كالعادة، يبدو الطريق إلى جنيف من أجل إيجاد حل مقبول للأزمة السورية مليئا بالعقبات، بداية من تشكيل وفد موحد للمعارضة إلى وضع جدول أعمال يقضى بنهاية الحرب وبدء عملية الانتقال السياسي، وكذلك تثبيت وقف إطلاق النار المعلن برعاية روسية- تركية- إيرانية منذ 30 ديسمبر الماضى وإدخال المساعدات الإنسانية، من أجل إبطال تهديد القنبلة الموقوتة التى عادة ما تفضى إلى تعليق رحلة قطار المفاوضات، وأخيرا إعلان ستافان دى ميستورا المبعوث الدولى إلى سوريا تأجيلها من 8 فبراير الجارى إلى يوم 20 منه. وعلى جانب آخر، كشف مؤتمر السلام فى «أستانة» يومى 23 و24 يناير الماضى وما أعقبها من تطورات لاحقة عن سلسلة من المفاجآت وهى : أولا : كارت المعارضة البديل، فعلى الرغم من التفاؤل فى إمكانية نجاح «أستانة» فى جمع وفدى الفصائل المسلحة الممثلة للمعارضة هذه المرة والحكومة السورية، من ثم إطلاق مفاوضات مباشرة ما بين الطرفين، فإن المفاجأة كانت فى تلويح ممثلى المعارضة الجديدة بورقة لعب جديدة بعد خسارة حلب لإفساد الأجواء، حيث محاولة العزف على وتر الخلافات ما بين محور الحلفاء (الروسى- التركى- الإيرانى) الراعى لاتفاق وقف إطلاق النار والمفاوضات فى الأستانة، حيث استغلال ما وضح قبل بدء جلسات المؤتمر من خلاف (روسى- تركى) مع إيران، وبالأخص خلاف (تركى- إيرانى) دلل عليه تراشق كلامى قبله، حول المسئولية عن انتهاك الهدنة المعلنة. ومن ثم جاءت مطالبة محمد علوش قائد وفد الفصائل المسلحة فى كلمته أمام المؤتمر بضرورة سحب الميليشيات الإيرانية بالتحديد من الأراضى السورية قبل البدء فى أى مفاوضات جارية أو مقبلة، بل والتصريح قبله بأن إيران تمنع روسيا من التحول من كونها طرف داعم للحكومة خلال الأزمة إلى طرف محايد. الأمر الذى دفع إلى استفزاز بشار الجعفرى رئيس وفد الحكومة وإطلاق وصف وفد «الجماعات الإرهابية» على وفد الفصائل المسلحة، وأفضى نهاية إلى فشل المؤتمر فى جمع الطرفين، وتحقيق المكسب الأهم. ثانيا : الدستور الروسى، وهى المفاجأة الثانية التى كشفت عنها دعوة الخارجية الروسية لممثلى المعارضة المسلحة والسياسية المختلفة إلى موسكو فى محاولة سريعة لامتصاص آثار فشل «أستانة»، فخلال اللقاء الذى رفضت المشاركة فيه «الهيئة العليا للمفاوضات» الممثلة للمعارضة فى مفاوضات جنيف، وحضره ممثل عن «الاتحاد الديمقراطى الكردى»، وزع سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى نسخ مسودة دستور سورى جديد على المجتمعين، بعدما وزعها الوفد الروسى خلال مؤتمر «أستانة»، ورفض وفد الفصائل المسلحة تسلمها، مما يؤكد على مدى سعى موسكو الجاد لرسم ملامح المرحلة المقبلة، بعيدا عن الخلافات (التركية- الإيرانية) من جانب، المهددة لاستمرار التحالف الحالى القائم. ورغم الانتقادات الموجهة لبنود الدستور الجديد، مثل إلغاء كلمة عربية من اسم الجمهورية السورية والفقه كمصدر للتشريع وديانة الرئيس، فإن اللافت هو إرسال الحكومة السورية لتعديلات خاصة بسلطات الرئيس التى قللت منها المسودة لصالح البرلمان، مع ضمان ترشح الرئيس السورى الحالى بشار الأسد لانتخابات مقبلة بعد انتهاء فترة ولايته فى 2021المقبل، مع الإعلان الكردى عن توافق مسودة الدستور مع ما سمته ب»العقد الاجتماعى» ل»فيدرالية شمال سوريا»، منها تأييد حكم ذاتى كردى، إضافة إلى قبول «التنظيمات المسلحة» إلى جانب الجيش السورى. ثالثا : الصفقة العسكرية، وهى إحدى مفاجآت «أستانة» أيضا، التى كشف عنها بعدها تحقيق الجيش السورى المزيد من التقدم عبر المحور الجنوبى لمدينة الباب بسيطرتها على 20 قرية منذ منتصف يناير الماضى، مما وضعها على خطوط التماس مع القوات التركية الموجودة فى الشمال السورى ضمن عملية «درع الفرات»، التى تسعى للسيطرة أيضا على ذات المدينة. وفى ظل جو المفاجآت المسيطر، فإنه لم يكن بالمستغرب مشاركة نجم المفاجآت الأول على المستوى الدولى منذ تنصيبه، وهو الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، ليلقى بدوره مفاجأتين جديدتين : الأولى : إعلان نية إنشاء مناطق آمنة، دون أى إيضاحات حول أين ستقام على وجه التحديد، ومن سيتولى حمايتها، وهو المقترح الذى طالما لاقى ترحيبا تركيا وتحفظا روسيا فى عهد إدارة الرئيس منتهية ولايته باراك أوباما، إلا أن روسيا وافقت مبدئيا هذه المرة، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة تطرح هذه الفكرة بصيغة تختلف عن «الأفكار التى سبق أن طرحت فى المراحل الماضية للأزمة السورية، وهى الأفكار الخاصة بإنشاء منطقة معينة فى الأراضى السورية لإنشاء حكومة بديلة واستخدامها كمنصة انطلاق لإسقاط الحكومة الحالية». والثانية : استمرار دعم الولاياتالمتحدة للأكراد، من ثم الكشف عن شحنة أسلحة أمريكية ثقيلة شملت مدرعات وناقلات جند لمليشيات «سوريا الديمقراطية»، الأمر الذى ترفضه تركيا تماما. وهكذا يبدو أن مجمل المفاجآت التى حفلت بها الطريق من «أستانة» إلى «جنيف» هى ما تقود من جديد إلى ذات العقبة، وهو أن حل الأزمة ما زال رهينة ما قد تتوصل إليه أطرافها المختلفة الإقليميين والدوليين من توافقات وتفاهمات تضمن لكل منهم بقاء نفوذه فى سوريا المستقبل، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد منها فى القريب، أو ما قد يندرج تحت ذات الوصف تفاديا للحديث عما أصبح واقعا بالفعل.