اقتربت ساعة الحسم فى معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وازدادت المواجهات بين المرشحين الرئيسيين الجمهورى دونالد ترامب والديمقراطية هيلارى كلينتون عنفا، وتحولت الصراعات الانتخابية، وما يحيط بها من شائعات وجدل إلى ما يشبه أكثر مسلسلات الموسم إثارة، ولكن هذه المرة، المسلسل يحظى بمتابعة عالمية بكل ما يحتويه من إثارة وجدل سياسى وأخلاقى واجتماعى بل واقتصادى أيضا, وتحول كل مواطن فى مختلف بقاع العالم إلى صاحب رأى ورؤية حول من الأفضل فى هذا الصراع الانتخابى لقيادة أكبر قوة فى العالم. ومن ثم كان لابد من رصد موقف الجالية المصرية فى الولاياتالمتحدة من هذا الصراع الفريد بين الملياردير المثير للجدل والسيدة الأولى السابقة التى تحوم حولها الكثير من علامات الاستفهام, مبدئيا، لابد من الإشارة إلى أن حجم الجالية المصرية فى الولاياتالمتحدة, ووفقا للتقارير الرسمية ربما يتجاوز المليون شخص، إلا أنه من الصعب الحصول على أرقام محددة نظرا لإحجام السلطات الأمريكية بشكل عام عن تقديم أى بيانات حول المصريين الحاصلين على الجنسية الأمريكية باعتبارهم مواطنين أمريكيين. ويرى المعهد العربى الأمريكى أن الجالية المصرية تمثل 12٪ من إجمالى الجالية العربية التى تتراوح أعدادها بين 3٫5 و5 ملايين نسمة فى الولاياتالمتحدة، أما محمد الشناوى رئيس الجمعية الثقافية المصرية الأمريكية EACA فيؤكد أن عدد المصريين الأمريكيين لا يقل بأى حال من الأحوال عن مليون نسمة، نظرا لأن ولاية نيوجيرزى فقط بها أكثر من 180 ألف أمريكى من أصل مصري. وأكبر تجمع للمصريين الأمريكيين بعد نيوجيرزى يوجد فى منطقة واشنطن الكبرى التى تضم شمال فيرجينيا وأجزاء من ولاية ميريلاند والعاصمة الفيدرالية، ومنطقة كوينز فى نيويورك، كما توجد تجمعات أخرى فى ولايتى ميشيجن وكاليفورنيا. وهناك سلسلة من الجمعيات التى تمثل الجالية المصرية فى الولاياتالمتحدة، أهمها الجمعية الثقافية المصرية الأمريكية EACA التى تأسست فى بداية السبعينيات من القرن الماضى وتتخذ من واشنطن مقرا لها والتى تهدف إلى ربط الأجيال الناشئة بثقافته الأصلية. وهناك الجمعية المصرية الأمريكية EAO فى ولاية كاليفورنيا التى تأسست عام 1984 بهدف ربط أبناء الجالية بوطنهم الأصلي. وهناك أيضا رابطة الدارسين أو العلماء المصريين الأمريكيين AEAS التى تأسست فى أوائل السبعينيات من 50 عالما وأكاديميا أمريكيا من أصل مصري. وفى محاولة لتحديد الخطوط العريضة لموقف المصريين المقيمين فى الولاياتالمتحدة من المرشحين الرئيسيين للبيت الأبيض، طرحنا بعض الأسئلة عليهم، خاصة عقب المناظرات الأخيرة بين مرشحى الرئاسة ومنصب النائب، حيث تركزت الأسئلة حول مدى حرص الجالية المصرية على المشاركة فى التصويت، والمرشح المفضل بالنسبة لكل من المشاركين، ورأيهم فى المرشحين ومواقفهما بشكل عام. وقد أبدت الغالبية حرصها على عدم نشر أسمائهم، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن أغلب من تواصل معهم «الأهرام» يعمل فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والمحاسبة والتدريس، وغير ذلك من الوظائف المرموقة، ويتمتعون بحياة مستقرة هناك. فى البداية يؤكد (أ. م.)، وهو مصرى مقيم فى ولاية جورجيا الذى يعمل فى مجال تكنولوجيا المعلومات أن من رأيه أن المصريين، بل والعرب بشكل عام، سيفضلون انتخاب هيلارى كلينتون، بسبب رفضهم لمواقف ترامب المثيرة للجدل من المسلمين والمهاجرين بشكل عام، كما أن ترامب أثبت على مدار حملته الانتخابية - وهو ما ظهر جليا فى جولة المناظرات - جهله الكاملة بالحياة السياسية وبكيفية إدارة شئون الدولة. ويركز (أ.م.) فى هذا الصدد على رد ترامب مثلا خلال المناظرة الثانية على سؤال حول موقفه من أكثر من 3٫3 مليون مسلم يقيمون فى الولاياتالمتحدة، فأشار إلى أن إجابته على هذا السؤال كانت مثيرة للسخرية عندما حمل المسلمين مسئولية عدم التبليغ عن بعضهم البعض وعن كل ما يرونه مريبا حولهم. أما بشأن قضية برنامج الرعاية الصحية، فيؤكد أن ترامب عندما فكر فى طرح نظام تأمينى جديد ضاربا بعرض الحائط كل الإصلاحات والسياسات التى وضعتها إدارة الرئيس باراك أوباما على مدى الأعوام الثمانية الماضية، أثبت جهله التام بكيفية إدارة شئون الدولة، وأوضح أنه على الرغم من أن تكاليف نظام «أوباما كير» للرعاية الصحية باهظ التكاليف، حيث يصل الاشتراك الشهرى به إلى نحو 550 دولارا شهريا، فإن هذا لا يعنى أنه يتسم ببعض المزايا، حيث ضم تحت مظلته الملايين من المواطنين الذين يعانون الفقر والبطالة، ولذلك، فقد كان طرح هيلارى أكثر واقعية، عندما أكدت أنها ستعمل على تعديل نظام الرعاية الصحية الحالى وإصلاح الأخطاء والثغرات التى يعانيها، فليس من المنطقى خاصة فى دولة مثل أمريكا إلغاء نظام أنفقت عليه الدولة المليارات ووضع نظام جديد تماما بدلا منه. أما فيما يتعلق بتأكيد ترامب مرارا أنه سيعين مدعيا خاصا للتحقيق فى مخالفات كلينتون بمجرد انتخابه كرئيس للولايات المتحدة، فهذا يثبت جهله بصلاحيات رئيس الدولة، بحسب ما يقوله (أ. م.), فليس من صلاحيات الرئيس الأمريكى التدخل فى نظام العدالة التى تعتبر سلطة قائمة بذاتها لا يمكنه التدخل أو التحكم فيها، فلا يمكن للرئيس تعيين مدعين أو توجيه اتهامات، وهى نقطة ليست فى مصلحة ترامب على الإطلاق. وتقول «مها فريح»، وهى مصرية مقيمة فى نيويورك، إنها وكل من تعرفهم من المهاجرين المصريين والعرب حريصون على ممارسة حقهم الانتخابى، وبالطبع، هناك فئة من المهاجرين انتمائها ديمقراطى وأخرى جمهورية ومواقفهم الآن غير محددة سواء أكانت أصواتهم لترامب أم لا, وتضيف أن المؤيدين لترامب فى الشارع الأمريكى أغلبهم من مشاهدى قناة «فوكس نيوز» المحافظة، ولا يمكن الجزم بأنهم جميعا معادون للمسلمين، ولكن أى مؤيد للحزب الجمهورى ليس أمامه خيار سوى انتخاب ترامب أو الامتناع عن التصويت، وهو نفس موقف الديمقراطيين، فهناك طائفة منهم ستمتنع عن التصويت لعدم تأييدهم لهيلارى. وتقول إن شعبية ترامب لا تفوق شعبية هيلارى، لكن لأول مرة نجد الكثير من أنصار الحزبين غير مؤيدين للمرشحين ولا يشعرون بالمسئولية إذا فشل حزبهم نتيجة رفضهم المشاركة فى التصويت، فقد أثبت الحزب الديمقراطى بالوثائق إلى جانب السياسات التى اتبعها فى الأعوام الماضية فسادا لا يضاهيه سوى نظيره الجمهورى، ولذلك، فهى لا تعتقد أن كلينتون سوف تتبع سياسة عادلة فى الشرق الأوسط، بناء على تاريخ الحزب وممارسات أوباما. وتؤكد أيضا أن المصريين الذين قابلتهم من مؤيدى الحزب الجمهورى كان تأييدهم مرتبطا برفضهم تماما القانون الذى يعطى المرأة الأمريكية الحق فى إنهاء الحمل (ويرفضه الحزب الجمهورى)، وقانون إعطاء الشواذ نفس حقوق نظائرهم من غير المثليين، وهناك العديد من المصريين الذين يؤيدون الحزب الديمقراطي، بالرغم من رفضهم تلك القوانين، إلا أنهم يتفقون معه فى مجمل سياساته. أما «ن»، وهى مصرية مقيمة فى نيوجيرزي، فتؤكد أن ترامب يتمتع بتأييد واسع، إلا أن كل من يؤيده يشعر بالتهديد من لغة خطابه وليس العرب فقط, وأشارت إلى أنها كانت تفضل التصويت للسيناتور بيرنى ساندرز، واعتبرت أن فوز ترامب لن يؤثر كثيرا على المهاجرين ووضعهم فى الولاياتالمتحدة، فالأمر يحتاج إلى تغيير العديد من القوانين، وهو ليس بالأمر السهل. أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فإن هيلارى بالتأكيد هى السياسية المحنكة الأكثر خبرة. أما «ن. س.»، وهى من ولاية فلوريدا، إحدى الولايات المؤثرة فى السباق الانتخابي، فلا ترى أن الفارق كبير بين هيلارى وترامب، إلا أنها تعتبر أن أكثر ما يميز هيلارى من وجهة نظرها هو عدم إظهار العداء للمسلمين مثلما فعل منافسها الجمهورى. ولكنها قللت من شأن تهديده للمسلمين، مشيرة إلى أنه لا يمكن أن ينتهك الدستور وسيلتزم بالقوانين والسياسات الأمريكية كأى رئيس أمريكى سابق، وإن كان بوسعه تشديد إجراءات الهجرة والحصول على الإقامة، وهو ما يحدث بالفعل، ولكن هذا لا يمنع أن البعض ربما يخشى أن يحظر ترامب الحجاب وغيره من المظاهر الدينية كما فعلت بعض الدول الأوروبية من قبل. أما بالنسبة للشرق الأوسط، فتؤكد «ن.س.» أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ثابتة أيا كان الرئيس، فقد توسم الجميع فى أوباما أنه سيكون الرئيس الأفضل فى التعامل مع أزمات المنطقة ولكن ما حدث هو العكس تماما. أما «س»، وهى من كارولاينا الشمالية، فتؤكد أن ولايات الوسط ترفض العرب والمهاجرين بشكل عام، وبالتالى فهذه المناطق موالية لترامب. وربما تكون نسبة المصريين فى الولاياتالمتحدة ليست كبيرة، ولكنها مؤشر جيد لقياس موقف المسلمين والأقليات بشكل عام من الانتخابات الأمريكية, فعلى الرغم من أن فوز ترامب بالرئاسة لا يشكل تهديدا حقيقيا، ولكن خطابه العدائى والعنصرى تجاه الأقليات ربما يكون السبب الرئيسى فى النفور العام منه. بقيت ملاحظة، وهى أن معظم من حاورتهم «الأهرام» من المصريين المقيمين فى أمريكا، والذين يحملون الجنسية الأمريكية ويملكون حقوقا انتخابية، فضلوا عدم ذكر أسمائهم أو هوياتهم، مبررين ذلك بالتشديد الأمنى الذى تتعرض له الأقليات المقيمة فى الولاياتالمتحدة منذ هجمات سبتمبر 2001، وكذلك مراقبة وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، الأمر الذى يجعلهم عرضة لأى مشكلات فى أى وقت، والمبررات القانونية جاهزة دائما!