الأهلي يحسم موقفه من العرض الأمريكي ل وسام أبوعلي ب300 مليون جنيه    محافظ الجيزة يهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    محافظ الجيزة: استعدادات مكثفة بالمنظومة الصحية لاستقبال عيد الأضحى    محافظ الشرقية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى    قبل عيد الأضحى.. البورصة تختتم بربح رأس المال السوقي 17 مليار جنيه    مدبولي: مواردنا الدولارية من السوق المحلية تغطي احتياجاتنا للشهر ال3 على التوالي    وزير الاتصالات يستقبل وفدًا رفيعًا من «حزب الشعب الجمهوري»    تكريم مصر إيطاليا العقارية بجائزة شنايدر إلكتريك للاستدامة 2024 في الشرق الأوسط وأفريقيا    الإطلاق الرسمي اليوم.. كل ماتريد معرفته عن خدمات ال G5    الرئيس السيسي يعود لأرض الوطن عقب زيارته لدولة الإمارات    انفجارات في مستودع ذخيرة قرب حماة وسط سوريا    زوارق إسرائيلية تختطف صيادًا من المياه الإقليمية بجنوب لبنان    أبوريدة يبحث برنامج منتخب مصر لكأس العرب مع الجهاز الفني    نجم الزمالك السابق: وسط الملعب كلمة السر في مواجهة بيراميدز    قرار عاجل من الزمالك بفسخ عقده لاعبه مقابل 20 ألف دولار    بعد اهتمام برشلونة والنصر.. ليفربول يحسم موقفه من بيع نجم الفريق    تقرير مغربي: الزمالك يفاوض عادل رمزي لتدريبه.. وخطوة من المدرب    رئيس بعثة الحج: نجاح خطة تصعيد حجاج القرعة إلى عرفات| صور    جثة الخلابيصي تثير الذعر في قنا.. والأمن يتحرك لحل اللغز    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    نقابة الفنانين السوريين تعلن وفاة الفنانة حنان اللولو    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    تأكيدا ل «المصري اليوم».. أيمن منصور بطل فيلم آخر رجل في العالم (البوستر الرسمي)    محمد رمضان يقترب من الانتهاء من تصوير «أسد»    دعاء يوم عرفة من الكتاب والسنة (مستجاب)    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    هل تُجزئ صلاة العيد عن صلاة الجمعة؟.. «الأزهر للفتوى» يرد    رسالة مؤثرة من الشيخ محمد أبوبكر بعد قرار الأوقاف بنقله إلى الوادي الجديد    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    محافظ المنيا يزور مديرية الصحة ويتابع سير العمل داخل الإدارات والأقسام    وزيرة خارجية لاتفيا: سنعمل في مجلس الأمن لتعزيز الأمن العالمي وحماية النظام الدولي    فابريجاس يوافق على تدريب إنتر ميلان خلفًا لسيموني إنزاجي    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    طريقة عمل المكرونة المبكبكة، أسرع أكلة من المطبخ الليبي    البنك المركزي: ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية إلى 48.526 مليار دولار بنهاية مايو 2025    تموين الإسكندرية: توريد 71 ألف طن قمح حتى الآن    حسام حبيب: مشكلة جودة أغنية "سيبتك" قد يكون بسبب انقطاع النت أو الكهرباء    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    «بن رمضان» في مواجهة توانسة الأهلي.. الأرقام تحذر معلول    إنتر ميلان يفتح قنوات الاتصال مع فابريجاس لتدريب الفريق    إغلاق ميناء الغردقة البحري لسوء الأحوال الجوية    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    وزير الثقافة ل«الشروق»: لا غلق لقصور الثقافة.. وواقعة الأقصر أمام النيابة    بالصور.. تامر حسني يتألق بحفل عالمي فى ختام العام الدراسي للجامعة البريطانية.. ويغني مع محمد ثروت "المقص"    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    «مباشرة لا عن طريق الملحق».. حسابات تأهل العراق ل كأس العالم 2026    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    مسابقة لتعيين 9354 معلم مساعد لغة إنجليزية من «العاملين بالحصة» (تفاصيل)    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا والسينما..حلقات يكتبها الأديب إبراهيم عبد المجيد
من الذى لا يحب شادية؟! (الحلقة الثانية)
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 11 - 2016

بعد أن أمضيت عاما في مدرسة الشيخ عبد الله النديم نقلتني أمي إلي مدرسة جديدة في القباري اسمها مدرسة «الغندور» الإبتدائية وكانت مدرسة خاصة . والغندور هو اسم صاحبها الذي كان له مكتب بالمدرسة . كان رجلا مهيبا لنا نحن التلاميذ الذين نرتدي الزي الخاص الذي لا أذكر منه إلا البنطلون الكاكي أو الشورت الكاكي والقميص والحمَّالات علي الكتف . في هذه المدرسة تم عرض مسرحية أبطالها هم التلاميذ لا أذكر موضوعها طبعا,
لكن أذكر أن المدرس الذي قام بإخراجها اختارني لأقوم بدور فلاح . أي والله . ولا أذكر من هذا الدور إلا أنهم ألبسوني جلبابا فلاحيا وطاقية فوق رأسي , وحضرت أمي العرض مع أمهات وآباء التلاميذ . قالت لي أمي ونحن نعود بالليل « شكلك بجلابية الفلاح حلو أوي يا ابراهيم « . لكن ذلك لم يجعلني أفكر في التمثيل فيما بعد .
عامان وأنهيت السنة الثالثة الإبتدائية ونقلتني أمي من جديد الي مدرسة أخري هي مدرسة «القباري» الابتدائية وهي مدرسة حكومية . كان طريقي إلي مدرسة الغندور لا يمر إلا بالسكك الحديدية وعلي يسارنا فراغ من الأرض وسور يحيط بالسكك الحديدية , جعل فيه الناس فتحات لاختصار الطريق إلي الأراضي الزراعية التي كانت تسمي أرض الموز من فرط أشجارالموز والفاكهة , وبينها أراضي واسعة للخضراوات . الباذنجان والطماطم والكوسة وغيرها كنا نراها علي الأرض بين النباتات . كان جمال هذا الطريق في خلائه , وأننا كنا نصطاد فيه العصافير في عودتنا من المدرسة أو في إجازاتنا يوم الجمعة . كل هذا انتهي وصار مبانِ عشوائية طبعا كما ردمت بحيرة مريوط التي كانت تمتد خلفه كما أوضحت من قبل .
لم تكن هناك سينما في طريقنا ومن ثم لم يكن هناك حافز للتزويغ من المدرسة .
ظللت أدخل السينما كل يوم جمعة وحدي أو مع أصحابي , لكن في دائرة صغيرة هي حي كرموز . يعني سينما مصر أو «النيل» كما كنا نسميها , وإذا ابتعدنا نذهب إلي سينما «ألدورادو» في ميدان محطة مصر .
كان الزحام دائما شديدا علي سينما «ألدورادو» . دخلتها مرات كثيرة رغم أني لم أحبها . كان هناك مايشبه الغصب أن تشتري «معمولة» من البائع تكتشف أنها جامدة وناشفة وخالية من أي ملبن , كما أن من يبيع التذاكر في الشباك لايعطينا المليم الباقي من القرش صاغ ولم تكن هذه مشكلة . كانت المشكلة أنه يعطينا قطعة من الحلوي , بونبوني أو «توفي» , سيئة جدا . لكني أذكر منها أفلام مثل «ليالي الحب « لعبد الحليم حافظ وآمال فريد وعبد السلام النابلسي وسراج منير وكان هو أول ما رأيت فيها . لا أنسي أبدا انبساطنا من الفيلم , وضحكنا الشديد طوال طريق العودة علي صلاح نظمي حين قيده عبد الحليم الذي تظاهر بأنه مدرب المساج , وظل يضربه بالخيزرانة هو الرجل الذي يريد أن يخطف حبيبته آمال فريد . ونضحك ونحن نتذكر عبد الحليم يغني غصبا لمحمد عبد القدوس أغنية ياسيدي أمرك أمرك ياسيدي . لكن «أغنية كفاية نورك عليا» رشقت في قلبي رغم صغر سني , وهو يغنيها لآمال فريد وسط ظلام الحفل التنكري في الفيلم وظلام السينما.
