ما أشبه عالم السياسة بعالم كرة القدم، فقد يسجل لاعب هدفا فى آخر لحظة وتنقلب الأمور رأسا على عقب، وقد تغير أقوال وأفعال السياسيين مسار الأحداث بين ليلة وضحاها. من هنا كان وما زال تعيين رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون فى منصب وزير الخارجية فى يوليو الماضى فى حكومة تيريزا ماي، أمرا مثيرا للاهتمام والتساؤلات. ولأنه معروف بسياسته التى تفتقر كثيرا للدبلوماسية وتصريحاته النارية، فما زالت التوقعات والتكهنات مطروحة بشأن ما سوف تعكسه أفكاره على أدائه فى منصبه الحالى ومستقبل الدبلوماسية البريطانية تجاه أوروبا ودول العالم. ويعد جونسون من الشخصيات الأكثر جدلاً فى بريطانيا، واتخذ مواقف مؤيدة لإسرائيل وعارض جميع الدعوات لمقاطعة بضائعها، وفى يونيو 2016، ذكرت صحيفة تلجراف أنه تعهد بتشديد قوانين الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وشبهه كثيرون ب«ترامب» نظراً لتقارب موقفهما حيال الكثير من القضايا، خاصة فيما يتعلق باللاجئين والمسلمين عامة. وعرف جونسون بتصريحاته المثيرة، وميله إلى النكتة، مثل قوله إن «أصول الرئيس الأمريكي، باراك أوباما الكينية جعلته يكره تراث بريطانيا وتاريخها»، وتشبيهه هيلارى كلينتون ب«ممرضة سادية تعمل فى مصحة أمراض عقلية»! والطريف أن صحيفة «إندبندنت» نشرت رسالة اعتذار رسمى عن قرار ماى تعيينه قائلة فيها إن جونسون ليس شخصا يمكن الاعتماد عليه دائما، لكنه «روح حزب المحافظين». والحقيقة أنه منذ توليه منصبه الجديد، لم يقدم جونسون للسياسة الخارجية سوى السفر هنا وهناك وحضور الاجتماعات، وإذا كانت مهمته الأساسية،على الأقل فى المستقبل القريب، ستتمثل فى بناء علاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبى تجنبا لعواقب الخروج منه، فإنه لم يحصد حتى الآن فى مفاوضات الخروج الصعبة سوى المزيد من رغبة دول الاتحاد فى إخراج بريطانيا من التكتل بأسرع وقت وبأى شكل بسبب تصريحاته وسلوكه الذى ما زال يتسم بقلة الخبرة فى المجال الدبلوماسي. فهل تعكس أيام العام الجديد 2017 المزيد من الخسائر لبريطانيا على يده كما توقع كثير من المحللين؟ أم تكشف عن قدرات كامنة تغير وجهة النظر تجاه الكثير من الأمور وسط زحف الاتجاه اليمينى بقوة فى أوروبا؟