسنا فعل.. والجملة الأخيرة لفلاح سرقوا قوت عياله!
وليس الفساد الذى زعزع عرش القمح المصرى وحده.. بل زعزع هنا عرش القطن المصرى الذى كان معجزة مصر فى المحافل الدولية والبورصات العالمية.. وأذكر اننى شخصيا عندما دخلت محل «هارودز» أكبر محلات بيع الملابس فى لندن.. همس البائع فى أذني: القميص اللى فى أيديك ده مصنوع من اللينو المصري.. يعنى قطن مصرى مائة فى المائة..
يزغدنى فى جنبى رفيق دربى وسفرياتى المهندس سمير مترى جيد خبير المفاعلات النووية: يروحوا يشوفوا قلعة الصناعة المصرية فى المحلة وكفر الدوار.. ماذا جرى لها؟ لقد توقفت أو كادت أن تتوقف.. بعد أن أهملناها ونسيناها ونسينا أن صاحبها ومؤسسها اسمه طلعت حرب باشا فى الزمن الجميل.
أكاد أسمعه يضرب كفا على كف فى السماء على حال قلعته الصناعية التى بناها وأقامها وكانت فخرا لمصر والصناعة المصرية.. حتى جاء القطاع العام الذى كان فخر نجاحات عبد الناصر.. لتتحول إلى مصانع متهالكة قتلها الروتين والبيروقراطية وعقلية الموظفين.. وروحوا وشوفوا ماذا جرى لمصانع الغزل والنسيج وحلج القطن فى طول البلاد وعرضها؟
..............
..............
عندما عدنا إلى ديارنا فاجأنا اعلان فى الأهرام يوم الخامس عشر من يناير الماضي.. يعنى قبل نحو شهر يقول بالحرف الواحد: شركة صيدناوى احدى شركات الشركة القابضة للسياحة والفنادق تعلن عن مزايدة علنية للمشاركة فى استغلال فرع الخازندار لمدة عشرين عاما..
قلت له يا عم سمير لقد كانت عرائس بلدنا فى القناطر الخيرية يفتخرن ويتباهين بأن فستان فرحهن من عند سمعان وأنا شخصيا سمعتها بأذنى وأنا غض صغير.. وسمعان هو الاسم المتداول بين العامة عن صيدناوي!
قال: تعالى لترى بنفسك كيف وصل الحال بمحلات صيدناوى فى الخازندار الذى يريدون تأجيره..
ذهبنا ووجدنا ما لا يسرنا.. ولا نريد أن نزيد ونعيد هنا.. وطلبت من صديقى سمير مترى وهو مقرب من عائلة سمعان صيدناوى أن يذهب بنفسه ويبحث عن حكاية سمعان صيدناوي.. بعد أن وصل إلى القمة.. وكيف تدهور به الحال.. لأن يعلنوا عن مشترى أو مستثمر له بعد أن توقف الحال؟
غاب مثل هدهد سيدنا سليمان غير قليل.. ثم عاد بهذا التقرير الذى أنشره هنا كما هو دون تدخل منى لكى نعرف راسنا من رجلينا وماذا صنع بنا القطاع العام الذى كان معجزة عبد الناصر نفسه؟
............
.............
ولد سمعان صيدناوى فى قرية صيدنايا سنة 1856.. وهى نفس القرية التى ولد بها سليم وبشارة تقلا صاحبا الأهرام.. مصادفة غريبة فعلا!
وكان سمعان قد ادخر مائة جنيه من خلال عمله مع عمه فى التجارة فكانت هذه المائة من الجنيهات رأس مال حانوت صغير فى الحمزاوى لا تزيد مساحته على مترين فى مترين استقل به سمعان وتعامل فيه بتجارة ما نسميه بمصر ب (الخردوات) وهى مجموعة من السلع الصغيرة كبكر الخيط والمنديل والقمصان الداخلية والأزرار والشرائط والجوارب والأقمشة الرفيعة المخرمة وما إلى ذلك.
وبعد نجاح هذه الفكرة البسيطة أرسل سمعان إلى أهله بدمشق فقرت أعينهم وحببت إلى سليم أخيه الأكبر أن يولى وجهه شطر مصر شطر جنة الله فى أرضه ليجنى منها ثمرة.
