رحم الله زميلنا العزيز سامى دياب الذى صدمت بخبر وفاته منذ أيام ليضيف اسما جديدا إلى قائمة الذين رحلوا من الزملاء والاصدقاء التى طالت بحيث لم يبق فى قائمة الأحياء سوى القليل. الموت حق، لكن الحياة أيضا حق والغريب أن الإنسان عادة ما يعترف بحق الحياة لكنه يرفض ويتمرد على الموت، لكن الحزن على الأصدقاء خاصة ممن حفروا طوال نصف قرن داخل نفوسنا أعمالهم الطيبة ونسماتهم الشفافة ولسانهم العف هو أمر طبيعى واعتراف بهزيمتنا أمام الموت. كان سامى دياب واحدا من القلة الذين لم يسعوا إلى مجد أو منصب، كان خافت الصوت يعيش بيننا حلم التغيير من أجل صحافة أفضل بما يتناسب مع هذا البلد العريق، وهذه المهنة التى تعرضت لمعاول الهدم من جانب بعض الحكام. لم يكن سامى دياب مناضلا بطبيعته . كان يبتعد عن الدخول فى أى صراع سواء كان سياسيا أو مهنيا، فهو هادئ النفس متسامح دائما يخلص فى عمله ويسعى إلى اتقانه. يتفانى فى التعاون مع زملائه ومساعدة الأجيال الجديدة التى تواصل من سبقوهم لاأذكر طوال سنوات عملنا لفظا نابيا صدر عنه أو صداما أو معركة مع زميل للحصول على مكاسب حتى لو كانت من حقه . أتذكر سامى دياب فى أحد أيام صيف عام 1963- بعد أيام من تخرجه فى قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة، يدخل إلى مكتب مدير تحرير الأهرام الأستاذ على الجمال رحمه الله، برفقة عمه المحامى الشهير زكى دياب، وقد كان مكتبه يقع فى الدور السادس بعمارة اللواء التى تطل على مبنى جريدة الأهرام العريق بباب اللوق وقبل أن ينقلنا الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل إلى المبنى الجديد فى شارع الجلاء . - كنت قد تعرفت قبل ذلك بعامين على الأستاذ زكى دياب، عندما قدمنى له الأستاذ كمال الملاخ صاحب الصفحة الأخيرة وقد بدأت معه العمل محررا فى الأهرام وكان الملاخ يفخر بالصفحة التى يحررها ويكتب عناوينها بنفسه وبخط يده غير المعتاد فى صحافتنا ويستفز بها أستاذنا الراحل محمد حسنين هيكل عندما يقول له ان قراء الأهرام يبدأون قراءتهم للجريدة من الصفحة الأخيرة وليست الأولى لجاذبيتها للقارئ. وكان مكتب زكى دياب يفيض بقضايا كبار الفنانين وبملفات الجرائم الخطيرة التى يهتز لها الرأى العام فكان من أهم مصادرى فى الحصول على الأخبار المثيرة التى تناسب الصفحة الأخيرة . اتصل الأستاذ على الجمال بالأستاذ توفيق بحرى رحمه الله رئيس قسم سكرتارية التحرير الفنية أول من استخدم الماكيت فى إخراج صفحات الجريدة وكان واحدا من الصحفيين الكبار فى المهنة، الذين جاء بهم الاستاذ هيكل من أخبار اليوم ومن بينهم الأساتذة صلاح هلال وصلاح منتصر وفتحية بهيج وصلاح جلال وأحمد بهجت, وطلب منه أن ينضم سامى دياب إلى سكرتارية التحرير وقد كنا أربعة محررين نتولى إخراج صفحات الجريدة فى ذلك الوقت : ماهر الدهبى وسمير صبحى وفريد مجدى وكاتب هذه السطور . طلب منى الأستاذ بحرى أن أتابع زميلنا الجديد خلال الشهور القادمة وأشرح له ظروف وطبيعة عملنا. على مدى سنوات عملى بالأهرام التقيت عشرات الصحفيين والعاملين فى مختلف التخصصات وكان سامى دياب واحدا من القلة التى تتفانى فى عملها، وعلى أعلى قدر من المسئولية ودماثة الخلق. كان بكبريائه مثل المتصوفة الزاهدين والمترفعين عن كل ما يتصارع عليه الزملاء من مكاسب. كان حالما يتأمل فى كل ما يجرى حوله. عملنا كان ينتهى فى الثالثة صباحا بعد انتهاء الطبعة الثالثة لتنقلنا سيارة الأهرام إلى بيوتنا وكان سامى دياب يقيم مع شقيقته فى شقة بمنطقة العجوزة. بين الحين والآخر كان يكتب مقالا بأسلوبه الادبى الجميل الذى يذوب رقة فكانت كل قراءاته فى الشعر والقضايا الدينية. كان مرهف المشاعر يتألم لمعاناة فقراء فى قريته فى سنهوت بمحافظة الشرقية ويكتب عن المحرومين الذين يتظاهر السياسيون فى محافظته بأنهم يعملون من أجلهم . كان مترفعا عن الصغائر ولايشارك الكثيرين طموحاتهم وتكالبهم للحصول على مال أو منصب ولم ينضم لحزب أو جمعية سياسية. لم ينافق طوال حياته أحدا من المسئولين االكبار, من أجل قطعة ولو صغيرة من الكعكة. كان دائم القلق على شقيقته الوحيدة وصديقته بعد مرضها وعاش معها مأساة ومعاناة المرض لعدة شهور حتى رحلت فى مقتبل شبابها وقد أصابت هذه المأساة زميلنا الراحل بحزن شديد، انتهى بحالة من الاكتئاب لم يبرأ منا حتى وفاته كان شديد التدين بلا مغالاة أو تطرف يكتب مقالات وحوارات أحيانا فى صفحة الفكر الديني، لكن رغبته لم تتحقق فى الانتقال إلى القسم الدينى ولا أعرف السبب رغم أنه كان يلقى حب وتقدير الجميع. رحم الله سامى دياب ابن الأهرام البار الذى أعطى كثيرا لمهنته وجريدته ولم يحصل إلا على القليل. لمزيد من مقالات مصطفى سامى