كنا نعود مشيا من ميدان محطة مصر فندخل في شارع إيزيس إلي منطقة «العِمَري» ثم نصل إلي كرموز . وكان الطريق فرصة للضحك أو التعليق بالدهشة علي أي فيلم , لكن في نفس الوقت ظللت مواظبا علي سينما النيل . رأيت فيها أفلاما لا أنساها . بل ظلت تمشي معي في الحياة , أتذكرها فاتذكرالسينما التي كل صباح تفوح من أرضها رائحة الصابون , وأتذكر وجه لاعب الثلاث ورقات الذي لا ينسي .
...................................
من هذه الأفلام التي فتنتني وفتنت أصحابي أفلام كاوبوي «لأودي ميرفي Audie Murphy» .
كان يملك وجها بريئا وبسمة الأطفال وجسدا صغيرا رشيقا . كنا لا نصدق أبدا أنه يمكن أن يقتل أو يطلق النار وتقول عليه « دا واد حليوة أوي « لكنا نتابعه في السينما دائما مدركين أننا سنري فيلما ممتعا .
غير أودي ميرفي رأيت في سينما النيل أفلاما لجاري كوبر مثل فيلم «دالاس» ومعه روث رومان أو» حديقة الشر» له مع سوزان هيوارد وريتشارد ويدمارك وغيرها من أفلام الويسترن وكذلك أفلام لبيرت لا نكستر مثل» القرصان الأحمر « له مع إيفا بارتوك, أو» الشعلة والسهم « له مع فرجينيا مايو التي كانت قاسما أعظم في كثير من افلام الويسترن . كانت رشاقة بيرت لانكستر وخفة دمه تخترق أرواحنا ونظل نضحك ونندهش . كذلك فيلم «القتلة « مع أفا جاردنر وأيضا «فيرا كروز» الذي كان اسمه التجاري «صراع الجبابرة « مع جاري كوبر الذي كنا نذهب وراءه في أي مكان . وأفلام لجريجوري بيك مثل الفيلم الكبير «موبي ديك» وطبعا هو عن رواية هيرمان ميلفيل الشهيرة كما عرفت وقرأتها فيما بعد. و» ثلوج كيلمانجارو» له مع آفا جاردنر وسوزان هيوارد . أما الجميلة أودري هيبورن فمازلت أذكر لها في سينما النيل « إجازة في روما « مع جريجوري بيك « و» سابرينا» مع همفري بوجارد وويليام هولدن . كذلك لا أنسي «الكونتيسة الحافية لآفا جاردنر» ومعها همفري بوجارد . كان لآفا جاردنر محب كبير بيننا هو صاحبنا الذي اسمه «كمال» . يتتبع آفا جاردنر في السينمات ويخبرنا, ولا يمر شهر إلا ويقول لنا «ياللا الكونتيسة الحافية في سينما ألدورادو . في سينما الهلال . في سينما الجمهورية «
كذلك شاهدت أفلاما لكيرك دوجلاس مثل « رجل بلا نجم « و» طريق المجد « و»أوليس « الذي عرفت فيما بعد أنه عن ملحمة الأوديسا وقرأتها . لا أنسي كيرك دوجلاس وهو يسقي « السيكلوب» الوحش ذا العين الواحدة , من الخمر حتي يسكر ويفتح باب الكهف الذي أغلقه السيكلوب عليه وعلي بحارته ليأكلهم واحدا بعد الآخر . وكيف فقأ أوليس عين السيكلوب الوحيدة بعد أن فقد وعيه من السكر وهرب أوليس مع رجاله والوحش الذي صار أعمي يصرخ خارجا يبحث عنهم . ولا أنسي مشهد «السرينيات « حوريات البحر , تأتي أصواتهن بالغواية إلي أوليس وبحارته بعد أن أمرهم أن يسدوا آذانهم بالشمع ولا يفعل مثلهم , وأن يربطوه إلي صاري السفينة ليسمع السيرينيات لكن لا يمشي وراء أصواتهن ويموت في البحر , وكيف كانت فتنة الأصوات تكاد تجعله يمزق رباطه إلي الصاري غير قادر علي عدم الانصياع لإغراء أصوات السيرينيات ولم ينقذه إلا ابتعاد السفينة عن مكان أصوات السيرينيات . يا إلهي . ما أجمل الأساطير ! كتبت بعد سنوات طويلة مقالا شبَّهت فيه السيرينيات بالنداهة في التراث الشعبي المصري . تلك التي من يمشي وراءها لا يعود .
...................................
عرفت أن سينما جديدة اسمها سينما «الجمهورية» فتحت في منطقة راغب والتذكرة فيها بنص فرنك «قرشين صاغ» . أي أغلي لكن قيل إنها جميلة ومقاعدها ليست دككا بل كل مقعد مستقل بذاته . قلت أجربها . كان معي النص فرنك وهي العملة التي كانت تساوي قرشين التي يعطيها لي أبي لتكفي تذكرة سينما بتسعة مليمات وساندوتش بقرش الصاغ الباقي . قلت لا داعي للساندويتش اليوم . ذهبت فوجدت جمهورا أنظف في ملابسه مما أري في سينما النيل والدورادو . كل الجمهور تقريبا يرتدي بنطلونات وقمصانا وأحذية , مثلي , وليس جلبابا وشبشبا, وليس فيهم حفاة كما هو في الحال بين جمهورسينما النيل وألدورادو . بل رأيت فتيات ونساء يدخلن مع رجال إلي السينما ويرتدين ملابس أفرنجية وليس «ملايات لف» كما يحدث في سينما النيل . كانت عملة النص فرنك الفضية صغيرة . وكنت حريصا عليها . أمام شباك التذاكر قدمت النص فرنك لبائع التذاكر فتأمله ثم أعاده لي قائلا لا يصلح . مُزوَّر . لم أكن أعرف أن هناك نقودا مُزوَّرة , ولم أفكر أن أبي يمكن أن يعطيني نقودا مزورة . وقفت مترددا فقال لي أن أنصرف وأوسع لغيري . ابتعدت في ضيق شديد لا أعرف ماذا أفعل . كان أعلي بابها أفيشات فيلم «بنت الشاطئ « لشادية ومحسن سرحان وفريد شوقي وفيلم أفرنجي لا أتذكره الآن . وقفت أنظر إلي عملة النص فرنك . رأيتها صفراء قليلا ولكن بدت لي الصفرة من قِدِمِها وليس من تزويرها . لم يكن أمامي إلا العودة خائبا . لا أنسي ضيقي ذلك اليوم . لكني فكرت أن أجرب النص فرنك في مكان آخر لأتأكد . رأيت أمامي محل خردوات صغير فاتجهت إليه . كانت حفلة العاشرة صباحا وكنا في حوالي العاشرة وسيبدأ الفيلم . كان الرجل قد انتهي للتو من فتح المحل . سألته هل يمكن أن يعطيني قرشين بدلا من النص فرنك . نظر إليّ في دهشة فقلت «أريد أن أشتري ساندوتش ومافيش فكة «. ابتسم وقال «بياع الساندوتشات مامعاهوش ساغ ؟! « - يقصد قرش صاغ طبعا- ماشي ياحبيبي ! وفتح درجا أخرج منه قرشين أعطاهما لي فأسرعت إلي السينما . اشتريت تذكرة ودخلت أكاد اشتم بائع التذاكر الذي قال لي أن العملة مزورة . لكني ظللت طوال الفيلمين مرعوبا أن يدخل الرجل صاحب المحل إلي السينما يبحث عني أو ينتظرني عند خروجي . من يدري قد تكون بحق مزورة ! لذلك ظللت كلما ذهبت إلي سينما الجمهورية فيما بعد أشتري من محل الخردوات قطعة شيكولاته أو بونبوني لأتأكد أكثر من مرة أن النص فرنك لم يكن مزورا , أو أن الرجل لم يعد يتذكرني . كان أبي يعطيني النص فرنك وصرت أطلب من أمي إضافة قرش صاغ أو تعريفة !.
...................................
لماذا لا أنسي هذا الفيلم الذي رأيته في سينما الجمهورية . لأني بالاضافة الي واقعة النص فرنك وكونها أول مرة لي في هذه السينما أحب شادية جدا منذ الصغر حتي الآن . منذ الصغر استمعت إليها مع أختي الكبري وصاحباتها أو مع أمي وصاحباتها وكلهن يحببن شادية فكيف لا أحبها . كما أن شادية صوتها جميل يصل إلي القلب بالفرح والبهجة . وأن تري شادية أمامك تغني فهو أمر رائع في سن مبكرة , ولقد رأيتها منذ سن الخامسة , أي يوم دخولي السينما لأول مرة بعد أن تركت «الروضة» أتمشي في الشارع . أتذكر علي الأقل تسعين بالمائة من أفلام شادية إذا لم تكن كلها . بل أتذكر أيضا السينمات التي رأيتها فيها ففي سينما الدورادو رأيت فيلمها «لحن الوفاء» مع عبد الحليم حافظ و»شباب امرأة» مع شكري سرحان وتحية كاريوكا وفي سينما الهلال رأيت كثيرا من أفلامها منها «حب من نار» مع شكري سرحان و»التلميذة» مع حسن يوسف و»المرأة المجهولة» مع كمال الشناوي و»شاطئ الذكريات» مع شكري سرحان وعماد حمدي و»وداع في الفجر» مع كمال الشناوي . وبالمناسبة هو الفيلم الذي ظهر فيه حسني مبارك في كلية الطيران يعطي درسا للطيارين في حرب 1948 مع إسرائيل وكان صغيرا . بعد أن صار رئيس جمهورية لم يعد هذا الفيلم يظهر في التليفزيون . في سينما الهلال أيضا شاهدت لشادية فيلم «الزوجة السابعة» مع محمد فوزي و»بنات حوا» مع محمد فوزي ومديحة يسري وإذا مشيت في السنين فقد رأيت لها فيلم «الزوجة 13» بسينما ريتس و»اللص والكلاب» . أما سينما الهمبرا التي صارت أحيانا تأتي بفيلم عربي مع الفيلم الأفرنجي فرأيت لها فيها فيلم «الطريق « مع رشدي أباظة . فيلم «المعجزة» رأيته في سينما أمير . سينما الدرجة الأولي في الاسكندرية وكانت هذه مغامرة مني إذ أعطاني أبي ربع جنيه كاملا ذات مرة. كنت تجاوزت الثانية عشرة من العمر , ورأيت أفيش الفيلم أمامي وترددت لكني أشتريت سيجارتى بلمونت , ودخلت السينما التي يبلغ ثمن التذكرة فيها أربعة عشر قرشا . خرجت منها في التاسعة بعد حفلة السادسة مساء , فدخلت محل الأسماك الموجود في محطة مصر في العمارة التي أعلاها مكتب محامي شهير في أول شارع إيزيس , وهو المحامي الذي قيل أنه كان سببا في حكاية محمود أمين سليمان الذي أسمته جريدة الأخبار بالسفاح , والذي استقي نجيب محفوظ من حكايته رواية اللص والكلاب . كانت الحكاية رائجة حولنا ذلك الوقت لكني لم أكن أعرف التفاصيل كما عرفتها فيما بعد . كنت أعرف الحكاية مما يقوله الكبار حولي , فقد كانت شائعة , والكلام فيها لاينقطع لأن جريدة الأخبار كانت تنشر تقريبا كل يوم خبرا عن السفاح . كانت في أغلبها أخبارا غير حقيقية جعلت من الرجل سفاحا خطيرا . مما أشيع عنه وقتها أنه حاول سرقة فيللا أم كلثوم وهدد الموسيقار محمد عبد الوهاب بالقتل . بل قيل إنه طلب من جمال عبد الناصر أن يتركه يذهب إلي العراق ليأتي له برأس عبد الكريم قاسم حاكم العراق الذي كان علي خلاف سياسي مع سياسة عبد الناصر القومية , ولايري معني للوحدة إلا بعد أن تتقدم البلاد العربية , بينما كانت الوحدة قد تمت بين مصر وسوريا . من أعجب الحوادث أنهم في مدرستي الإعدادية ,طاهر بك , أخرجونا