أنعش فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية آمال الكثيرين في موسكو في احتمالات التغيير، والانتقال من المواجهة الى الحوار في العلاقات مع الولاياتالمتحدة، وإن شاب الحذر ما تموج به الساحة الروسية من تصريحات غلب عليها طابع التفاؤل. وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد بادر بتهنئة ترامب فور الاعلان عن فوزه، وإن بدا شديد التحفظ تجاه سرعة بلوغ الهدف المنشود من خلال اشارته الى ان العلاقات بين البلدين تعرضت للكثير من التدهور ما يتوجب معه بذل الكثير من الجهود المشتركة لرأب الصدع واعادة البناء. وقال بوتين باستعداد بلاده لقطع نصف المسافة من الطريق الصعب الذي يتوجب على البلدين قطعه، في تلميح هو اقرب الى التصريح تجاه الدور الذي يجب ان يضطلع به الشريك الآخر. وفيما اعلن وزير خارجيته سيرجى لافروف ان روسيا سوف تحكم على الامور بما سوف تقوم به الادارة الامريكية الجديدة من افعال وليس بما صدر في السابق من اقوال، فقد سارع دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس فلاديمير بوتين الى اعلان ان هناك الكثير الذي يجمع الرئيسين بوتين وترامب في مجال السياسة الخارجية للبلدين، في نفس الوقت الذي يستعيد فيه المراقبون في الساحة الروسية ما سبق وقاله ترامب حول استعداده للتعاون مع موسكو في مجالات مكافحة الارهاب الدولي والتوصل الى التسوية السلمية للاوضاع في اوكرانياوسوريا. وراحت الاجهزة الروسية الرسمية والاعلامية تعيد الى الاذهان تصريحات ترامب حول انه ليس متمسكا بما يطالب به الاخرون حول اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، بقدر ما هو مهتم اكثر بالتعاون مع روسيا من اجل القضاء على “داعش” والتنظيمات الارهابية في المنطقة. كما قال ترامب انه ينظر الى موضوع انضمام القرم الى روسيا من منظور ما كشف عنه سكان شبه الجزيرة من رغبة في الانفصال عن اوكرانيا والانضمام الى روسيا. على ان ذلك كله يظل في اطار التوقعات التي تظل في حاجة الى خطوات عملية تضعها على محك الاختبار. وذلك ما قاله سيرجى روجوف مدير معهد الولاياتالمتحدة وكندا احد اكبر المراكز العلمية العالمية للدراسات الامريكية، في معرض تعليقه على مستقبل العلاقات مع الولاياتالمتحدة بعد فوز ترامب. اشار روجوف الى ضرورة التريث في الاحكام وعدم تعجل النتائج ولا سيما في ما يتعلق بما قاله ترامب حول بوتين ورغبته في اللقاء معه. واضاف الاكاديمي المتخصص في الشئون الامريكية ان حدة التوتر في العلاقات بين البلدين قد تخف قليلا عما هي عليه الان ، وقد يحدث بالفعل ما يؤكد الرغبة في الحوار حسبما يريد ترامب. لكن ذلك كله قد يصطدم بميول اخرى تسود اوساط الجمهوريين الامريكيين واعضاء الادارة الجديدة. واشار روجوف بضرورة الانتظار حتى معرفة قوام هذه الادارة واسماء وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الامن القومي، انطلاقا من اهمية آراء هؤلاء المسئولين الجدد وتاثيرهم على تحديد اطر السياسة الخارجية. وقد كشف كثيرون من المراقبين والرسميين في موسكو عن رؤية مماثلة فيما قالوه حول ان الحكم على مدى ابعاد التغيير المرتقب من جانب واشنطن، لن يكون ممكنا بالدرجة الكافية قبل مرور المائة يوم الاولى من تولي ترامب لمقاليد الامور في البيت الابيض. وفي معرض تعليقها على مستقبل علاقات البلدين قالت فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد بانه يمكن الاعراب عن الامل في التغيير الذي قد يطرأ على السياسة الخارجية، انطلاقا مما سبق واعلنه الرئيس الامريكي الجديد الذي يبدو اقرب الى «الواقعية والبراجماتية». وكشفت رئيسة مجلس الاتحاد عن ان روسيا ذات مصلحة في طي الصفحة الراهنة من تاريخ علاقات البلدين، والتحول من المواجهة الى التعاون والتنسيق المتبادل. وعن مستقبل العلاقات الروسية الامريكية قال سيرجى ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية إنه لا يمكن القول اليوم ان العلاقات بين البلدين تبدأ صفحة جديدة تماما، نظرا لان الإدارة الحالية غير قادرة على ذلك، لكنه اعرب عن امله في ان تعيد إدارة ترامب النظر في العلاقات مع روسيا وتتوصل إلى الاستنتاجات المطلوبة. واضاف ريابكوف أن «الأقوال شيء والأفعال شيء آخر، خاصة في النظام الأمريكي الذي دائما كان يشهد تعارضا بين الشعارات الانتخابية للمرشحين وإنجازاتهم الفعلية بعد الانتخاب»، فضلا عما يتردد في الاوساط الرسمية حول احتمالات التغيير في الكثير من بلدان الاتحاد الاوروبي التي سبق وسارت في ركاب “محفل العداء” لروسيا في اعقاب اندلاع الازمة الاوكرانية. وبغض النظر عن التوقعات والاماني يظل موقف موسكو الرسمي تجاه انتخاب الرئيس الامريكي الجديد رهنا بما قد يتخذه ترامب من خطوات عملية تجاه القضايا الخلافية العالقة في العلاقات الثنائية وفي مقدمتها ما يتعلق بالقضايا الدولية المحورية ومنها الموقف من الدرع الصاروخية الامريكية والاوضاع في كل من سورياواوكرانيا واحتمالات رفع العقوبات المفروضة على روسيا والذي لا بد ان تنسحب تداعياته على مواقف بلدان الاتحاد الاوروبي. وتلك كلها امور يتوقف حسمها الى حد كبير على مدى النظام الأمريكي الذي طالما شهد في السابق تعارضا بين الشعارات الانتخابية للمرشحين وإنجازاتهم الفعلية بعد الانتخاب.