لقد ترددت كثيرًا حول الوصف الذى يمكن أن أصف به مصر: الأبيَّة, العزيزة, الفتيَّة, القويَّة, العظيمة, وصرت أعدد الصفات وأتخيرها حتى استقر بى الأمر على وصف الأبيَّة, وكان الوصف الذى يليه عندى أو الأقرب إليه هو لفظ الغنيَّة, فمصر أبيّة غنية, غنيّة بأبنائها, بعلمائها, برجالها, بنسائها, بشيوخها, بشبابها, بأطفالها, بمسلميها, بمسيحييها, بأزهرها الشريف وكنيستها الوطنية، بجيشها, بشرطتها, بقيادتها السياسية, برئيسها القائد الحكيم سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. مصر أبيّة وستظل, وغنيّة وستظل, وليس الغنى عن كثرة العرض, لكن الغنى الحقيقى هو غنى النفس, هو عدم الرضا بالهوان, عدم الرضا بالدنيّة, عدم فقدان الإرادة والقرار الوطني, هو ألا نبيع ديننا أو وطننا أو جيراننا أو أحدًا من أمتنا العربية لا بثمن بخس ولا بثمن نفيس, حتى لو جُعنا أو جُوِّعْنا, وحتى لو حبست عنا السياحة والاستثمار, ومهما تعالت الصيحات أو الضغوط, فلدينا من قوة العقيدة والإيمان بالله عز وجل والثقة فيه وفى أنفسنا ما يدفعنا إلى التفاؤل والأمل وعدم اليأس. الدنيا ولذاتها وشهواتها وما بها لدينا عرض زائل غير مقصود لذاته, نملك القدرة على الاحتمال, والقدرة على الصبر، والقدرة على تحمل المشاق, مع العمل الجاد الدءوب، والأخذ بأقصى الأسباب، وحسن التوكل على الله عز وجل، بما يدفع إلى الأمل ويقتل اليأس والميئسين والإحباط والمحبطين والتثبيط والمثبطين والمعوقين، فلا وجود لكل هذه الألفاظ فى قاموسنا الدينى والوطني. لقد تابعت فى الندوة التثقيفية التى أقامتها قواتنا المسلحة الباسلة فى الذكرى الثالثة والأربعين لحرب أكتوبر المجيدة حديث الرجال المجاهدين الحقيقيين من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة, ومن أهالينا ببدو سيناء, ومن أمهات الشهداء, ومن أبنائنا وبناتنا جيل المستقبل المشرق بإذن الله تعالى , فأدركت أن مجتمعًا بهذا الوعى وهذا الإيمان, وهذه الروح لا يمكن أن يخذل، وصدق من لا ينطق عن الهوى حين قال: «إنَّ الله عز وجل سيفتح عليكم مصر فاتخذوا منها جندًا كثيرًا فإنهم خير أجناد الأرض وإنهم وأزواجهم وأهليهم فى رباط إلى يوم القيامة». لقد استمعت إلى المجاهد السيناوى الشيخ حسن خلف أحد أبطال حرب أكتوبر, وإلى أم الشهيد إسلام, وإلى ولد وبنت يشدوان بحب مصر فازداد قلبى اطمئنانًا بأن تواصل الأجيال فى مصر على مائدة الفداء والوطنية لن ينقطع بإذن الله تعالى, وأن مصر ستظل آمنة مطمئنة أمنًا أمانًا مصداقًا لقوله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ» (يوسف : 99), وأنها كما لم تخذل فى الماضى فلم ولن تخذل فى المستقبل بإذن الله تعالى . وقبل أن أختم حديثى يطيب لى أن أترك القارئ العزيز مع أبيات رائعة لحافظ إبراهيم فى قصيدته العظيمة «مصر تتحدث عن نفسها» حيث يقول: وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبنى قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدي أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي وأقول: مصر الأبية لن تنحني ولن تُحنى هاما لغير العليّ فهو الحفيظ وهو القدير وهو العليم وهو الغنى ولن يستطيع العدا قهرنا ولن نحنى هاما ولن ننثني لكنّ هذا وذا بالعمل وبذل الجهود بعزمٍ قويّ لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة ;