كان لصدور القرار الدولى من مجلس الأمن رقم (2334) فى 23 ديسمبر 2016م، دوى هائل، وهو المتعلق بتجريم بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة بعد الرابع من يونيو 1967، والمطالبة بازالتها، وعدم شرعيتها القانونية وفقا لميثاق الأممالمتحدة واتفاقيات جنيف.... إلخ ولم يكن هذا هو القرار الأول بإدانة إسرائيل بشأن بناء المستوطنات على الأراضى المحتلة، فقد سبقه (4) قرارات، أولها رقم 446 لسنة 1979، الذى أكد عدم شرعية الاستيطان ونقل الاسرائيليين إلى الأراضى الفلسطينية، وكذلك القرار رقم (452) لسنة 1979، الذى قضى بوقف استيطان إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية التى احتلتها فى عام 1967 بما فيها القدس وعدم الاعتراف بضمها، ثم القرار رقم (465) لسنة 1980، الذى دعا إلى تفكيك المستوطنات الاسرائيلية، ثم تبعه قرار آخر فى هذا الشأن عام 1980 أيضا. إلا أنه فى عام 2011م، فقد استخدمت أمريكا حق النقض ضد قرار قدمته المجموعة العربية يدين الاستيطان الاسرائيلى للأراضى الفلسطينية ويطالب إسرائيل بوقفه، وهو الفيتو العاشر الذى استخدمته الولاياتالمتحدة فى هذا الشأن فى مجلس الأمن، أما الأممالمتحدة من خلال الجمعية العامة فقد أدانت الاستيطان الاسرائيلى فى قرارات عديدة فى كل دوراتها السنوية العادية. ومن ثم فليس جديدا إذن أن يصدر قرار من مجلس الأمن يدين الاستيطان الاسرائيلى فى الأراضى العربية المحتلة، إذن ما هو الجديد، وما هى ملابسات هذا القرار، والأحاديث حول تراجع الموقف المصرى فى تبنى المشروع الذى قدمته بصفتها عضوا فى مجلس الأمن؟! يمكن شرح ذلك فيما يلي: (1) إن مصر هى التى قدمت هذا المشروع بتنسيق مع عدة دول هي: فنزويلا والسنغال وماليزيا ونيوزيلندا، بصفتها ممثل العرب فى مجلس الأمن، وفى نفس الوقت كانت الدبلوماسية المصرية تنسق مع السلطة الفلسطينية والمجموعة العربية، وبالتالى فهو جهد دبلوماسى مصرى خالص يعبر عن قناعات مصرية بمسئوليتها القومية إزاء قضية المصير العربي. (2) إن مصر استشعرت خطر استخدام الفيتو الأمريكي، فى اطار استخدام الفيتو فى إدارة أوباما لمدة (8) سنوات، ولم تجعل أى قرار يدين اسرائيل يمر فى الفترة من (2008 2016م) فى مجلس الأمن. ولذلك بعد اتمام المشاورات أرجأت التصويت عليه تفاديا للفيتو الأمريكى والموقف الأمريكى الغامض بين إدارة أوباما الرسمية، وإدارة ترامب غير الرسمية. (3) إن الاتصال الذى تم بين الرئيس المرتقب بعد نجاحه (ترامب) والرئيس السيسي، أفصح عن طلب للرئيس ترامب، النظر فى التأجيل تفاديا للفيتو من جانب أوباما، واعطاء مساحة للإدارة الجديدة لمعالجة أوسع للقضية الفلسطينية، فأرادت مصر كسب نقاط لدى الإدارة الجديدة بدلا من الاشارة التى تعكس عدم الاستجابة. (4) إن مصر عاودت المشاورات مع الدول شريكة التنسيق فى القرار وهي: فنزويلا، والسنغال، وماليزيا، ونيوزيلندا، وفى اطار مبدأ توزيع الأدوار أن تتقدم هذه الدول بمشروع القرار، بدلا من مصر، وبموافقتها، فإن استخدمت أمريكا الفيتو يكون فى مواجهة قرار غير مصري، وإن لم تستخدمه فإن مصر توافق عليه ويمر ويصبح مكسبا مصريا وعربيا ولمصلحة دول العالم الثالث، بشكل غير مسبوق وهو ما حدث. (5) إن التصريح من جانب الخارجية المصرية، على لسان متحدثها المستشار أحمد أبو زيد، فى برنامج العاشرة مساءً، يوم السبت 24/12، بأن مندوبة الولاياتالمتحدة فى مجلس الأمن طلبت ارجاء التصويت لمدة ساعة لتلقى تعليمات واشنطن (البيت الأبيض)، يؤكد مصداقية الموقف المصري، بأن الموقف الأمريكى كان غامضا حتى آخر لحظة، والتقديرات كانت حساسة للغاية، وحتى تلك اللحظة كانت سليمة، لكن مصر بتنسيقها مع الدول الشريكة، كانت مستمرة فى معركتها الدبلوماسية. وفى ظل هذه التقديرات والحسابات المعقدة، وجدنا أن مشروع القرار يعرض للتصويت ووراءه مصر، وصوتت معه بالموافقة، بينما تخرج أمريكا «أوباما» عن قاعدة استخدام الفيتو لمصلحة إسرائيل، واكتفت بالامتناع، لكى يمر القرار بادانة اسرائيل لأول مرة فى عهد ادارة «أوباما» الحامية والداعمة لإسرائيل، على عكس ما كانوا يتصورون أنه سيكون داعما للقضايا العربية والقضية الفلسطينية على خلفية جذوره الاسلامية وبشرته السوداء!! بل إن إدارة أوباما كانت الأسوأ فى تدمير المنطقة العربية بكل المعايير وخلاصة القول، فإن صدور القرار هو انتصار بكل المعايير للدبلوماسية المصرية، علينا أن نبنى عليه، وليس وحده سيحقق السلام الفلسطينى الاسرائيلي، كما أشار الكاتبان (إليوت ابرامز ومايكل سينج) بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية. لمزيد من مقالات د. جمال زهران