يشكل دونالد ترامب ظاهرة جديدة فى السياسة الأمريكية سيكون لها العديد من الآثار والتداعيات داخليا وخارجيا, فقد جاء فوزه كتعبير عن صعود الشعبوية الجديدة, ليعلن تمرده ورفضه للمؤسسات التقليدية والنخبة الحاكمة سياسيا واقتصاديا, حيث أعلن فى خطاب تنصيبه أن الشعب الأمريكى سيكون الحاكم للبيت الأبيض وليس النخبة التقليدية, وهو ما يعنى أن توجهات إدارته ستكون للأولوية الشعبية وليس لتلك المؤسسات, وقد انعكس الصراع بين الجانبين فى صدامه المبكر مع الكثير من المؤسسات الأمريكية مثل المواجهة مع أجهزة الاستخبارات على خلفية فضيحة التسريب الروسية فيما يخص معلومات حول حياته الأخلاقية والمالية, واتهامه للمخابرات الأمريكية باختلاق والترويج لتلك المعلومات الزائفة, كذلك صدامه مع بعض وسائل الإعلام التى اتهمها بالانحياز لخصومه, وصدامه مع مؤسسة الحزب الجمهورى, وصراعه مع الشركات الاقتصادية متعدية الجنسيات واتهامها بتهريب الأموال الأمريكية للخارج. فإلى أى حد ستنجح شعبوية ترامب فى مواجهة المؤسسات الأمريكية ومن سيروض الآخر خاصة فى مجال السياسة الخارجية؟ ينطلق ترامب من رؤية بسيطة استطاع من خلالها جذب تأييد قطاعات كبيرة من الشعب الأمريكى تحت شعار أمريكا أولا, وتوظيف إخفاقات الإدارات السابقة والتى تمثلت فى زيادة معدلات البطالة وهروب رؤوس الأموال للخارج وتدهور البنية الأساسية والتعليم والصحة وزيادة الهجرة غير الشرعية وإنفاق المليارات من الدولارات فى الخارج لحماية الآخرين وتزايد الفجوة بين الأقلية الغنية والغالبية الساحقة من الفقراء والطبقة الوسطى, ومن ثم فإن سياساته ستكون مغايرة للسياسات السابقة وإعطاء الأولوية للداخل وربط السياسة الخارجية والانخراط الأمريكى فى القضايا العالمية والشراكات الدولية بتحقيق هذه الأهداف من خلال عقيدة الصفقة ومدى عائدها على الولاياتالمتحدة, وهو ما يمثل ورقة قوية فى تحقيق التغيير المنشود وترويض المؤسسات, كما أنه يعكس التوجه الانعزالى والتركيز على قضايا الداخل. لكن فى المقابل فإن المؤسسات الأمريكية تملك العديد من الأوراق لترويض ترامب. أولاها: ضعف خبرته السياسية كرجل أعمال جاء إلى السلطة من خارج المؤسسات الحزبية التقليدية والنخبة السياسية, ومن ثم يفتقد إلى فهم تعقيدات الأوضاع على الأرض, ومن ثم فإن اتخاذ قراراته بشأن السياسة الخارجية سوف تكون نتاج عملية صنع القرار الأمريكى والتى تتداخل فيها مؤسسات عديدة أبرزها وزارات الدفاع والخارجية وأجهزة الاستخبارات ومجلس الأمن القومى, حيث لا يستطيع رئيس أمريكى العمل بدون رؤية وتوجهات تلك المؤسسات، والتى ترتبط بحجم التعقيدات والتشابكات فى المصالح الأمريكية فى الخارج, وحدود الخيارات الأمريكية فى التعامل مع القضايا الدولية والتى سوف تشكل إطارا حاكما له وكابحا لانحرافاته. وتعكس اختيارات ترامب فى تلك المناصب وجود حالة من الضبابية والتنافر بين أعضائها وافتقادهم للحرفية السياسية, واختلاف مواقف بعضهم مع مواقف ترامب بشأن القضايا الدولية, فعلى سبيل المثال فإن دان كوتس رئيس الاستخبارات الوطنية لديه مواقف عدائية مع روسيا ولا يرحب بتطبيع العلاقات الأمريكية معها على غرار ما ينحو ترامب, كما أن وزير الدفاع الجديد جيمس ماتيس يرفض التخلى عن حلف الأطلنطى كما يرغب ترامب, لكن القاسم المشترك بينهما جميعا هو الاتفاق على مواجهة الإرهاب والجماعات الإرهابية, بل حتى فى هذه القضية فإن ترامب ومستشاره للأمن القومى مايكل فيلين ينطلقون من رؤية خاطئة فى معالجة تلك القضية نتيجة لعدم التمييز بين الجماعات الإسلامية المتطرفة كداعش وغيرها وبين الإسلام المعتدل الذى يمثل الغالبية الساحقة من المسلمين . وثانيتها: أن ترامب كغيره من الرؤساء الأمريكيين السابقين بمن فيهم أوباما, بدأ عهده بوعود براقة تمحورت جميعها حول أمريكا القوية وأمريكا أولا, لكن كثير منها لم يتحقق على أرض الواقع, خاصة فى المجال الخارجى, حيث فشل أوباما فى تنفيذ وعوده بإغلاق معتقل جوانتنامو وحل الدولتين فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ومواجهة تنظيم داعش وتحسين أوضاع الأمريكيين السود, ولذلك فإن وعود ترامب بشأن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ستواجه بعقبات كثيرة أبرزها رد الفعل العربى والإسلامى والفلسطينى الغاضب والذى قد يهدد باندلاع انتفاضة فلسطينية, كذلك ستجعله فى مواجهة مع المجتمع الدولى وقرارات الشرعية الدولية وآخرها القرار 2334 والتى لا تعترف بضم إسرائيل للقدس, كما أن وعده بإلغاء صفقة البرنامج النووى الإيرانى ستجابه بفشله فى حشد إجماع دولى حول تلك الصفقة التى تضم مجموعة الخمسة زائد واحد وأقرها مجلس الأمن الدولى, كذلك وعده بإقامة جدار على الحدود مع المكسيك سيجابه بتحدى التكلفة الاقتصادية الباهظة, كما أن اتجاهه نحو التطبيع مع روسيا والتقارب مع بوتين سيواجه بصراع المصالح بين الدولتين فى إطار النظام الدولى ومعارضة الأجهزة الأمنية لهذا التقارب, كذلك توجهاته الاقتصادية نحو العولمة ستجابه بمقاومة النخبة الاقتصادية المسيطرة فى وول ستريت. ورغم قناعات ترامب إلا أنها ستكون فى إطار المؤسسات الأمريكية وخياراتها والتى ستقوم بترويض ترامب وفرض الواقعية على شعبويته وخضوعه لها خاصة مع استمرار المظاهرت الحاشدة ضده والتى قد تهدد مستقبله السياسى إذا أصر على نهج شعبويته. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد