دائما ما كان الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة يؤكد ان تناول أي حدث تاريخى يجب أن يكون بعد فترة من الزمن علي الاقل بعد 5 سنوات علي وقوعه، وذلك انطلاقا من أن كل الامور لا تكون واضحة والنتائج لا تظهر مباشرة خصوصا في الاحداث الكبيرة، مثل الثورات والحروب وهو الرأي الذي يتفق معه الكاتب المبدع وحيد حامد إلا ان المخرج السينمائي يسري نصر الله له رأي مختلف حيث يري ان الانفعال بالحدث جزء لا يتجزأ من صناعة السينما لذلك قدم فيلما عن الثورة بعد وقوعها مباشرة، في حين أن المخرجة هالة خليل التى كانت تؤكد باستمرار أنه من المبكر جداً صناعة فيلم عن الثورة المصرية، لم تستطع وقدمت فيلمها نوارة عن الثورة. ............................................................ ثورة يناير التى انطلقت شرارتها منذ 6 سنوات تعامل معها عدد من المبدعين بشكل مختلف.. وقد يكون ذلك راجعا للتطور التكنولوجي الذي نشهده جميع فمن شارك في الثورة سجل لقطات علي موبايله الخاص، سواء فيديو او فوتوغرافيا، إلا أن هناك سؤالا لابد من طرحه وهو هل الأفلام التي عرضت وناقشت ورصدت ثورة25 يناير تليق حقا بحجم الحدث؟ وهل النوايا الحسنة كافية لصنع سينما ستكون بمثابة وثيقة عن الثورة في المستقبل هذا ما ستكشف عنه الدراسات السينمائية في السنوات المقبلة. في ظني أن ثورة يناير لا تزال تحتاج الي أفلام أكثر عمقا حول الحدث وما تبعه من تطورات لا تزال تتفاعل حتى هذه اللحظة ولكن الذي لا يقبل الشك ان الافلام التى قدمت عقب الثورة مباشرة أو فى اثنائها سواء التسجيلية أو الروائية كانت تحمل قدرا كبيرا من الانفعال بالحدث.. وأفلام أخري اتخذت موقفا أحاديا وأحيانا متعاليا وهناك افلام اتخذت موقفا ضد الثورة، واذا كان هناك العديد من الانتاجات الوثائقية والروائية التى ناقشت ثورة يناير ورصدتها فإن الفيلم التسجيلي «الميدان» يظل واحدا من أكثر الافلام االتسجيلية التى أثارت الجدل وهو من إخراج المصرية الأمريكية (جيهان نجيم) ويصور جذور ثورة يناير حتى اشتعالها في الميدان ونال الفيلم اهتماما كبيرا من نقاد السينما العالمية، ورشح للفوز بجائزة الاوسكار لأفضل فيلم وثائقي في الدورة 86 في العام 2013.. وفي الافلام الروائية الطويلة فيلم تامر السعيد «آخر أيام المدينة» والذي لم يعرض تجاريا في مصر حتى الان. الأفلام الوثائقية التحرير 2011 بأجزائه ال 3 «الطيب والشرس والسياسي» للمخرجين تامر عزت وآيتن أمين وعمرو سلامة وفيلم «18 يوم» الذي شارك في إخراجه 10 مخرجين مصريين من أجيال متنوعة ومنهم شريف عرفة ويسري نصرالله ومروان حامد وكاملة أبو ذكري وشريف البنداري. تأتي البداية مع فيلم18 يوم والذي اختار كل مخرج مشارك في العمل زاوية أو شخصية يطرح من خلالها رؤيته لما عاشته مصر من أحداث منذ 25 يناير وحتي يوم التنحي وما أعقبه من تطورات دون وضع اسم كل مخرج علي فيلمه لذلك فالفيلم في النهاية سينظر إليه علي أنه بناء