هبط سليم بالقاهرة فأخذ كما أخذ شقيقه سمعان من قبل بمعالمها العظيمة ومجال العمل الواسع فيها فطاب له أن يزاول بها الصناعة التى كان يزاولها بدمشق وهى خياطة الملابس فاشترك هو وصديق له يدعى مترى صالحانى وفتحا دكانا لخياطة الملابس
ومن هذا العمل البسيط ادخر من نقوده وهكذا أسس محل (سليم وسمعان صيدناوي) داخل حانوتهما الصغير وغرفتهما المتواضعة التى يسكنانها فى حى (درب الجنينة)
وكانت نساء البيوتات فى عهده لا ينزلن إلى الأسواق كمشتريات. وإنما كن ينلن ما يبتغين بوساطة الدلالات ورهن نسوة كن يطفن بالدكاكين وينتقين منها الأقمشة والسلع ويعرضنها على ربات البيوت فيشترين منهن ما يروق فى أعينهن ويحلو وفى صباح يوم من الأيام بينما كان سمعان فى دكانه الصغير قد استعد لاستقبال العملاء وافته احدى الدلالات واشترت منه عشرين مترا من الشبيك المخرم (الدنتلة) ونقدته الثمن وانصرفت وراجع سمعان مبلغ النقود بعد انصرافها فإذا هو ضعف ما يقتضى ففطن إلى الدلالة حسبت السعر (بالقرش الصاغ) فى حين طلب أن السعر (بالقرش التعريفة) فركض خلفها ليفهمها انها غلطت فى الحساب. وليرد إليها فرق الثمن فأدركها على مسافة بعيدة وصاح فيها وهو يلهث:
حسابك غلط يا سيدتي؟
لا. لا. لا. غلط. دفعت الحساب تاما كاملا!
وأصمت أذنيها عن سماع أى شرح وتفسير كان. وهمت بمتابعة السير إلى غايتها فاستوقفها وقال: دفعت زيادة عن المطلوب. دفعت ضعف الثمن فأصغت إليه وعادت معه أدراجها إلى دكانه. وبين لها مصدر الغلط ونقدها الفرق فتهلل وجهها وشكرته على استقامته وأمانته واستودعته الله وانصرفت تنقل الخبر إلى سيدات (الدائرة) من عميلاتها وتروى لهن أمانة (الجدع الشامى الحليوة) وكان سمعان على ما وصفت الدلالة وسامة وقسامة حباه الله جمال الخلق والخلقة. فتطاير الخبر من دائرة إلى دائرة ومن بيت إلى بيت. وأصبحت سيدات القصور والبيوتات يوصين الدلالات بابتياع حاجاتهن من دكان الشاب الشامى الوسيم الأمين!
شهرة ونجاح: اتسعت أعمال الأخوين وكثر عملاؤهما وازدادا همة ونشاطا وتدفق عليهما الرزق الذى جمعاه بالجد والاجتهاد والمثابرة ففكرا فى الانتقال بتجارتهما إلى مكان أوسع فاشتريا فى حى (الموسكي) منزلا قديما هدماه ثم شيداه تشييدا جديدا يفى بالغرض الذى يريدانه وافتتحاه فى عام 1896 وكان أكبر محل للبيع بالقاهرة فى ذلك العهد. وهو الذى كان معروفا بمحل (بلاتشي) فى حى (الموسكي) فنظماه صفوفا وأجنحة وخصصا كل جناح بضرب من السلع ففتح الله عليهما أبواب الرزق وصارت أمنية كل شارد أن يزور أولا محل سمعان ويبتاع منه ما يهوى ويشتهى وطارت شهرة المحل وأصبح لا يعرف إلا بمحل سمعان لأن سمعان كان فيه الركن الركين لا يغيب عنه لحظة واحدة من لحظات النهار ذلك بأن الأخوين كانا قد اقتسما العمل فيما بينهما فاختص سليم وكان اداريا حازما بمهمة الإدارة والشراء وتزويد المحل بالسلع اللازمة يسافر من أجلها إلى أوروبا ويشتريها من مواردها الأصلية. واختص سمعان وكان لسانه لبقا ظريفا بمهمة استقبال العملاء والاشراف على صفقات البيع وارضاء كل عميل فلا يخرج من محله إلا وهو شاكر راض.
واكتحلت عينه برؤية حانوته الصغير فى حى الحمزاوى ينمو وينمو وينمو حتى تقلب إلى ذلك البناء الواسع الفخم فى حى الخازندار وحتى يكون له فروع بالاسكندرية والمنصورة وطنطا والفيوم وأسيوط وبورسعيد وباريس ومنشستر فى انجلترا!
كان سمعان ذات صباح واقفا على باب محله فى حى الموسكى يشيع بابتسامته الحلوة وتحيته الرقيقة العملاء الخارجين من محله بعدما ابتاعوا منه حاجاتهم فلمح وراءهم سيدة صفر اليدين قد جمعت ملاءتها وهمت بالخروج فاقبل عليها كعادته يسألها لماذا لم تشتر مطلوبها. فقالت له إن الاثمان عندكم غالية. فبكرة الخيط تباع بتسعة مليمات وأنتم تبيعونها بعشرة. فطيب خاطرها وعاد بها إلى جناح بكرة الخيط وقال:
كم بكرة تريدين يا سيدتي؟
أربع وعشرون
فأمر البائع بحسبان سعر البكرة الواحدة بتسعة مليمات فانفرجت أسارير المرأة وعلت وجهها قسمات الرضا وكانت احدى الدلالات جاءت تبتاع جهاز عروس فابتدأت ببكر الخيط وكان الجناح الخاص به فى مقدمة المحل ثم ما لبثت أن ابتاعت كل ما تريد فبلغت قائمة الحساب 120 جنيها ذهبا نقدته اياها راضية مسرورة فلولا ذلك المليم الذى نزل منه لفاته الربح الذى جناه من بيع تلك الصفقة. ولكنها النظرة الشديدة وذكاء المهنة؟
ويذكرون أنه حين تعلل الشيخ سلامة حجازى بمرضه وهو فى لبنان لعدم وجود مستمعين ذهب إليه سمعان ووجد أنه صحيح معافى ولكن يشق عليه بعد النفقات الطائلة التى تجشمها أن يغنى ويمثل فى حضرة أفراد قلائل لا يملأون مقاعد صف واحد من صفوف القاعة فأخذ رفاق سمعان يواسون الشيخ سلامة ويتمنون الاقبال فى الليالى المقبلات فيجيب الشيخ على هذه الأمانى ببسمة صفراء تشتمل كل معانى اليأس والقنوط وعلى حين فجأة ينتفض سمعان ويقترب من الشيخ سلامة وهو يقول: يا عم الشيخ إن الشعب اللبنانى مرح طروب يقدر الغناء ويعشق الصوت الجميل ولكنه لا يتحرك إلا عن ثقة واقتناع وهذه هى المرة الأولى التى تزور فيها بيروت فاعذره إذا هو لم يعرف من هو الشيخ سلامة حجازي؟
ألم تكن يا عزيزى الشيخ ترتل القرآن وتعلو المآذن قبل أن تعلو المسارح؟
نعم
إذن تذهب غدا وهو يوم الجمعة إلى مسجد بيروت وتؤذن بصوتك الرخيم فيتساءل عنك الناس حتى يعرفوك ولسوف يقبلون على مسرحك فى المساء وأنا كفيل بأنه لن يكون فيه موضع لقدم؟
وكان ما قدره سمعان..
ليس الذكاء علما بالغيب وإنما هو تقدير صحيح للأمور ونتائجها
استقبلوا سلامة حجازى أحسن استقبال.. وكانت القاعة كاملة العدد؟
وقدمت محلات صيدناوى التى اصبحت خرابة الآن .لعملائها خدمات عديدة منها الدفع بالتقسيط بدون فوائد كما قام بتوريد الآتى من صناعة ورشها:
1 كسوة الكعبة الشريفة.
2 احتياجات القصور الملكية مثل كرسى الملك فاروق.
............
............
هذه دعوة صادقة لكى نضع القطاع العام وشركاته ومصانعه فى دائرة اهتمامنا مرة أخري
ويبقى أن نقول إن الإنسان المصري.. قادر على الوقوف مرة أخرى مهما كانت الصعاب..
فالانسان المصرى كما قلت مرارا وتكرارا.. «قد يغفو يوما.. لكنه لا ينام أبدا!».{
Email:[email protected]
لمزيد من مقالات عزت السعدنى;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.