.. ونحن نتطلع إلي الأفضل يجب علينا أن نواجه أنفسنا ونعترف بأخطائنا ونصلح ما بها من سوء, لأن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, وقد لاحظت أن من هذه الأخطاء التي تحتاج إلي الإصلاح عدم التسامح بدرجاته, والذي يصل إلي حد الثأر. وقد اكتشف العلماء أن من الأسباب الرئيسية لحدوث أمراض كثيرة.. الغضب وعدم التسامح, حيث تترتب عليه الإصابة بالسكر والضغط وقرح المعدة وأمراض المرارة والكبد وغيرها حتي تصل إلي الأورام بأشكالها المختلفة, فالغضب يساعد علي تفاعلات سلبية كثيرة في الهرمونات, علاوة علي اختلال الجهاز المناعي في الجسم, وضعف هذا الجهاز يصيب الإنسان بأمراض كثيرة خطيرة يمكن أن تؤدي به إلي الوفاة مثل الأورام الخبيثة. ومن الطبيعي أن نغضب, فنحن لسنا ملائكة, لكن يجب ألا يستمر هذا الشعور فترة طويلة بداخلنا لأنه مع الوقت يؤدي إلي شعور بالانتقام, ويتولد عن ذلك عدم العفو والصفح, ومن هنا يبدأ الخطر, فكلنا نظن أننا إذا سامحنا من أذانا فإننا نهدر حقنا, وهذا هو الفهم الخاطئ الذي يفتح علينا أبواب المرض. إن من يرفض التسامح والعفو والصفح كمثل من يشرب السم وينتظر أن يموت به الآخر, فمشاعر عدم التسامح تبقي في العقل الباطن وتفرز سموم الغضب والغل والانتقام, فتؤذي صاحبها ولا تضر الآخر في شيء, وللأسف فإن كثيرين منا يمضون في الحياة حاملين هذا العبء أو السم القاتل في داخلهم. ويتعجب الطب يوما بعد يوم من معجزات شفاء هي ظواهر جديدة عليه ويسميها شفاء تلقائي, ولا يعرف لها سبب علمي, لكن عندما سئل المرضي ماذا فعلوا لكي يشفوا؟ قالوا إنهم بعد إصابتهم بالمرض تأملوا في أحداث حياتهم واكتشفوا أنهم كم كانوا غاضبين من أفراد في حياتهم ولم يسامحوهم ووجدوا صعوبة في العفو والصفح, ولما قرأوا عن أهمية صفاء القلب في الشفاء, وبمساعدة المختصين في هذا المجال عرفوا الخطأ في حكمهم علي الأمور, وجاهدوا أنفسهم حتي استطاعوا أن يعفوا ويصفحوا عمن ألحق الضرر بهم, وبذلك تخلصوا من السم الذي ينهشهم منذ زمن, وتغلبوا علي مرضهم, وحدثت معجزة الشفاء حتي في الأمراض الميئوس من شفائها. وفي الحقيقة فإن شعبنا طيب القلب بفطرته, كما أن الكراهية والغل والانتقام ليست من طبيعته, لكن ينقصه الوعي الديني والإيماني, لأن الدين ليس شعارا ومظهرا, بل هو الأعمال والجوهر, والجوهر هو القلب, لأن الله لا ينظر إلي أشكالكم ولا إلي أقوالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم( حديث شريف). إنني أتمني أن يعمل الفقهاء في مصر علي الاهتمام بما يحمي القلب المصري مرة أخري, لأن المصري القديم عرف أهمية القلب فنجده العضو الوحيد الذي يترك في الجسد بعد الموت ليقابل الميت به ربه. والحياة تعلمنا دروسا كثيرة لنرتقي روحيا, كما أن ثورة25 يناير علمتنا الكثير, لكن الملاحظ أن البعض مازالوا يتصفون بالضغينة وعدم التسامح والشعور بالرغبة في الانتقام, وللأسف فإن بعض التيارات الدينية تشجع ذلك السلوك, وتحث الناس عليه, وأتمني أن نفيق من هذه الغيبوبة الروحية, وقبل أن نبدأ رحلة الانتقام لا ننسي أن نحفر قبرين: قبرنا وقبر الآخر. إن الإنسانية كلها نسيج واحد, وما يفعله الفرد من سوء يضر الجميع والعكس صحيح, وقد اكتشف العلم حديثا صحة ذلك, إذ يوجد نسيج كوني يجمع الكون كله في وحدة واحدة. إن أفضل الأعمال الصالحة التي يجب أن نركز عليها في هذا الوقت, هي أن نصفي قلوبنا من الغضب والغل والشعور بالانتقام والتشفي في الآخرين, حتي لو تسببوا لنا في الأذي, وأن نحاول أن نمسك بأيدي بعضنا في تلاحم مع كل فئات الشعب حتي فئة من نسميهم النظام القديم, فهم أيضا جزء من نسيج مصر وربما يكونون قد أخطأوا يوما. وعلينا أن نعطيهم فرصة لأننا لسنا ملائكة, وكان من الممكن لو تعرضنا للظروف التي عاشوها في الماضي لكنا مثلهم, ولاقترفنا أخطاءهم نفسها, وبدلا من أن ننتبه إلي أخطاء الآخرين يجب أن نلتفت إلي داخلنا ونبحث عن أشكال وأسباب الغضب وكيفية التسامح معه, ولنبدأ الجهاد الأكبر وهو جهاد أنفسنا علي أن نسامح بعضنا ونعفو ونصفح عمن أذانا ولا نترك المشاعر التي تشعرنا بأننا الضحية تملؤنا فهي أيضا سم داخلنا يدفعنا إلي مزيد من الغضب ورفض العفو عن الآخرين, قال تعالي: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم صدق الله العظيم. هذه الرسالة القيمة للدكتورة ماجدة سري الأستاذة بطب القاهرة, وليتنا ننتبه جيدا لما تتضمنه من ملاحظات عن الغضب, وعدم التسامح, الذي ينعكس بدوره علي الغاضبين دون أن ينال الآخرين شيء منه, فلننق قلوبنا من الغضب والحقد والكيد لمن يخالفوننا الرأي, ولندعوا جميعا إلي المصالحة والمواطنة, وقبول الآخر حتي يسود الحب والتعاون والإيثار, وتختفي الأنانية وروح الانتقام.