يوما بسرعة من الفصول لنعود قبل انتهاء اليوم الدراسي إلي البيت , والسبب أن السفاح مرّ من أمام المدرسة في شارع المكس مسرعا علي فرس ! كلما تذكرت ذلك اليوم وكيف خرجنا نجري في الشارع الواسع ونضحك ونخاطب كل من نقابله «شفت السفاح عدا علي الحصان ! « أقول كلما تذكرت ذلك اليوم أقول لنفسي كان الأولي أن تؤخر المدرسة من خروجنا لا أن تخرجنا مبكرا , لكنها كانت بحق أجمل مدرسة . سبحان الله عاقب جريدة الأخبار بخطأ لا أتصور أنها تقصده , فنشرت مانشيت علي سطرين يوم مقتل السفاح في إبريل عام 1960. السطر الأعلي كلمتين بالبنط الأحمر الكبير « مصرع السفاح « وتحته خبر « عبد الناصر في باكستان « هكذا كان يمكن قراءة المانشيت دون فاصل» مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان « مما أدي إلي ماجري للأخبار وغيرها من تأميم , وما جري لمصطفي أمين وأخيه علي أمين فيما بعد , من اتهام بالتخابر مع أميركا والسجن !
أعود إلي وجبة السمك التي كانت بثلاثة قروش في المطعم الكائن تحت مكتب المحامي الذي قيل أنه هو سبب أزمة السفاح , والله أعلم إذا كان قد خانه حقا مع زوجته وهو مسجون بتهة السرقة أم كانت إشاعات . كانت وجبة رائعة كافية ومشبعة . أمام المطعم علي الناحية الأخري من الشارع كان يقف بائع بليلة مشهور علي عربة متحركة يضع علي الرصيف قليلا من المقاعد فأكلت بليلة بالمكسرات , وكان هذا البائع يقدم أجمل بليلة في الإسكندرية , وتبقي معي عدة قروش من الربع جنيه . كانت هذه أكبر مكافأة حصلت عليها من أبي وتمنيت أن يكررها . كررها مرات قليلة لكنه انتظم في تكرارها فيما بعد حين وصلت إلي المرحلة الثانوية فصارت طريقي إلي سينمات الدرجة الأولي مرة في الشهر .
مادمت تحدثت عن شادية فلا بد أن أذكر فيلم «موعد مع الحياة» الذي رأيته في المدرسة . أجل . مدرسة طاهر بك الإعدادية التي أحضرت لنا هذا الفيلم لنراه كما أحضرت لنا فيلم «موعد مع السعادة» لفاتن حمامة وعماد حمدي . طبعا مشت معنا أغنية « آلو آلو إحنا هنا» من فيلم «موعد مع الحياة» طوال أيام دراستنا وكنت أحلم أن أري «الريست هاوس» الذي حين تسأل فاتن حمامة شادية « فين صحراء مصر الغربية « ترد شادية «بعد الرست هاوس بشوية «. فيما بعد طبعا وخاصة بعد أن عشت في القاهرة في السبعينيات كنت أسافر إلي الإسكندرية وأعود علي الطريق الصحراوي وأستريح في الرست هاوس وأتذكر شادية وفاتن . كان الريست هاوس جميلا ذلك الوقت ثم بدأ يفقد جماله شيئا فشيئا لا أعرف لماذا , لكني كلما مررت عليه أتذكرالفيلم والأغنية رغم عدم جلوسي فيه لقد أخفته المباني حوله الآن للأسف . لاشئ جميل في هذا البلد يبقي علي حاله .
...................................
أعود الآن إلي أواخر الخمسينيات بعد أن كنت تجاوزت ذلك قليلا وتحدثت عن أوائل الستينيات وأفلامها . كله يهون علشان شادية التي إذا مشيت مع أفلامها أكثر من ذلك سأصل إلي الثمانينيات . أجل . تمنيت يوما أن أقابل هذه السيدة العظيمة. ورغم أني أتيت الي القاهرة منذ عام 1974 لم أجرؤ أن أجد الطريق لأفعل ذلك . لم أتصور أنه يمكن أن أجلس أمامها يوما. ظللت حتي اليوم أعتبرها حلما جميلا .
أذكر من أفلام سينما الجمهورية , فيلم «ظهور الإسلام» لعماد حمدي وكوكا التي رأيتها لأول مرة . لقد أنشئت السينما عام 1954 وحملت اسم الجمهورية . رأيت الممثل أحمد مظهر قبل أن يمثل في أفلام أخري وكان يقوم بدور» أبي جهل» بينما كان عماد حمدي يقوم بدورعمّار بن ياسر . كما قرأت إسم المؤلف الأصلي طه حسين الذي عرفته من حديث مدرس اللغة العربية عن المشاهير من الكتّاب في وقت الفراغ من الدرس . كان إسم «كوكا» مثيرا لنا . ورأيت لها أكثر من فيلم كانت فيها دائما فتاة بدوية . كنا نجري علي أفلامها مثل «مغامرات عنتر وعبلة» و»سلطانة الصحراء» و»رابحة» و»وداد» و»عنترة بن شداد» . ارتبطت لدينا بالصحراء والبدو لذلك لا أذكر أني رأيت لها أفلاما من نوع آخر, وتصورت أنها لايمكن أن تمثل في أفلام أخري !.
لم أذهب الي سينما الجمهورية كثيرا وظللت آلف سينما النيل لا أعرف لماذا . ربما لأنها كانت أول مادخلت من سينما في حياتي . رغم التحول الكبير عام 1956 وما بعده بسبب مدرسة القباري الابتدائية . هذه المدرسة التي تقع في منطقة القباري جوار مبني « هندسة السكك الحديدية « في نهاية زقاق مغلق بباب حديدي , كان في الأصل يؤدي إلي منطقة أرصفة قطارت البضائع , حين كانت هناك بضائع تُنقل علي القطارات , ولم يتم إلغاؤها لصالح أصحاب الجرارات التي تجري في الطرق وبين البلاد تقتل في العباد وتفسد في الأرض . هذه الأرصفة القائمة منذ قامت السكة الحديد في مصر في القرن التاسع عشر وبينها رصيف لا يزال يسمي «رصيف الباشا» ولابد أن الباشا هذا هو الخديوي إسماعيل . خربتها الدولة منذ السبعينيات كما خربت أشياء كثيرة لصالح أصحاب النظام من رجال المال . ماعلينا .
كان علي أول الزقاق إعلان مرتفع لأفلام أجنبية تخص سينما مترو أو غيرها من سينمات الدرجة الأولي . كان أول ما رأيت من إعلان عن فيلم « شمشون « لفيكتور ماتيور وهيدي لامار , وكذلك فيلم « الرداء» لفيكتور ماتيور أيضا لكن مع جين سيمونز التي رشقت في روحي حين رأيتها بعد سنوات في فيلم سبارتاكوس . لكن ذلك لم يكن المهم . كنت أعرف أن هذه سينمات الدرجة الأولي وغالية الثمن , ومن ثم كنت أكتفي بالنظر إلي الأفيش وأحلم بأن أدخل هذه السينمات يوما . ومن حسن الحظ أن هذه الأفلام كانت تنتهي إلي سينمات الدرجة الثالثة وطبعا الثانية قبلها .لكني كنت أحفظ أسماء الممثلين وأطاردهم بعد ذلك في سينمات الدرجة الثالثة . وهكذا رأيت فيما بعد «شمشون ودليلة» لفيكتور ماتيور وهيدي لامار في سينما النيل وفيلم «المصارعون» أو ديميتريوس والمصارعون لفيكتور ماتيور وسوزان هيوارد وكان كما الجزء الثاني من فيلم الرداء . أحببت أفلام هذه الفترة عن الإمبراطورية الرومانية سواء كانت دينية أو غير دينية . فرأيت أفلام مثل «كوفاديس» لروبرت تايلور واليزابيث تايلور وديبورا كير وبيتر استينوف الذي لم أنسَ طريقته وبساطته في التمثيل أبدا التي بلغت أوجها فيما رأيت من أفلام فيما بعد في فيلم «سبارتاكوس» . الذي سيأتي الحديث عنه لاحقا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.