ما فعله الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الأحد الماضى حينما استقبل منى السيد إبراهيم بدر الفتاة التى تجر عربة بضائع بالإسكندرية لتكريمها والثناء عليها يستحق الشكر والاشادة، فهو لم يشكر تلك الفتاة وحدها، لكن ما فعله الرئيس هو توجيه رسالة شكر وعرفان إلى كل يد تعمل وتعرق، وإلى كل مواطن مخلص وشريف يتعب ويجتهد من أجل «لقمة عيشه» بعيدا عن التسول والفهلوة والاستسهال. لم يكتف الرئيس باستقبا ل منى وتقديم الشكر لها، لكنه قام بتلبية طلباتها، وهى طلبات قليلة وبسيطة لفتاة تعرف معنى الرضا والقناعة مثلها مثل الملايين من الكادحين من أبناء الشعب المصرى الذين لم تلوثهم أمراض العصر، ولم يقعوا تحت ضغوط الإغراء، أو فريسة للاستسهال والفهلوة مكتفين بالسخط وعدم الرضا على كل شيء وأى شيء. لقد كان مشهدا مؤثرا حينما أصر الرئيس على اصطحاب الفتاة البسيطة إلى باب السيارة المخصصة لتوصيلها مثلها فى ذلك مثل كبار القادة والرؤساء والملوك الذين يزورون مصر، وتحتم واجبات الضيافة وحفاوة الاستقبال على استقبالهم وتوصيلهم، لكنها هذه المرة ليست رئيسا ولا ملكا، فهى الفتاة البسيطة التى تجر عربة بضائع لكى تجد قوت يومها بشرف وكرامة فى وقت يستسهل البعض التسول واهدار كرامتهم وآدميتهم. ذكرنى يوم الجمعة الماضى د.سيف الدين حسين يوسف عالم الأزهر والأستاذ المساعد بجامعة الأزهر بما ورد فى الأثر عن النبى صلى الله عليه وسلم حينما قابل شخصا وجد يده خشنة الملمس من العمل، فقال عليه الصلاة والسلام للصحابة (هذه يد يحبها الله ورسوله) حتى لا يتأفف أحد منه أو من ملمس يده أثناء السلام عليه، كما أن فى القرآن الكريم الكثير من الآيات التى تحض على العمل مثل (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وأيضا (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) صدق الله العظيم. تكريم الرئيس السيسى لفتاة الإسكندرية رسالة مهمة فى توقيت مهم يجب فهمها من كل الجهات بدءا بالسادة المسئولين كبارا أم صغارا وانتهاء بالسادة المواطنين. القصة تبدأ من اختيار السادة المسئولين أنفسهم، فلابد أن تنتهى «الفلهوة» و«الواسطة» فى اختيار القيادات، وأن يكون معيار الكفاءة هو الأساس فى كل الاختيارات لكل كبار المسئولين فى كل المواقع، فالفساد كما أوضح الرئيس فى حواره الأخير مع الصحف القومية ليس السرقة فقط، وإنما الفشل وضعف الأداء وعدم الكفاءة، وكلها أشياء لا تقل خطورة عن السرقة، وتلك هى المأساة التى تعيشها مصر منذ فترة طويلة حينما تم اختيار الكثير من القيادات لمجرد أنهم أهل ثقة وأنهم من أصحاب الواسطة والمعارف، فوقعت الكوارث التى نعانى منها الآن نتيجة تراكمات سنوات سابقة امتدت لعقود طويلة. الرئيس السيسى يصر على اقتحام المشكلات ومواجهتها وعدم تأجيلها، ولكى ينجح فى ذلك فلابد من أن «تخرس» ألسنة الواسطة والمحسوبية، والشللية، وتتوقف لعبة أصحاب المصالح إلى غير رجعة. الفاشل لا يقل خطورة عن الفاسد، فالأول يؤدى إلى اهدار كل الإمكانات المتاحة ويقوم بتحويل «الذهب» إلى «تراب» وتحويل الكيانات «الناجحة» إلى «خرابة» ينعق فيها البوم، وفى أحسن الأحوال فهو يقوم بوظيفته بشكل روتيني، وينتظر حصوله على اللقب ليخرج من تلك الوظيفة وقد تراكمت المشكلات والديون والخسائر، مثله فى ذلك مثل الفاسد الذى يقوم بالنهب والسلب لتقع النتيجة نفسها. هناك قصة شهيرة بغض النظر عن مصداقيتها تم تداولها عقب انهيار الاتحاد السوفيتى تؤكد خطورة الفاشل، وهى أن المخابرات الأمريكية قامت بتجنيد رئيس المخابرات السوفيتية لاختيار أسوأ العناصر المتقدمة لشغل الوظائف القيادية، فكانت النتيجة انهيار الاتحاد السوفيتى دون طلقة رصاص واحدة، ودون أن يتم كشف تلك المؤامرة. بغض النظر عن واقعية تلك القصة الشهيرة ومدى حدوثها من عدمه، إلا أنها تترجم خطورة الفاشلين وتحذر منهم، فهم أخطر على أى دولة من الأعداء، ولذلك فمن المهم ترجمة رؤية الرئيس السيسى فى اختيار القيادات فى المرحلة المقبلة، لتجتاز مصر أزمتها، وتنفض الغبار عن كاهلها كى يتحقق حلم بناء دولة قوية ديمقراطية عصرية حديثة مثلها مثل النمور الآسيوية، ومثلها مثل الدول التى كانت معنا وسبقتنا لأنها تحررت من الفاشلين والفاسدين على السواء. على الجانب الآخر، فإن رسالة منى فتاة الإسكندرية إلى المواطنين لابد أن تصل إلى كل مواطن على أرض مصر، فهى فتاة لم تستسلم لظروفها، ولم تستسهل، وإنما عملت وكافحت، وتحملت الصعاب دون أن تشكو أو تتذمر، بل إنها لم تكن حريصة إطلاقا على أن يقوم أحد بتصويرها أو أن تصل صورتها إلى الرئيس أو أحد من المسئولين أو وسائل الإعلام، وإنما جاء الأمر كله بالصدفة، وهى صدفة عظيمة لتصل الرسالة إلى كل المواطنين بضرورة العمل والاجتهاد وعدم «تحقير» العمل أيا كان، فالمهم أن يكون عملا شريفا ومحترما. الجلوس أمام «الفيس» أو على المقاهى لن يحل المشكلات الحياتية، وإنما سوف يزيدها تعقيدا، والحل هو العمل، والاجتهاد، والصبر، والرضا، والقناعة، وساعتها لن يضيع الله أجر من أحسن عملا. شكرا لفتاة الإسكندرية التى أعطتنا دروسا كثيرة، وشكرا للرئيس على تكريمها وحفاوة استقبالها، لأنه تكريم لكل مواطن شريف على أرض مصر!. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة