حين يغيب العقل والعلم والأمل تتجلى الخرافة، هذا ما تلخصه إعلانات الفضائيات عن العلاج الروحانى مثل فك السحر وجلب الحبيب والحبيبة، والتوفيق بين الأزواج، ورد المطلقة، وعلاج العقم، والشفاء من الأمراض المستعصية، ◄ العلماء : الجهل والأمية الدينية وراء شيوع الظاهرة تغييب لعقول البسطاء وارتياد العرافين مخالف للشريعة ورفع أسماء الممنوعين من السفر، وحل المشاكل العاطفية فى الخطوبة والزواج والحب وغيرها من الأوهام التى صارت أبرز عناوين إعلانات السحر على القنوات الفضائية.ومع ازدياد وانتشار هذه الإعلانات، أكد علماء الدين وخبراء الاجتماع أن التفكير الخرافى واللاعقلانى لم ينتشر إلا بعد تغييب العلم والعلماء، وأن تداول مثل هذه الإعلانات على الفضائيات هو نوع من النصب والاحتيال وأكل لأموال الناس بالباطل نهت عنه الشريعة الإسلامية، وان من يتبع هؤلاء من ضعاف النفوس، يخالف ما جاءت به الشريعة الإسلامية التى حرمت الجلوس إلى الكهنة والعرافين. وطالبوا بمواجهة حاسمة لمنع كل عمليات النصب والدجل والشعوذة من خلال قانون يمنع ظهور هؤلاء الدجالين فى وسائل الإعلام وإغلاق أماكن ممارستهم لأعمال الدجل والشعوذة والتلاعب بالبسطاء. وقال الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، إن ما نشاهده على شاشات الفضائيات من إعلانات الدجالين والمشعوذين هو نصب واستخفاف بعقول الناس لأن كثيرا من الناس ينساقون وراء هذه الأشياء والرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: (من مشى إلى عراف فصدقة فقد كفر بما أنزل على محمد) فهذا خروج عن الدين والأخلاق والقيم جميعا فقال صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله فإن الله خلق لكل داء دواء) ومن يشتكى من مرض يذهب لطبيب لأن هذه الإعلانات استغلال لسذاجة ومرض الناس لأنهم ينصبون عليهم. ونحن بحاجة لمنع كل عمليات النصب والدجل والشعوذة من خلال قانون يمنع ظهور هؤلاء الدجالين لكى نطهر المجتمع. والمشكلة أن الناس يعتقدون فى أشياء ليست حقيقية وهذا وهم ولا أصل له ولا يعلم النصيب إلا الله، فالأقدار مكتوبة عند الله والكون كله مملوك لله وأقدارنا قدرت ونحن فى بطون أمهاتنا وكل إنسان له قدره وعمره وعمله وشقى أم سعيد. الجهل والأمية الدينية وفى سياق متصل يرى الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، أن أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، تبين أن الذى خلق الداء خلق معه الدواء فقال النبى صلى الله عليه وسلم (تداووا ولا تتداووا بمحرم) وقال (أن الله جعل لكل داء دواء إلا السقم) والمقصود بالسقم هو الموت، ومن ثم فيجب على الإنسان عندما Aيصيبه أذى أو مرض أن يلجأ إلى الطبيب ليقرر له الدواء المباح ولكن أحيانا يكون الابتلاء شديدا فيتأخر الشفاء لأن الطبيب والدواء هما وسيلة، أما الشافى فهو الله سبحانه وتعالى ويجب على الإنسان أن يعتقد جازما بقوة الإيمان وأن يعتقد أن الله كما ابتلاه لحكمة فهو القادر على شفائه فقد نسب سيدنا إبراهيم الشفاء إلى الله سبحانه وتعالى فقال (وإذا مرضت فهو يشفين) ولكن إذا ضعفت النفس البشرية نتيجة ضعف الإيمان وعدم الجزم واليقين بقدرة الله سبحانه وتعالى فيشرك الإنسان مع الله غيره من البشر فى البحث عن العلاج وسواء كان هذا البشر متخصصا أو غير متخصص فيميل إليه وينسى الله سبحانه وتعالى نتيجة جهله من ناحية وضعف إيمانه من ناحية أخرى والسير وراء الموروثات الشعبية التى تنسب قدرات خاصة لبعض الأشخاص وأن اختلفت صوره، وقد وساعد على انتشار هؤلاء ظهور بعض الفضائيات التجارية التى تقوم بالإعلان عن وجود أشخاص ذوى قوة خارقة يقومون بالشفاء من الأمراض المزمنة منها خاصة الإنجاب أو أمراض السكر والكبد ونحوها عن طريق ما لا يخرج عن الشعوذة والدجل مع أن العلم قد تطور وخطا خطوات واسعة فى ظهور العلاجات الطبية التى تصدر عن أهل الخبرة (الأطباء) كما هو فى قول الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). الرقية الشرعية وأشار د. عوضين إلى أن هذه الفضائيات تقوم بتعميق هذه الطرق التى تستغل انتشار الجهل من الناحية الدينية والتعليمية وشغف الناس إلى الشفاء بأسرع وقت ممكن بغض النظر عما كانوا يرتكبون أخطاء دينية التى أمر بها الدين من الأخذ بالأسباب واللجوء إلى الطب والعلم وتسيطر عليهم المؤثرات التى تظهر فى مثل هذه الإعلانات وكثيرا ما يصل الأمر بعد سيطرة هذه الطرق العلاجية الزائفة إلى ارتكاب جرائم قانونية وأخلاقية من بينها التحرش بالنساء والاعتداء البدنى بالضرب ونحو ذلك ونشر فكرة المس بطريق الجان وكم من جرائم بهذه الحجج الباطلة