شرفت يوما ما، بتدريس مقرر «الإدارة العامة» لطلاب كلية التجارة بعدة جامعات، وعندما شرعت فى إعداد كتاب للطلاب يدرسونه كمادة أولية تعينهم على استيعاب هذا المقرر العلمى ومحتواه، أفردت جزءا كبيرا فى موضوع الرقابة باعتباره أحد أهم عمليات الإدارة العامة، وبدونها تنعدم فعالية العملية الإدارية بكاملها. وقد ميزت لهم بين جميع أنواع الرقابة، فمنها ما هو رقابة سياسية يقوم بها البرلمان، ورقابة شعبية محلية وهو ما تقوم به المجالس المحلية فى المحافظات، ومنها الرقابة الجماهيرية والرأى العام وتقوم بها وسائل الإعلام، ثم الرقابة الإدارية وهى المختصة بمقارنة ما يتم التخطيط له مع الذى يتم تنفيذه والبحث عن الأسباب عند عدم التطابق والأشخاص المتسببين، ليس من قبيل التصيد للأخطاء ولكن من قبيل المتابعة وتصحيح المعوج، ورصد الأخطاء لتصويبها، وفى نفس الوقت محاسبة المخطئين وتقديمهم للمحاكمات. وبالرجوع إلى من يقوم بالرقابة الإدارية فى مصر، نجد أنه جهاز ضخم، له هيكل ادارى كبير، وله اختصاصات مالية وادارية معا، ويتكامل مع الجهاز المركزى للمحاسبات، والجهاز المركزى للتنظيم والادارة، وهما جهازن رقابيان كبيران أيضا، كما أن لهذا الجهاز سلطات القبض على المنحرفين وهو المعروف بالضبطية القضائية وحجز المتهمين فى سجن خاص بالرقابة الادارية لحين العرض على النيابة العامة ومحاكمتهم. ولذلك نحن نتحدث عن جهاز رقابى مهم جدا. وقد عادت الحياة مرة أخرى لهذا الجهاز فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بتعيين اللواء محمد عرفان رئيسا له، ومقابلته بين حين وآخر، ليقدم له تقريرا عن مهامه. ويمكن القول إن متابعة رئيس الدولة، لرئيس الجهاز ومقابلته ونشر ذلك فى وسائل الاعلام يحمل معانى كثيرة، لعل فى مقدمتها، إصرار الدولة على مكافحة الفساد، وعدم التستر على أحد مهما يكن وضعه. وهنا يقول الرئيس السيسى فى إحدى كلماته أخيرا: «لاتستر على أحد.. والجميع فى مصر تحت الحساب من أصغر موظف، وحتى رئيس الجمهورية»، ليؤكد هذه الحقيقة فى دعم الدولة لهذا الاتجاه، وهو مكافحة جادة للفساد. كما أن مقابلة رئيس الدولة رئيس الجهاز تحمل معنى آخر وهو إزالة الشوائب عن هذا الجهاز وتحسين صورته لدى الرأى العام ودعم مصداقيته، كما انتهى عهد عقاب ضابط الرقابة الادارية الذى يفتح الملفات المسكوت عنها، ونموذج ذلك العقيد معتصم فتحى، الذى فتح ملف القصور الرئاسية، وصدر بشأنها حكم قضائى ونهائى وبات, وكذلك لاننسى أنه فى أواخر عهد السادات، تم إغلاق الرقابة الادارية. وعادت فى عهد مبارك نشيطة لعدة سنوات، ثم استمرت ولكن دون فعالية!! وفى مصرنا العزيزة كما نعرف أن الجهاز الفعال إن أريد له ذلك لابد من الحصول على ضوء أخضر من رئيس الدولة شخصيا. ولذلك فإن فعالية جهاز الرقابة الادارية، الآن يرتبط بدعم مباشر من الرئيس السيسى، وإلا لاقتصر الأمر على المتابعات المحدودة، والوقائع الصغيرة لموظفين صغار، وبعيدا عن الكبار!! ولذلك على ما يبدو أن اختيار شخصية رئيس الجهاز تعكس توجهات النظام ورئيس الدولة. ولم يأت اختيار اللواء محمد عرفان، من فراغ، بل أتى كرجل لاتشوبه شائبة لكى ينفذ تعليمات واضحة وصريحة بمكافحة الفساد وكشفه وعدم التستر على أحد. إن الضربات المتتالية لجهاز الرقابة الادارية حتى الآن فى أغلب المحافظات، وأغلب الوزارات، والمؤسسات، تؤكد ضخامة حجم الفساد، واستغلال الوظيفة العامة للتربح الشخصى على حساب الدولة والشعب، وأن مجابهة هذا الفساد يتطلب تطوير الآليات وسرعة الضبط، والتحقيقات والأحكام العاجلة، ربما يسهم ذلك فى ردع من تسول له نفسه للاستمرار فى الفساد، وضرورة الإقلاع عنه. فضلا عن ذلك فإن فتح الملفات المسكوت عنها لكشف فساد المسئولين السابقين هو إشارة مهمة أن الرقابة لاتقتصر مهامها فقط عما هو قائم، بل تمتد إلى فتح الملفات السابقة وتقديم الكبار للمحاكمات العاجلة، وعدم اعتبار موظفين صغار «كباش فداء» فحسب!! ان الرقابة الادارية لو ركزت كل جهدها فى ملف الأراضى المنهوبة، وبالتنسيق مع لجنة محلب لاسترداد الأراضى المنهوبة وبتعاون جميع الأجهزة الأمنية والمخابراتية وقوات الشرطة والجيش، لاستردت أراضى ب 2 تريليون على الأقل، ومحاكمة هؤلاء الفاسدين، ليتأكد لدى المواطنين نزاهة الحكم وشفافيته وغسل يديه من رموز مبارك الفاسدين وإلى ما قبله فى عهد السادات على مدى (43 سنة). إن الواجب الآن والمهمة المقدسة، هو الانتقال إلى محاسبة الكبار وبجوارهم الصغار، ومازالت الثقة موجودة فى أجهزتنا وقضائنا، إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا. وأخيرا تحية للرقابة الادارية (رئيسا والعاملين)، لسهرهم على حماية مال الشعب. لمزيد من مقالات د. جمال زهران