واحد قام بإخراجه المخرجون ال10 وهو الأمر الذي سيحمل للأسف ظلما لبعض هؤلاء المخرجين خصوصا وأن هناك تفاوتا في المستوي الفني للأفلام وهي الأفلام التي امتد زمنها لأكثر من125 دقيقة. وأول الأفلام هو «احتباس» للمخرج شريف عرفة وتدور أحداثه داخل أحد مستشفيات الأمراض العقلية والتي تضم أطيافا عدة وشرائح متنوعة: السياسي، رجل الأعمال الإسلامي، أستاذ التاريخ الشاب الذي لا يعرف سوي حب الوطن وهي فكرة براقة ولكن للأسف أجهضها التناول المباشر لذلك جاء فيلم احتباس من أقل الأفلام رغم أنه يحمل توقيع مخرج بحجم شريف عرفة وثاني الأفلام بعنوان «خلقة ربنا» وتبدأ أحداثه مع فتاة تشعر بالذنب لأنها قامت بصبغ شعرها وقد سمعت من شيخ يقول: إن الله لا يحب من يغير ما خلق عليه» لكنها وهي تصنع الشاي والقهوة في الشارع سرعان ما سيعجبها ذاك الشاب الذي يدفع الناس إلي التظاهر وتمضي خلفه إلي أن تموت من الضرب في المظاهرة. ثالث الأفلام جاء بعنوان «1919» وهو رقم معتقل سياسي يحمل إشارات رمزية لوائل غنيم جسد دوره عمرو واكد وهو يخضع للتعذيب علي يد رجال أمن الدولة، بينما يقدم لنا إذا «جالك الطوفان» شريحة من لا تمثل لهم الثورة شيئا ما شهدته مصر بعد الثورة من تحولات في المواقف فمن بكي علي مبارك سرعان ما ينزل إلي ميدان التحرير ليبيع أعلام مصر للمتظاهرين ونراه في أحيان أخري يبيع صور حسني مبارك لتظاهرات التأييد وحين يفشل الصديقان في تحقيق أي مكسب مالي من ذلك فإن الأعلام التي صارت تحمل صور مبارك تضاف عليها شعارات تقول لا لمبارك لإعادة بيعها من جديد..كل شىء يتحول إلي بضاعة قابلة للبيع والشراء. وتتوالي بقية الأفلام علي هذا المنوال فالشخصيات أغلبها خائفة ومسجونة ومحبوسة وكأن صناع العمل اتفقوا ضمنيا علي أن تدور هذه الشخصيات في دائرة الخوف ولا افهم لماذا لم توجد قصص حقيقية من ميدان التحرير والذي امتلأ بآلاف القصص الإنسانية؟ وهل الفيلم عن قهر النظام ودائرة الخوف الذي كنا نعيش فيه أم للاحتفاء بالثورة ومن صنعوها، لذلك سيظل فيلم «18 يوم» في ظني وثيقة سينمائية متعددة الزوايا عن الخائفين والمترددين قبل الثورة، شاهدنا فيه تجار الثورة والبلطجية والخائفين ونماذج قليلة لمن حررتهم الثورة من الخوف والقهر. أما الفيلم الوثائقي «التحرير2011»: الطيب والشرس السياسى، فللأسف هو فيلم متواضع جدا قياسا لحجم الحدث الحقيقي الذي عاشته مصر وقد يكون الجزء الأول والذي أخرجه تامر عزت هو أكثر الأجزاء تماسكا وتناغما خصوصا أنه يرصد لحظات حقيقية في الثورة المصرية ومن وجهات نظر متعددة، في حين أن الجزء الثاني والذي جاء بعنوان «الشرس» لآيتن أمين رصد وجهة نظر عدد من ضباط الداخلية في الأحداث وتصاعدها. أفلام روائية «صرخة نملة» وهو الفيلم الروائي الذى تمت كتابة السيناريو والموافقة عليه، وتنفيذ أكثر من 95 % منه في عهد مبارك ولكنه عُرض بعد ثورة يناير وحاول صناع الفيلم الاستعانة ببعض المشاهد الحية من الثورة في المشاهد النهائية للفيلم، وتم تغيير اسمه الى «صرخة نملة» بطولة عمرو عبد الجليل إخراج سامح عبد العزيز في تشبيه للمواطنين بأنهم كائنات تشبه النمل، لا تجد من يسمعها، وتناول الفيلم الفساد والأزمات التي عانى منها المصريون قبل الثورة، ولكن معالجة الفيلم كانت سطحية للغاية وتعانى ترهلا في السيناريو وليس ثمة حبكة مقنعة بل محاولة لركوب موجة الثورة. أما يسرى نصر الله فعمل على إنجاز فيلمه عقب ثورة 25 يناير وكان اسم الفيلم المبدئى «ريم ومحمود وفاطمة»، وتم تغييره إلى «بعد الموقعة» يتناول الفيلم بكل بساطة مصر بعد الثورة، كما أن يسرى فى هذا الفيلم ترك مساحة واسعة للارتجال من جانب نجومه وممثليه، والأشخاص العاديين الذين شاركوا فى العمل بشخصياتهم الحقيقية من أهالى نزلة السمان. أحداث فيلم «بعد الموقعة» تدور حول شاب يدعى «محمود»، يعمل كخيال في نزلة السمان، يقوم بالاشتراك في موقعة الجمل، ظناً منه بأن الثوار خونة وضد استقرار البلد، وقد شارك الفيلم في مهرجانات عدة لكنه شأن معظم أفلام الثورة لم يحقق المطلوب فنيا أو سياسيا بسبب ضباب الرؤى الفنية والسياسية حول الثورة وحول موقعة الجمل تحديدا بسبب براءة كل من اتهم بها من السياسيين المصريين. «الشتا اللي فات» تدور أحداث الفيلم في إطار ثلاث قصص انسانية وقت الثورة، الأولى لضابط بمباحث أمن الدولة، والثانية لمذيعة تليفزيونية فرح يوسف، والثالثة لمهندس كمبيوتر عمرو واكد وعلاقتهم بالثورة المصرية، ويقوم عمرو واكد بدور مهندس برمجة على علاقة بفئات شبابية كان لها دور كبير في الثورة موضحا الأسباب التي أدت إلى تفشي الفساد طوال الثلاثين عاما من حكم مبارك. فيلم «فرش وغطا» بطريقة ما تحدث عن ثورة 25 يناير وفي أحد السجون يقبع شابٌ مصريٌ «آسر ياسين» ويجد أن باب السجن قد فُتح له على مصراعيه، فيهرب مع مئات المساجين في الصحراء الجرداء، يصارع هذا الشاب من أجل إيجاد مخرجٍ، الفيلم من اخراج احمد عبد الله. «فبراير الأسود» للمخرج محمد أمين تدور أحداث الفيلم في إطار من الكوميديا السوداء، التي توضح حالة الإحباط والمأساة التى تعرض لها أبطال الفيلم، حيث يناقش الفيلم قضية شقيقين الأول حسن «خالد صالح» يعمل استاذا جامعيًا والثاني صلاح «طارق عبد العزيز» وهو عالم كيميائي، ولكن لا يجدان أي نوع من أنواع التقدير من الدولة، فيتعرضان للعديد من المشكلات ويفكران في الهجرة، أو الارتباط بأصحاب المناصب السيادية والعليا في الدولة. «نوّارة» تتركز أحداث الفيلم حول فتاة من حي شعبي تدعى نوارة «منة شلبي»، تعيش قصة حب خلال الفترة التي اندلعت خلالها ثورة الخامس والعشرين من يناير وبعدها، مستعرضًا أثر ما كان يجرى في مصر خلال هذه الفترة على نوارة وعلى قصة حبها. وتظل أفلام الثورة مثل النهايات المفتوحة فى الأفلام السينمائية، تحتاج لكثير من الخيال والتأويلات إلا اننا مازلنا ننتظر اعمالا حقيقية ترصد دون انفعال او تحيز ما حدث طوال السنوات الماضية.