هناك أوجه شبه كثيرة بين مصر وتونس أدت بهما إلى تجاوز الكثير من العقبات التى أحاطت بثورة كل من البلدين مما يدعو إلى تبادل الخبرات بينهما تعزيزا لمسيرة الثورة فيهما. وفى مقدمة المسائل المرشحة لتبادل الخبرة مسألة الإنتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية وخاصة ما يتصل بتهيئة الأوضاع لضمان أن تكون هذه الإنتخابات نزيهة وشفافة وديموقراطية . وفى هذا الصدد نشير إلى الوثيقة التى توصلت إليها القوى السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدنى . وهى وثيقة الميثاق الإنتخابى التى صدرت فى 22 يوليو 2014 وهى عبارة عن ميثاق شرف تلتزم به الأحزاب والتكتلات والمرشحين المستقلين . وقد صادقت عليه والتزمت به أكثر من 20 حزبا وحركة من القوى من كل الروافد السياسية والثقافية والإيديولوجية . تكمن أهمية هذا الميثاق إلى جانب ما يتضمنه من قواعد وقيم فى كونه يحتوى على آليات وتدابير عملية تسعى لترسيخ الإلتزامات فى الواقع وللشروع فى تنفيذها منذ توقيعها لتكون سارية المفعول فى كل الإستحقاقات الإنتخابية وهى مفتوحة لتوقيع مزيد من الكيانات السياسية والنقابية والمجتمعية، وقد وضعت بالفعل موضع التطبيق فى الإنتخابات التى جرت فى تونس منذ قيام الثورة فى عام 2010 ، ولما كان الشعب المصرى يستعد لإنتخابات المجالس المحلية فإنه من المهم الإستفادة من خبرة تونس فى هذه الإنتخابات خاصة أن المجالس المحلية الشعبية التى تشكل جوهر الحكم المحلى والتى تتحمل مسئولية الإرتقاء بالمجتمع المصرى وتطوير وتحقيق أفضل إنجاز فى مجال الخدمات والمرافق العامة والتنمية المحلية . وكما جاء فى الميثاق الإنتخابى التونسى فإن الأطراف المصادقة عليه أعلنت منذ البداية أنها تهدف إلى إنجاز عملية إنتخابية شفافة وعادلة ونزيهة وديموقراطية بأوسع قدر من الرضا والمصداقية بإعتبارها شرطا أساسيا لتثبيت مشروعية المؤسسات وعنصرا ضروريا لمواصلة المسار الديموقراطى الذى أطلقته الثورة . وعلى هذا الأساس يؤكد الميثاق أن الأهداف الأهم لميثاق الشرف هى المساهمة فى إنجاح العملية الإنتخابية وضمان إستمرارها وبناء الثقة بين أصحابها وخلق مناخ إيجابى يتسم بالتسامح ويشجع على التنافس المفتوح والحر والنزيه ونبذ العنف والحد من الصراعات والقضاء على أعمال التخويف والترهيب وعلى كل ما يمكن أن يؤدى إلى الإشتباك بين المواطنين. يتكون هذا الميثاق من عدة أقسام مثل الشروط المبدئية التى تجمع الموقعين عليه ، والإلتزامات العامة وفى القلب منها الإمتثال للقانون وإحترام ميثاق الشرف، والإلتزامات التفصيلية التى تحكم نشاط كل الأطراف وفى مقدمتها نبذ العنف والإرهاب ، وكذلك ما يتعلق بإدارة الحملة الإنتخابية وما تفرضه على الأطراف من إلتزامات وكذلك العملية الإنتخابية بدءا من الترشح والتصويت والفرز وإعلان النتائج والإلتزامات التى يشملها الميثاق بالإضافة إلى ضرورة قبول نتائج الإنتخابات والإستفتاءات، والتمويل والشفافية، ومما يلفت النظر أن الميثاق يتناول كلا من هذه الجوانب الإنتخابية بقدر من التحديد الدقيق الذى لو التزمت به أطراف العملية الإنتخابية يتحقق الهدف المنشود وهو أن تكون الإنتخابات نزيهة وشفافة وديموقراطية. ويتناول الميثاق فى بند مستقل تدابير تطبيق الميثاق أى الأليات والأسس والقواعد التى تحكم التطبيق. ونظرا للحيز المحدود المتاح للمقال فإننى سأتناول كل قسم من أقسام الميثاق فى مقال مستقل لضمان استيعاب القارئ له وانعكاس ذلك الوضوح على القوى السياسية المدعوة فى مصر لإستلهام هذه التجربة وتطبيقها بأمانة. وتتضمن هذه التدابير لتطبيق ميثاق الشرف الأسس والقواعد المطلوب الإلتزام بها إبتداء من القيام بنشره وتعزيز إحترامه فى جميع المناسبات وبكل الوسائل والتعريف به لدى قياداته وأعوانه وأعضائه ونشطائه وممثليه وأنصاره والمحاسبة على عدم الإلتزام به أثناء الممارسة كما تلتزم الأطراف بإنشاء وترسيخ سبل الإتصال والتواصل الفعال فيما بينها من أجل إرساء الحوار البناء حول القضايا المطروحة وتحديد النزاعات التى تنشأ فى سياق الممارسة وحلها بأسرع وقت ممكن وبشكل سلمى . كما تلتزم الأطراف بما يلى بشكل محدد: بذل الجهود اللازمة للمحافظة على التواصل مع الأطراف الأخرى الموقعة على الميثاق. وإحداث آلية دائمة تطلق عليها تسمية (لجنة المتابعة) دورها تنظيم الحوار والتنسيق بين الأطراف وإصدار التقارير ونشرها عن تنفيذ الميثاق وعن المخالفات وكيفية المحاسبة عليها وأن تعمل لجنة المتابعة بالتنسيق مع الهيئة العليا للانتخابات والمؤسسات الأخرى ذات الصلة. علاوة على تعيين ممثلين لكل طرف فى لجنة المتابعة وإستخدامها فى تبادل المعلومات ومناقشة القضايا ذات الإهتمام المشترك وتسوية الخلافات على مدى مراحل العملية الانتخابية. فضلا عن التحفظ على كشف المداولات بينها المرتبطة بمتابعة الميثاق وتحييدها عن التوظيف الدعائى والمناقشات المفتوحة. والسعى لإرساء التوافق ودعمه وإحترامه فى إطار لجنة المتابعة والسعى لإلتزام الأطراف بإحالة أى مسألة تتعلق بتطبيق الميثاق أو بإنتهاكات محتملة إلى لجنة المتابعة لإتخاذ التدابير الوقائية والإلتزام بالمشاركة النشطة فى المناقشات وبالمساهمة الفعالة فى إيجاد الحلول وتنفيذ التوصيات المنبثقة عنها. بالإضافة لما سبق ذكره وفى سبيل تجسيد القواعد الأخلاقية والسلوكية التى اعتمدتها الأطراف فإنها تسعى لعقد توافقات ومواثيق شرف مع فئات أخرى من المتدخلين فى المسار الإنتخابى والمعنيين به على غرار المؤسسات الإعلامية والإتصالية والمنظمات المهنية والنقابية للصحفيين والقائمين بالإتصال وبوجه خاص تلك التى لا تخضع لإشراف الهيئة العليا للإنتخابات . وفى المقال المقبل نواصل عرض جوانب أخرى فى هذا الميثاق. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;