ما هو أسوأ خبر يمكن أن تتلقاه في حياتك؟ بعيدا عن خبر الموت طبعا.. موت عزيز أو قريب أو حبيب.. باعتبار الموت هو أسوأ الأخبار وأشدها سوادا وإيلاما وحزنا لفراق بلا عودة.. ولا يعلو عليه في السوء وفي الحزن خبر آخر مهما كان غارقا في السواد ومهما أحدث في حياتك من فرقعات وصدمات شقلبت كيانك كله وجعلت عاليه سافله! ولانني تعبت باختياري وليس غصبا عني طوال مشوار حياتي وحتي الساعة من طول البحث في هموم الناس وتعب القلوب الموجوعة.. ومشيتها وحدي خطي في مشوار المتاعب وطريق الهموم.. والغوص في مكنونات الصدور ووجع القلوب.. وما تصنعه فينا وبنا الدنيا عندما تقلب لنا وجهها الضاحك وتظهر أمامنا بوجهها الآخر.. الكئيب السحنة النكدي الطالع.. التي تكيد لنا به كيدا.. ونحن أمامها لا حول لنا ولا قوة.. لا نعرف كيف نرد كيدها وكيد الكائدين.. وعبث العابثين وشماتة الشامتين! أقول لإنني تعبت من طول الطواف طوال عمري وحتي الساعة بخيم الأحزان.. وسرادقات العزاء التي يجتمع فيها خلق الله.. يشربون فناجين القهوة السادة.. كل من أصابه سهم الدهر ونكد الليالي ومقالب اللئام وما أكثرهم هذه الأيام.. لا ليأخذوا العزاء في راحل كريم أو يترحموا علي امرأة كانت تعرف ربها وتصلي فرضها وتحبس لسانها في حلقها لا تخرجه إلا لقول حسن أو إلي ذكر الله في صلاتها وخشوعها وخضوعها.. ................... .................... دعونا نعود معا إلي عبارتي الأولي: لأني تعبت وشقيت طوال مشوار حياتي الصحفية من كثرة اللف والدوران وسؤال خلق الله.. فقد اخترت فتي وفتاة من المندوبين والمندوبات في بلاط صاحبة الجلالة في هذا الركن الذي يحمل لافتة تحقيق السبت: خلود السحار الطالبة في الجامعة الأمريكية وكريم عزت الطالب في جامعة الأهرام الكندية والاثنان يدرسان الصحافة وهمومها.. ويا ليتهما ما فعلا..ويا ليتهما سألاني قبل أن يدخلا في سيرك مهنة أصحاب المتاعب «اللي هما احنا طبعا» لنصحتهما بعدم الدخول أو حتي الاقتراب! ولقد حمل الاثنان معهما وهما ذاهبان ويعرفان ويستقصيان سؤالا واحدا: ما هو أسوأ خبر مر عليك في حياتك؟.. أو لا تريده أن يمر بك أو يخطر ببالك؟.. وماذا صنع بك؟ وماذا كان رد فعلك؟ لنبدأ بالجادة جدا والتي لا تبتسم إلا نادرا.. وهى نوع من البنات لا وجود له الآن.. إلا في الست خلود السحار التي تحسبها من فرط جديتها واحترامها لنفسها.. انها أم لعشرة من الأولاد والبنات تحمل في جوانحها هموم الدنيا بحالها ولا تشكو ولا تتكلم.. لقد ذهبت وغابت يوما وبعض يوم ثم جاءتني بحملها بكسر الحاء وسكون الميم الثقيل.. وقالت لي في اقتضاب: إليك ما طلبت: ثم جلست صامتة صمت أبو الهول وأنا أقلب في أوراقها.. تعالوا نقرأ ماذا كتبت في الأوراق؟ {{أول كلمة ينطق بها كل من سألته وقابلته بتسأليني حضرتك عن إيه أسوأ خبر في حياتى؟ كثير ما تعديش.. زي ايه كده؟ خلود تسأل.. زي يوم ما مات أبويا وسابني وأنا عندي 9 سنين بس! بلاش سيرة الموت.. خلينا في أحوالنا علي الدنيا؟ أقولك ايه وأعيدلك ايه خدي عندك.. بتكتبي؟ أيوه.. أول خبر.. اكتبي عندك: 1 يوم ما طلعت الأول علي دفعتي في كلية العلوم والكل راح يهنيني ويناديني في الكلية من زملائي وزميلاتي ب حضرة المعيد.. لكن لطشها مني ابن أستاذ في الكلية جايب نمر أقل مني بكتير.. ولما اشتكيت قالولي كده بصريح العبارة: خليك عاقل كده وبلاش شوشرة لحسن نخليك ناجح موش بامتياز بمقبول بس.. خد شهادتك يا شاطر وخليك حلو كده! وعملت حضرتك ايه؟ خليتني حلو وسبت الجامعة والتدريس.. وفتحت أنجح معمل تحليل في بر مصر كله.. تيجي تشتغلي معانا؟ لا.. أنا كده مستريحة مع صاحبة الجلالة! صاحبة جلالة مين؟ الصحافة يا باشا! قبل أن أمضي سألته آخر سؤال: هو ده بس أسوأ خبر في حياتك؟ لا فيه كتير.. لكن الأسوأ علي الاطلاق هو النقص الخطير في مستلزمات العلاج والدواء والخامات والمستلزمات الطبية التي نستوردها من الخارج بالدولار.. لزوم تشغيل مصانع الدواء ويوم ما طلع الدولار السما السابعة.. واحنا ما عندناش المستلزمات الطبية التي نحتاجها.. وعشان كده توقفنا تقريبا ونخشي إذا استمر الدولار علي عناده صعودا لفوق.. يمكن نقفل.. وساعتها ده يبقي أسوأ خبر! أسوأ خبر عليك؟ لا.. موش أنا بس.. كمان علي كل الناس العيانين في مصر كلها! .................... ...................... نترك الست خلود السحار هنيهة كما يقولون في المجمع اللغوي الذي لا أعرف من هو رئيسه الآن ونذهب إلي الفتي الهمام كريم عزت الذي يدرس الصحافة في جامعة الأهرام الكندية في آخر سنة.. سألته: ايه أخبارك يا بدر الدجي؟ قال: خليني أقرأ لحضرتك.. لحسن خطي بالعربي ما يتقريش.. عشان الدراسة عندنا في الكلية كلها تقريبا بالانجليزي.. وما حدش لا في جامعة ولا في مدارس بيعلم دلوقتي عربي.. فتح أمامه أوراقه وراح يقرأ: {{ذهبنا إلي مصلحة حكومية لكي نسأل موظفيها هذا السؤال الصعب ما هو أسوأ خبر في حياتك؟.. بمجرد أن جلست إليهم داخل مكتب حكومي وحولي عدد من الموظفين والموظفات في ساعة الغذاء حتي لا أعطلهم عن عملهم وحتي لا أعطل مصالح الناس: اندهش الموظفون والموظفات للسؤال وقالوا لي: اسألنا الأول عن أحوالنا عاملين ايه في الدنيا؟.. والدنيا عاملة ايه معانا؟ ولكنهم في النهاية استجابوا.. لكن بشرط عدم ذكر أسمائهم ولا جهة العمل خشية الدخول في سين وجيم مع ديوان الوزارة «وهما موش ناقصين».. وهو نفس تعبيرهم: قالت رئيسة المكتب وهي سيدة قمة في الاحترام والأدب تلبس نظارة طبية علي عينيها: أسوأ خبر في حياتي وحياة كل المصريين هو استشهاد 11 من جنودنا في كمين العريش.. يجب أن يتوقف نزيف دم جنودنا الأبرار.. لازم نقطع دابر هؤلاء التكفيريين الارهابيين ونطهر سيناء الحبيبة من شرورهم.. وإن غدا لناظره قريب.. وغدا تخرج كل الجماعات التكفيرية من أرض سيناء داعش واخواتها بيت المقدس والنصرة وجماعات أخري لا أتذكر أسماءها.. ونطهر تراب مصر من رجسهم وأعمالهم الشيطانية.. الأخبار دي كلها هي أسوأ الأخبار في حياتي وحياة كل المصريين أمثالي! وقال رئيس قلم الشكاوي والمظالم بعد أن خلع نظارته الطبية ومسحها بورقة كلينكس ثم أعادها إلي عينيه مرة أخري: اكتشفت أن أسوأ خبر في حياتي هو خبر نجاح ابنتي وحصولها علي بكالوريوس تجارة بدرجة جيد جدا.. بقالها دلوقتي داخلة علي سنتين وهي قاعدة في البيت لا وظيفة ولا شغلة ولا مشغلة! سألته: هو ده أسوأ خبر في حياتك؟ قال: لما تنضم لأخوها خريج علوم.. بدرجة جيد جدا.. ولم يجد عملا من سنة تخرجه قبل أربع سنوات.. واضطر في الآخر يشتغل مساعد في معمل تحاليل! يعني باختصار كده.. أسوأ خبر في حياتي الآن هما جوز الخيل ذكر وأنثي اللي عندي في البيت تقريبا بلا عمل.. عشان وظيفة مساعد معمل بتاعة ابني صاحب بكالوريوس علوم.. موش قد المقام.. ويا دوب مرتبها بيضيع في مشاوير الميكروباص رايح جاي من البيت للمعمل.. بل يمكن كمان لسه بديله من جيبي مصروف إيده.. وفسحته مع أصحابه يوم الجمعة والسبت من جيبي برضه! وقالت موظفة الحضور والانصراف: أسوأ خبر هزني وهز وجدان مصر كلها هو مقتل السيدة المصرية الناجحة نيفين لطفي مديرة بنك أبوظبي في مصر. وهي واحدة من أنجح السيدات المصريات.. تسلل إليها اللص المدمن وطعنها طعنات قاتلة وهي وحدها بطولها.. وراحت يا حبة عيني في شربة مية ده حتي مالحقتش تصرخ.. هذا أسوأ خبر تسلل إلي صدري وصدر كل الناس في مصر.. حرام والله! وقالت لي سيدة شابة شاحبة الوجه ممصوصة القوام تضع نظارة طبية فوق عينيها.. وكانت في زيارة لصديقة لها في المصلحة الحكومية التي تتكلم داخل أحد أقسامها.. تعرف أسود خبر في حياتي.. ربنا ما يوريهولك هو اصابة ابنتي الصغيرة والوحيدة بسرطان الدم.. هي تتضاءل حجما وتنكمش جسما كأنها لعبة وتصغر أكثر يوما بعد يوم ولا تسألني عن آلامها عندما تتألم من الورم السرطاني.. دخنا علي المستشفيات ومنها مستشفي السرطان.. ولا جدوي ولا أمل.. تنهار أمامي يا كبدي.. تسللت أنا خارجا من هذا الموقف الميلودرامي الحزين أمسح دمعة سقطت من عيني.. مشهد لن أنساه في حياتي كلها! قلت: ايه ده يا عم كريم البلاغة دي؟ قال: بعضا من عندكم يا افندم! .................. ................... وبعد جرعة الهم والغم والدموع.. موعدنا مع حديث الفرح والسرور.. مع أجمل وأروع خبر في حياتك.. موعدنا إن شاء الله السبت القادم{ Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى;