لا شك أن قضية الوعى بالوطن أحد أهم المرتكزات لصياغة الشخصية السوية, وأحد أهم ضمانات الولاء والانتماء للوطن والحفاظ على مقدراته وكل ذرة من ثراه الندي, وفرق بين العلم والوعي, فكلاهما مطلوب, لكن العلم شيء والوعى شيء آخر, فكم من محسوب على العلماء أو الأكاديميين غير مثقفٍ ولا واعٍ بمفهوم الوطن وقضاياه وما يحيط به أو يحاك له انساق أو انجرَّ خلف أفكار جماعات متطرفة يدين لها بالولاء الأعمى حتى لمن هو دونه علمًا وثقافةً بمراحل ودرجات. وقد شد انتباهى كثيرًا ما ذكره الرئيس عبدالفتاح السيسى من أن المؤامرة الكبرى قد تتمثل فى عدم وعينا أو غياب هذا الوعي, وما ذكره من أن صياغة الوعى الصحيح وإعادة صياغة الشخصية المصرية تحتاجان إلى تضافر سائر مؤسسات الدولة المعنية ببناء الإنسان المصري, فنحن فى حاجة إلى جهود المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية والتربوية لصياغة رؤية عصرية شاملة ومتكاملة, بخاصة فى مجال القيم والهوية والانتماء الوطني. الوطن ليس مجرد أرض نعيش عليها, وليس حفنة تراب كما ذكر مرشد الجماعة الإرهابية, الوطن معنى أبعد وأعمق من ذلك بكثير, الوطن حياة, الوطن كيان, الوطن هوية, الوطن انتماء, الوطن أمانة, ولله در شوقى حيث يقول: وَلِلأَوطانِ فى دَمِ كُلِّ حُرٍّ .. يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحقُّ وقد قالوا: رجل فقير فى دولة غنية قوية خير من رجل غنى فى دولة فقيرة أو ضعيفة, لأن الدولة القوية تحمى أبناءها وتحمى أموالهم وتوفر لهم الأمن والأمان, أما الدولة الضعيفة فلا أمن فيها لأحد. إن الوعى بالوطن يقتضى العمل على بنائه ورفعة شأنه فى جميع المجالات: الاقتصادية, والفكرية, والثقافية والاجتماعية, والإنسانية, وبشتى السبل: بالعمل والإنتاج, بالجد والاجتهاد, بالدقة والإتقان, بالتكافل والتراحم, بالإخلاص للوطن, والإخلاص فى العمل, بالعلم والفكر, بالثقافة والإبداع, بنشر القيم الإيجابية, من الصدق, والأمانة, والوفاء, والرحمة, والتسامح, والتيسير, والمروءة, والنظافة, والنظام, واحترام الكبير, وإكرام الصغير, وإنصاف المظلوم, وإكساب المعدوم, وإغاثة الملهوف, ونصرة المظلوم, وصلة الرحم, وحسن الجوار, وإماطة الأذى عن الطريق, والحرص على المنشآت العامة والمال العام, والترفع عن الدنايا, والبعد عن سائر القيم السلبية التى هى على عكس ذلك من الكذب, والخيانة, والغدر, والأذي, والبطالة, والكسل, والفساد, والإفساد, والتخريب. الوعى بالوطن يقتضى الإحاطة والإلمام بما يحاك له من مؤامرات تستهدف إنهاك الدولة, وبخطورة الإرهابيين والعملاء والخونة, والعمل على تخليص الوطن من شرورهم وآثامهم . الوعى بالوطن يقتضى الوعى الكامل بمفهوم الوحدة الوطنية, ويفوت الفرصة على من يعملون على اللعب فى نسيج هذا الوطن, ولذا أعلنا وبلا أى تردد أن الاعتداء على الكنائس كالاعتداء على المساجد وأن أمن مصر لا يتجزأ ولا يقبل التفرقة أو التجزئة أو التصنيف, فما يصيب أى مصرى إنما يصيب المصريين جميعًا, كما أكدنا أن من يفجر نفسه فى البشر أو حتى فى الحجر إنما هو مجرم منتحر يعجل بنفسه إلى نار جهنم, وحتى من يقتل نفسه انتحارًا إنما يعجل بها إلى سواء الجحيم, حيث يقول الحق سبحانه: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا», ويقول سبحانه فى شأن عباد الرحمن: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ», ويقول سبحانه: «وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا», ويقول سبحانه: «أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا». لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف