تناولنا فى مقالنا السابق المنشور بجريدة الأهرام فى 20 يناير 2017، الملامح الرئيسية لمشروع قانون الحد الأدنى لأجرة الأماكن القديمة، ونورد فيما يلى نصوص مشروع القانون المقترح، ونقارن بينه وبين المشروعات الأخرى المقدمة إلى مجلس النواب، وبصفة خاصة المشروع المقدم من حزب الوفد، والمشروع المقدم من النائبين الموقرين معتز محمود وإسماعيل نصر الدين وغيرهما. 1- نصوص مشروع القانون المقترح. مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981 وغيرهما من قوانين إيجار الأماكن.بعد الديباجة.. المادة الأولي: يكون الحد الأدنى لأجرة الأماكن التى أبرم عقد إيجارها قبل 31 يناير 1996 ، أياً كان تاريخ إنشاء المكان ، أو تاريخ إبرام العقد ، هو مبلغ ثلاثمائة جنيه فى الشهر ، إذا كان المكان يتكون من غرفتين وصالة . وتكون الأجرة مائتى جنيه إذا كان المكان مكوناً من غرفة واحدة وصالة . وتكون الأجرة مائة جنيه إذا كان المكان أقل من غرفة وصالة . وإذا زاد عدد الحجرات عن غرفتين وصالة فيزداد الحد الأدنى بمبلغ خمسين جنيهاً عن كل غرفة زائدة « . وتلتزم الدولة بدفع الزيادة فى الأجرة لغير القادرين ، وفقاً للشروط والضوابط التى يحددها وزير الإسكان.. المادة الثانية: تلغى نصوص كل القوانين التى تضع حداً أقصى لأجرة الأماكن ، يخالف ما نصت عليه المادة الأولى من هذا القانون ، وهى القوانين رقم 121 لسنة 1947 ، ورقم 169 لسنة 1961 ، ورقم 46 لسنة 1962 ، ورقم 7 لسنة 1965 ، ورقم 52 لسنة 1969 ، ورقم 49 لسنة 1977 ، ورقم 136 لسنة 1981 وغيرها . وتلغى كل النصوص الواردة فى هذه القوانين والتى ترتب آثاراً مدنية أو جنائية على مخالفة الحد الأقصى للأجرة الذى حددته هذه القوانين « . المادة الثالثة: تسرى أحكام هذا القانون، من اليوم التالى لتاريخ نشره على الأجرة المستحقة أول الشهر التالى على نفاذه « . ويقوم هذا المشروع المقترح على فكرتين رئيسيتين: أولاً: عدم إنهاء عقود الإيجار القديم ، لا فى الحاضر، ولا فى أجل مستقبل محدد، مثل خمس سنوات أو عشر سنوات، بل تترك هذه المسألة، لتفاعل الأحداث، فى الأيام والسنوات المقبلة. لأنه من المستحيل اجتماعياً وسياسياً طرد المستأجرين فى الحال، أو فى أجل محدد فى المستقبل، وذلك للأسباب الوارد ذكرها فى المقال السابق نشره، وأهمها الالتزام الأدبى للدولة، التى خدعت المستأجرين ووعدتهم بالبقاء فى مساكنهم إلى الأبد. فلا تستطيع الدولة الآن الإخلال بهذا الوعد بشكل مفاجئ. وكل ما تستطيعه هو رفع الأجرة على النحو الذى اقترحناه. ولا توجد فى مصر قوة سياسية ترغب أو تستطيع أن تحرر عقود الإيجار القديم، وتلقى بالمستأجرين فى الطريق العام. ثانياً: والفكرة الرئيسية الثانية، هى سهولة التطبيق، فمشروع القانون المقترح يسرى على جميع الأماكن القديمة، بغض النظر عن تاريخ إنشائها أو تاريخ إبرام العقد. وبغض النظر عن التفرقة بين الأماكن المؤجرة للسكني، أو لغير أغراض السكني، والتى سبق زيادة أجرتها بالقانون رقم 6 لسنة 1997، وبغض النظر عن موقع المكان فى منطقة راقية أو منطقة شعبية ....إلخ. وأهم ما يتميز به القانون الجيد، هو سهولة التطبيق، وعدم الحاجة للالتجاء إلى القضاء لتطبيقه. أما إذا كان تطبيق القانون يخلق ملايين المنازعات القضائية، فلا يجوز أبداً تمريره فى مجلس النواب. 2- مشروع القانون المقدم من حزب الوفد: يضع حزب الوفد الموقر عنواناً للمشروع الذى تقدم به، يكشف بوضوح عن سائر نصوصه. فعنوان المشروع هو « قانون بشأن سريان أحكام القانون المدنى على عقود الإيجار المبرمة قبل 1/2/1996». فالمشروع يقرر سريان القانون المدنى ، أى إلغاء كل قوانين إيجار الأماكن القديمة، وهو ما نصت عليه المادة الثانية من المشروع بقولها « تلغى كافة القوانين المنظمة للعلاقة الايجارية الصادرة قبل القانون رقم 4 لسنة 1996». وتقرر المادة الأولى من المشروع إنهاء عقود الإيجار القديمة، بانقضاء خمس سنوات من تاريخ سريان هذا القانون، للأماكن المؤجرة للسكني، أما الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكني، فينتهى عقد إيجارها، بانقضاء سنة واحدة من تاريخ سريان هذا القانون. 3- من استعجل الأمر قبل حدوثه عوقب بحرمانه: أهم ما يميز مشروع هذا القانون هو الاستعجال الشديد فى إنهاء عقود الإيجار القديم. وهناك قاعدة شرعية تقول» من استعجل الأمر قبل حدوثه عوقب بحرمانه». فالوارث الذى يقتل مورثه، يحرم من الميراث، بالرغم من أنه صاحب حق فى الميراث. والمالك الذى يستعجل فى طرد المستأجر القديم، يحرم من ذلك، بالرغم من أنه صاحب حق فى الملكية. والطرد من السكن او المتجر هو تشريد يشبه القتل إلى حد ما. والرأى العام رفض هذه الاقتراحات قبل مناقشتها فى مجلس النواب. كما أنه لا توجد قوة سياسية ترغب أو تستطيع تمريرها، كما سبق أن ذكرنا. 4- تشجيع الاقتصاد الحر لا يبرر طرد المستأجر القديم بهذه السرعة: ورد فى المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المقدم من حزب الوفد، أنه يشجع الاقتصاد الحر. ولا نريد أن نخوض فى الموازنات بين الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية. ويكفى القول أنه منذ يناير 1996، تخضع عقود الإيجار الجديد للاقتصاد الحر. أما أماكن الإيجار القديم فتحوطها الكثير من الاعتبارات التاريخية والإنسانية، السابق ذكرها، مما لا يسمح بإخضاعها للاقتصاد الحر، بطريقة عاجلة مفاجئة، على النحو المقترح فى مشروع القانون. 5- هل هناك حاجة للالتجاء إلى الشريعة الإسلامية؟ لجأ حزب الوفد إلى الشريعة الإسلامية لتبرير مشروع القانون الذى تقدم به. وجاء فى مذكرته الإيضاحية أن عقد الإيجار فى الشريعة الإسلامية لابد أن يكون محدد المدة والقيمة والمنفعة. فإذا خلا من ذلك كان عقداً غير صحيح شرعاً. وأنا أعتبر نفسى أحد المتخصصين فى عقد الإيجار فى الشريعة الإسلامية. ففى عام 1960، حصلت من كلية الحقوق جامعة القاهرة على دبلوم الدراسات العليا فى الشريعة الإسلامية، وكان ترتيبى الأول على أكثر من مائتى طالب فى هذا الدبلوم، ونشرت فى مجلة المحاماة ، بحثاً مطولاً، عنوانه « طبيعة حق المستأجر فى الفقه الإسلامى الحنفي». رجعت فيه إلى أمهات الكتب ، فى هذا الفقه. وقد وصف أساتذة الشريعة الأجلاء هذا البحث، بأنه يصلح رسالة دكتوراه . وأنا أعلم أكثر من غيرى أن عقد الإيجار فى الشريعة الإسلامية، هو عقد رضائي، محدد المدة، ومن ثم فإن قوانين إيجار الأماكن قد لا تتفق فى بعضها مع أحكام الشريعة الإسلامية. ومع ذلك فيجب التقيد فقط بأحكام القانون والدستور. وينص الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. والمقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية، كما يقول الدكتور السنهورى فى شرحه للمادة الأولى من القانون المدنى ، المبادئ الكلية التى لا خلاف عليها بين الفقهاء . وقد أبرزنا رأى الدكتور السنهوري، فى أبحاث عديدة سابقة، انتهت إلى أن واضعى وثيقة الأزهر، أخذوا بها . فنجد فى وثيقة الأزهر الصادرة فى يونيه 2011 أن المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع . وقد حاول بعض السلفيين تغيير النص، من المبادئ إلى