والجاهلة وفى ذلك محاولة لتغييب الناس عن الوعى الدينى الصحيح والوعى الطبي. وإذا كان من الصعب فى ظل السموات المفتوحة القضاء على مثل هذه الفضائيات فإننا يجب أن نركز على نشر الوعى الدينى والثقافى وخاصة بين الطبقات التى تسودها الأمية الدينية والتعليمية. ويقول الدكتور سعيد عامر، أمين عام الدعوة ورئيس لجنة الإفتاء بالأزهر، إن الحكم على موضوع يرتبط ارتباطا وثيقا فى معظم الأحيان بما يترتب عليه من نفع أو ضرر فيجب اجتنابه إذا غلب ضرره على نفعه أو تجرد من النفع أصلا ويكون المرتكب أو الممارس لما يخالف الأمر الشرعى فيه آثما وإذا كان الضرر يرتبط بمسألة سلوكية ويقع على موضوع مادى يضر بالفرد والجماعة كما يكون المخالف للأمر الشرعى كافرا خارجا عن الدين إذا كانت المخالفة تتعلق بمسألة تضر بالعقيدة أو بالأيديولوجية التى يقوم عليها صرح الدين وبناؤه المتين، والسحر كظاهرة اتصالها بالناحية السلوكية ضرر محصن وفى الجانب العقائدى ضرر بالغ بالعقيدة أو بالأيديولوجية الدينية التى ينبثق عنها توجيه المسلم، فقال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، وفى هذه الأيام كثرت حالات السحر ولفتت كثيرا من الأنظار ومن ثم ينبغى أن نتحصن بالحصون الشرعية ليقينا الله شر الأشرار من السحرة ومن أعظم هذه الحصون أولا: إخلاص التوحيد والعبودية لله فقال تعالى: (إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم). ثانيا: ذكر الله تعالى فقال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). ثالثا: قراءة سورة البقرة فى البيوت فقال صلى الله عليه وسلم (لا تجعلوا بيوتكم مقابر). فوجب على جميع المسلمين أن يطهروا بيوتهم ويجعلوا فيها صوت الرحمن ويطردوا منها صوت الشيطان وذلك بتلاوة القرآن خاصة سورة البقرة. رابعا : قراءة آية الكرسى وآخر سورة البقرة. خامسا: قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين. وأضاف: إن ما يشاع أن فلانا يعالج حالات كذا وكذا منها ما يحبب المرأة لزوجها والرجل إلى امرأته وغيرها، ومن يوهمون الناس بالعلاج بالروحانيات وكثرة الإعلانات على الفضائيات هى تجارة دنيوية وللأسف انبهر بها كثير من الناس على اختلاف ثقافاتهم، وهذا فساد كبير وهم أشبه بالدجالين والعرافين وقد حذر النبى عن هذا فقال صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة). ومن الواجب مقاومة هؤلاء ويجب على الدعاة أن ينكروا هذا الضلال بالقول ويوضحوا هذا الباطل بالحجة والبرهان وعلى الذين فى يدهم السلطة أن يأخذوا على يد هؤلاء الذين يفسدون على الناس حياتهم أن يمنعوهم ويعاقبوهم. كما يجب على وسائل الإعلام أن تكشف هذه الخزعبلات وتوضح فساد عقول هؤلاء. وعلينا جميعا أن نتحصن بقوة الإيمان والثقة بالله والإقبال على طاعته والبعد عن معصيته، أما الاعتقاد بأن فلانا يعالج فهذا اعتقاد آثم ضال يخالف العقيدة الصحيحة. تهميش العلماء وحول الأسباب الاجتماعية لانتشار هذه الظاهرة يقول الدكتور محسن خضر، أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس: نحن مجتمع غير عقلانى فالمجتمعات العربية غير عقلانية بصرف النظر عن الدافع التجارى ورغبة القنوات الفضائية فى التكسب من إعلانات الدجالين والمشعوذين فالعلم يحتل مكانة دنيا فى مجتمعاتنا فنحن مجتمعات غير عقلانية على جميع المستويات لكن مجتمعنا يهتم بالتفكير الخرافى واللاعقلانى بامتياز ولا اقصر الأمر على مصر بل فى المجتمعات العربية بشكل عام ولم تنجح عشرات الألوف من المدارس والجامعات والمعاهد العلمية ومراكز البحوث فى أن تزرع البنية العقلية فى الشخصية الاجتماعية أى التنشئة العربية تعتمد على التلقين والمرويات والشائعات والقوالب الجاهزة حتى فى الكليات العلمية والتطبيقية، ولذا لا نندهش أن بعض خريجى كليات الطب والهندسة والعلوم من أبناء هذه الكليات ينضمون للجماعات الجهادية ويمارسون التكفير ضد الآخرين باعتبارهم الفرقة الناجية لأننا ندرس العلم دون تاريخ العلم والنظرية والسياق الذى أنتجه، وفى مجتمعات الفهلوة والمحسوبية والشللية وأهل الولاء لا الأكفاء ماذا ننتظر غير أن يشجع أو يعمق الإعلام هذه النزعة الاستسلامية والغيبية؟! وفى مجتمع تنتشر فيه الأمية وتتراجع قيمة البحث العلمى وتهمش مراكز البحوث وتعمل فى جزر منعزلة وهو مجتمع عشوائى من الدرجة الأولى لا نستغرب من ظاهرة شيوع الدجالين فى مختلف وسائل الإعلام، ويجب أن ننظر كيف استقبلت جميع الصحف العام الجديد باللجوء إلى أهل التنجيم لكى نبحث عن ملامح المستقبل بدلا من أن نلجأ إلى أهل العلم والخبرة والاختصاص أليست هذه مهزلة تدعو إلى التأمل؟!