ما أقسي علي الانسان أن يشاهد صديق الطفولة اللذين تربيا معا في قرية واحدة ودرسا في مدارسها وعاشا حياتهما بين حقول قريتهما ان يفارقا الحياة في لحظة واحدة ليجمعهما الموت شهيدين في قبرين متجاورين. كان «السيد أحمد» يخدم في سيناء وشاهد بعينه فراق أصدقائه ودماءهم تمتزج برمال سيناء الغالية حتي ارتوي ثري الارض بها وعندما حاول والده نقله إلي جوار صديقه أيمن شوقي في كمين الاسكندرية تمت الموافقة علي نقله إلي الاسماعيلية، الا ان الشهيد رفض النقل حتي يأتي بحق زملائه من الارهابيين واصر علي البقاء في سيناء ولم يدر بخلده انه سوف يلحق بهم وينال الشهادة مثلهم ويرجع الي اسرته ملفوفا بعلم ارض الكنانة الي اسرته التي كانت تستعد لخطبة ابنة الجيران له، وشارك في حمل جثمانه صديق عمره «أيمن شوقي» الذي كان في اجازة لزيارة أسرته والذي بكي وهو يحمل نعش صديقه ويبكي أسفله ويقف علي قبره ينثر التراب ويقول: «أنتم السابقون ونحن اللاحقون» وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة، واستجاب القدر لدعواته ونال الشهادة بعد أن دفن صديقه بيومين ليرقد في القبر بجواره وترفرف روحهما في السماء. «السيد احمد محمد محمد السيد» شهيد ميت البيضا التحق بجامعة الأزهر ولم يكمل دراسته بها ليلتحق بالخدمة العسكرية ويشارك زملاءه شرف الدفاع عن الوطن ومقاومة الإرهاب، وقال عنه أهل قريته أنه كان مثالا للشاب الناجح الخلوق الذي يقتدي به كل شباب القرية، وكانت كل أم تتضرع إلي الله بالدعاء بأن تري ابنها الطفل مثل ذلك الشاب الذي يعد أصغر شهيد في قريته، وقال والده إن ابنه كان يتمني الشهادة منذ أن التحق بالخدمة العسكرية، وكان يتوسل إلي والديه أن يدعو له في صلاتهما بأن يموت شهيدا، وأضاف الأب أنه تمكن بواسطة معارفه من أهل القرية الكبار علي نقل ابنه من مدينة الإسكندرية إلي مدينة الإسماعيلية، إلا أن الشهيد، رفض ترك مكانه وكأنه كان يعلم أن ثري عروس البحر الأبيض المتوسط سوف يرتوي بدمائه وأنه سينال الشهادة علي أرضها. وتبكي والدته رحيله وأنهارا من الدموع تنساب علي وجنتيها والحسرة تمزق قلبها، وقالت «يا حسرة قلبي عليك يا ولدي.. مشيت وسبتني قبل مفرح بيك واخطبلك بنت الحلال اللي كنت بتتمناها.. كان نفسي أشوفك وانت عريس لكني شوفتك وانت ملفوف بعلم مصر». يومان مرا علي أهالي قرية ميت البيضا مثل دهر بعد أن ودعوا الشهيد السيد ولم يدر خلدهم أن القدر يخفي لهم ماهو أقسي علي نفوسهم، حيث فوجئوا باستشهاد ابن آخر من أبناء قريتهم وهو الشهيد المجند أيمن شوقي ابراهيم ابو عيد 22سنة والذي استشهد هو الآخر أثناء تواجده في كمين أمني بالإسكندرية عندما أطلقت الأيادي الإرهابية الرصاص علي أفراد الكمين واخترقت إحداها رأسه وفارق الحياة ليرقد بجوار زميله السيد، وبكي والد أيمن رحيله قائلا أن أيمن كان ابني الأكبر وكان عصاتي التي أتوكأ عليها وعيني التي أري بها ولكنها إرادة الله فهو قد استرد وديعته، وسوف أبكي رحيله حتي أرقد بجواره داخل القبر.