الأحكام، فتصبح أحكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. ولو نجحوا فى هذا لكانت كارثة كبرى على حد تعبير الأستاذ جمال البنا. لأن الأحكام التفصيلية ، يختلف بشأنها الفقهاء، وستغرق الدولة فى بحر هذه الخلافات ولذلك فإن الرأى الصحيح هو أن المقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية ، المبادئ الكلية ، كما قال الدكتور السنهورى ، وكما قالت وثيقة الأزهر. والمبادئ الكلية التى لا خلاف عليها بين الفقهاء ، تعادل كلمة العدل . لذلك قال أحد كبار المفكرين الإسلاميين المعاصرين ، أن المقصود بالشريعة هو العدل .وهذا القول يتفق مع قول المعتزلة فى الحسن والقبح العقليين. وهو ما نقله عنهم بعد ثلاثة قرون فيلسوف المسيحية الأول توماس الأكويني. وعقد بذلك الصلح بين أرسطو وبين الدين ، وعقد كذلك الصلح بين القانون الطبيعى العقلى ، والقانون الإلهى . ولمن يريد أن يلجأ إلى أحكام الشريعة التفصيلية فليلجأ. أما نحن فنلجأ إلى المبادئ الكلية،أى إلى العدل والعقل. وخلاصة رأينا فى مشروع قانون حزب الوفد ، أنه لن يمر أبدا فى مجلس النواب. ونحن ندعو حزب الوفد الموقر أن ينضم إلينا فى مشروع الحد الأدنى لأجرة الأماكن القديمة، دون تحديد مدة لإنهائها. 6- مشروع القانون المقدم من النائبين المحترمين معتز محمود وإسماعيل نصر الدين: يتفق هذا المشروع مع مشروع حزب الوفد فى أنه يهدف إلى إنهاء عقود الإيجار القديمة، وتطبيق القانون المدنى على سائر عقود الإيجار. ولكنه يختلف عن مشروع حزب الوفد فى أنه أطول بالاً وأكثر صبراً. فهو يقترح إنهاء عقود إيجار الأماكن المؤجرة للسكنى بعد عشر سنوات، والأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى بعد خمس سنوات، من تاريخ العمل بهذا القانون ( م 4 و م 6 من مشروع القانون). ولا نرى مبرراً لتكرار القول بأن إنهاء عقود الإيجار القديم فى الحال، أو بعد أجل محدد، سواء كان هذا الأجل قصيراً أو طويلاً، خمس سنوات أو عشر سنوات، هو أمر مستحيل للاعتبارات التاريخية والإنسانية والاجتماعية والسياسية السابق ذكرها. والأجدر بالنائبين الموقرين أن ينضما إلى مشروع قانون الحد الأدنى لأجرة الأماكن القديمة. فهو الاقتراح الوحيد المعتدل . الذى يمكن أن يحظى بموافقة الرأى العام ومجلس النواب، والقوى السياسية فى المجتمع.. ويوجد نص جيد فى مشروع النائبين الموقرين، هو نص المادة 10 الذى يقرر فسخ العقد فى حالة عدم استعمال العين المؤجرة مدة تزيد على ثلاث سنوات. ومع ذلك فلا حاجة لهذا النص الجيد، لأننا إذا وضعنا حداً أدنى لأجرة الأماكن، فلن يحتفظ بالمكان إلا من يستعمله فعلاً، وستختفى من تلقاء نفسها ظاهرة إغلاق الأماكن وعدم استعمالها، لضعف أجرتها أو انعدام هذه الأجرة تقريباً. 7- دعوة إلى وزارة الإسكان للانضمام إلينا: فى تقديرنا أن وزارة الإسكان تميل إلى الأخذ بمشروع قانون الحد الأدنى لأجرة الأماكن القديمة، والدليل على ذلك أنها أخذت به فى تحديد أجرة الأماكن التى تؤجرها فيما يسمى الإسكان الاجتماعي. ونحن ندعوها إلى إسماع صوتها، والانضمام إلينا، حتى يستطيع مجلس النواب إصدار قانون عادل متوازن سهل التطبيق، يقبله الرأى العام، ويرضى عنه المؤجرون والمستأجرون على السواء. ونود فى الختام أن نتوجه بالشكر إلى الأستاذ وائل بندق المحامى والباحث والمؤلف المتميز، الذى أحضر لنا مشروع القانون المقدم من حزب الوفد، ومشروع القانون المقدم من النائبين المحترمين، مما أغنانا عن مشقة البحث عنهما فى أروقة مجلس النواب. لمزيد من مقالات د. سمير تناغو