المصلحة الوطنية تقتضى وبدون مواربة القول إن حكومة المهندس شريف إسماعيل تأخرت كثيرا فى اتخاذ القرارات والإجراءات الإصلاحية العاجلة المطلوبة، مما تسبب بشكل أساسى فى تفاقم وتراكم العديد من الأزمات والمشكلات التى ضغطت بشدة وبقسوة بالغة على أعصاب الاقتصاد الوطنى، وأوضاعنا المالية، ومعهما المواطن البسيط الذى يئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار التالية للتذبذب المريع فى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكى، والغيوم المحيطة بسياساتنا النقدية. إن نظرة فاحصة للمعطيات الماثلة أمامنا تؤكد ضرورة أن يكون الإصلاح الاقتصادى والمالى الآن وليس غدا والأمر لا يحتمل أى تباطؤ، أو تردد، ولا مجال للأعذار والحجج، فالقضية تتصل بحاضر ومستقبل الوطن المأزوم، إن لغة الأرقام لا تكذب، وتطرح الحقيقة مجردة، فحجم الدين الداخلى قفز إلى 2 تريليون و572 مليار جنيه، وفوائده تشكل 32% من مصروفات الموازنة، وإيرادات الدولة 670 مليار جنيه، فى حين أن المصروفات 974 مليارا والفارق يمول من الاقتراض، اما الأجور فإنها تلتهم 228 مليار جنيه، ومخصص 206 مليارات للدعم، و56 مليارا للبرامج الاجتماعية، و292 لسداد فوائد الديون. هذه أرقام مفزعة توضح طبيعة وحرج ما نحن فيه اقتصاديا وماليا، إذن نحن فى أمس الحاجة إلى سياسات مالية وضريبية، وإجراءات حمائية، وسعر معقول للصرف، لكى نتمكن من تخطى أزماتنا الراهنة، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والمضى قدما فى تنفيذ مشروعات التنمية الكبرى التى تضع فى اعتبارها الأجيال المقبلة، وفتح آفاق رحبة للمواطنين الذين يبحثون عن الأمان الاقتصادى والمالى. وعلى حكومة شريف إسماعيل أن تعى جيدا أنه لابد من دفع فاتورة الإصلاح، وهى فاتورة دفعتها كل الدول والشعوب التى مرت بتجارب مماثلة، عليها أيضا أن تدرك أن مصر أرجأت طويلا الإصلاحات الاقتصادية خشية ردود الأفعال عليها، وهو ما أوصلنا لما نكابده اليوم من متاعب وهموم متكاثرة لا مجال لاستمرارها. ففى سبعينيات القرن الماضى أهدرنا فرصا متتالية للإصلاح الاقتصادى، بعد أن تحول الانفتاح الاقتصادى إلى سداح مداح كما كتب الراحل احمد بهاء الدين، ووظفه البعض للثراء، ورافقه استشراء مرعب للفساد، وفى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك فوتت الفرصة تلو الأخرى لإنجاز هذا الهدف الإستراتيجى، وجرى تأجيل الإصلاح، أما ما جرى عقب ثورة 25 يناير من تخبط وقلاقل فكلنا على علم بتفاصيله وكانت محصلته النهائية تردى الأمور أكثر فأكثر. ويحز فى النفس ما بلغته دول بدأت مسيرتها التنموية معنا وكنا نسبقها بخطوات من تقدم ورقى، بينما نحن لم نبرح مكاننا، ونتعثر كلما حاولنا النهوض، فكوريا الجنوبية على سبيل المثال تحتل حاليا المرتبة ال 13 بين أكبر الاقتصادات العالمية دخلها القومى 1٫8 تريليون دولار ، ولها صيت وباع طويل كقوة تكنولوجية غزت منتجات شركاتها منازل المعمورة، ولكى تحقق ما حققته عانت وقاست وقدم شعبها تضحيات لا حصر لها، أما الصين فقد أضحت ثانى أكبر اقتصاد فى عالمنا المعاصر دخلها القومى 11٫18 تريليون دولار، وصاحبة أكبر احتياطى نقدى، ونجحت بعزيمتها ومثابرتها فى أن تصبح مصنعا كبيرا للعالم. إن مصر تحتاج فى هذه اللحظة إلى اقتصاد حرب نعم اقتصاد حرب، وأن يستوعب الكل أنه لا إصلاح بدون ألم، فالألم جزء من تكاليفه.