تواجه جماعة الإخوان المسلمين مأزقا مزدوجا, ليس ثمة مخرج له بغير نقد ذاتي لخطاياها باستقامة, وهو ما لم تعرفه طيلة تاريخها, من جهة, والأهم بغير مراجعة نهجها ورؤيتها. بتحولها الي جماعة دعوية لا توظف الدين لتحقيق منافع وأغراض سياسية, من جهة ثانية. وقد ترتب المأزق الأول علي فقدان الجماعة هيمنتها في مجلس الشعب; غير مأسوف عليها من القوي المدنية, إلا قليلا, وترتب المأزق الثاني علي دخول مرشح الجماعة للرئاسة في إنتخابات الإعادة دون سند من القوي الثورية, إلا قليلا!! ويتضاعف المأزق الأول حدة بسبب تراجع فرص إسترداد الجماعة لأكثرية برلمانية, يعلم القاصي والداني كيف فازت بها في سياق شراكة إنتهازية مع المجلس العسكري الأعلي, وتصويرها للثورة وشبابها باعتبارهما مرادفا للفوضي في لحظة شوق المصريين الي الإستقرار, وإخلاف وعدها بمشاركة لا مغالبة, وتصويرها للقوي الديمقراطية والمدنية باعتبارهما خصوما للإسلام, وخديعة جموع الناخبين بالمتاجرة بالدين لنيل منافع سياسية. وقد تآكلت مصداقية الجماعة بعد نقض عهدها بعدم الدفع بمرشح الي إنتخابات الرئاسة, ثم دفعها بمن وصفته بأنه امرشح ربانيب ثم زمرشح اللهس في زشعوذةس لا صلة للإسلام بها, تعد بالجنة لمؤيديه والنار لمعارضيه!! زشعوذةس رأي كاتب إسلامي مستقل نظيرا لها في شعوذة حزب شاس الديني اليهودي في إسرائيل, كما فصلت في مقال سابق!! وتضاعف المأزق الثاني بسبب مكابرة الجماعة برفض سحب المرشح الإخواني زالرسميس لصالح المرشح الإخواني زالمنشقس رغم ما بدا من فرص أفضل للأخير, بخطابه عن إصطفاف القوي الإسلامية والمدنية والثورية وراءه رئيسا. وفي سياق تكريس الجماعة لمأزق مصداقيتها أصرت الجماعة, في تجاهل مذهل لحكم القضاء الإداري, علي تمثيل أعضاء البرلمان في اللجنة التأسيسية رغم أنهم الهيئة الناخبة, معرضة التشكيل الجديد للطعن فيه مجددا. وكانت خديعتها الأخيرة بعرض مناصفة اللجنة التأسيسية بين زالقوي الاسلاميةس وسالقوي المدنيةس بعد أن حسبت علي الأخيرة ممثلي حزب إسلامي والمؤسسات الدينية الرسمية والدولة وغيرهم, بينما حصرت إختياراتها لإستكمال حصتها في اللجنة من رموزها!! ثم رفضت زوثيقة العهدس التي طرحتها القوي السياسية المدنية, ووصفت دعوتها للإلتزام بوثائق محددة بأنها أمر غير لائق; بل وإبتزاز!! وقد إستدعت خديعة المناصفة الي الذهن خديعة وعد الإقطاعيين للفلاحين بترك ثلاثة أرباع مياه الري لهم بعد أن يأخذوا هم ثلاثة أرباعها!! ومثلما تأخر الفلاحون في فهم زخديعةس الإقطاعيين ومشوا راضين, فقد تأخرت القوي الديموقراطية في فهم زخديعةس القوي الاسلامية..!! لكن الخديعة تبقي خديعة!! ومثلما قاوم الفلاحون ظلم القسمة المخادعة لمياه الري حين انتبهوا, كان من حق ومن واجب القوي الديموقراطية أن تقاوم القسمة المخادعة للجنة التأسيسية بعد أن أكتشفوا ظلمها. ولم يكن حصاد الخديعة سوي مضاعفة الهواجس بشأن الدستور الذي تريد زالجماعةس إملاءه, وإثبات أن الجماعة لم تستوعب أنه ليس بمقدورها الإفلات بدستور تفصله وفق حساباتها ودولة الفقهاء والخلافة التي تنشدها. وقد غاب عن الجماعة أن زالمصداقية تكتسب بصعوبة وتفقد بسهولةس. لكنه الطمع في السلطة ومنافعها. فقد زعموا أنهم زيحملون الخير لمصرس وأن مرادهم زإبتغاء وجه اللهس; لكنهم سعوا الي إختطاف زولاية مصرس لإقامة دولة الفقهاء والخلافة. وقد تداعت مصداقيتهم حين أخلفوا زوعدهم للأمةس بالمنافسة علي 30% من مقاعد البرلمان; ثم تضاعف جشعهم لإختطاف السلطة التشريعية دون شريك; فترشحوا عليها جميعا!! وتداعت مصداقيتهم حين نقضوا زعهدهم للأمةس بعدم ترشيح إخواني لرئاسة الدولة; فرشحوا زعيمهم الشاطر, ثم إحتياطيه مرسي!! وتداعت مصداقيتهم حين إستدعت جماعتهم زالمحظورة أشباح هيمنة الحزب زالمنحلس بالإستحواذ علي السلطتين التشريعية والتنفيذية, والهيمنة في اللجنة التأسيسية ومن ثم وضع الدستور, وبدء هجمة شرسة لتركيع الصحافة وترهيب القضاء!! فمن يصدق نداء الجماعة زلإنقاذ الثورةس بعد أن إصطفوا مع الثورة المضادة, في كل معارك ومنعطفات الثورة؟؟ وفي إقتباس محور عن رواية ألمانية شهيرة لقصة زإنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض!! أقول إنه: عندما دهس شباب ماسبيرو وفقئت عيون شباب الثورة وسحلت شابات الثورة وأغتيل شباب الألتراس.. إلخ, لم يبال الإخوان; لأنهم كانوا قد تخلوا عن الثورة حين بدا لهم إستنفاد غرضهم منها! وعندما إنقلب الأمر ضدهم, بعد أن خانوا ما يمليه الضمير, لم يبق أحد من الثوار ليدافع عنهم!! وليست الثورة زتحت الطلبس ولا أظن الثوار كذلك, ليستجيبوا لتوعد الجماعة زبثورة ثانيةس لا تبغي سوي مصالحها; إن سقط مرشحهم الرئاسي في إنتخابات الإعادة, التي زعموا مقدما أنها زمزورةس!! متجاهلين حقيقة أن مرشحهم لم ينل في إنتخابات الجولة الأولي إلا ربع أصوات الناخبين, ونصف ما ناله مرشحو الجماعة في الإنتخابات البرلمانية, بسبب نهجهم الإقصائي والإستعلائي; وليس لأي سبب آخر. ومن يصدق شعار زوحدتنا في قوتناس الذي رفعه مرشح الجماعة, وقد ترددت الجماعة قبل نزول ميدان الثورة, ثم ركبت موجتها, ثم إنسحبت وتنكرت لشرعية الميدان وأعلنتها نقيضا لشرعية البرلمان, بعد أن نالت ما نالت من مكاسب ومنافع; تصورتها دائمة؟؟ وحين عادت هاتفة لشرعية الميدان مع البرلمان لم تعد إنتصارا للثورة أو إيمانا بالوحدة, ولكن حين بدا أن مكسبها البرلماني مهددا وأن تشكيلها للحكومة مستحيل!! وقد غدرت الجماعة بشباب الثورة, التي رأوا أنها قد وصلت الي غايتها باقتراب الجماعة من تحقيق حلمها التاريخي, وهو إنتزاع السلطة لإقامة دولتها الدينية; الإقصائية والتمييزية. ومن يصدق دعوة الجماعة الي زحماية الديموقراطيةس وهي تجسد الحكمة المصرية القائلة زفاقد الشيء لا يعطيهس؟؟ فالجماعة تهدر الديمقراطية الداخلية بارتكازها الي مبدأ السمع والطاعة في تنظيمها الحديدي; ومن هنا جاءت حالات زإنشقاق أو فصلس حزب الوسط وشباب التيار المصري والقيادي عبد المنعم أبو الفتوح وغيرهما!! ومن ثم فقد كانت الجماعة منسجمة مع المبدأ الحاكم لتنظيمها, حين لم تعترف بمبدأ المشاركة, وسلكت سلوك قوي الإستكبار والإستعلاء تجاه القوي المدنية والثورية, بل وأحيانا تجاه حلفائها السلفيين والجهاديين!! وأصرت علي الهيمنة علي اللجنة التأسيسية, المرة تلو الأخري!! بل ونزوعها الي إحياء نموذج فساد السلطة بزواج الدولة والثروة حين رشحت أكبر رجال أعمالها رئيسا!! ومن يصدق هتاف جماعة الإخوان المسلمين زبسقوط حكم العسكرس!! وهي التي في سياق سعيها الإنتهازي الي تقاسم السلطة في فترة زالتقيةس قدمت نموذجا للنفاق الممجوج للمجلس العسكري الأعلي, وأهدرت فضيلة أن زصديقك من صدقك لا من صدقكس؟؟ فمن يصدق الجماعة وهي التي انقلبت علي شريك الأمس في وضع خريطة طريق قادت الي حقل ألغام!! حين بدا لها أنه يمكنها التمكن منفردة من إختطاف مصر؟؟ ومن يصدق الجماعة وهي تستصرخ في الأمة أن تثور لقطع الطريق علي إعادة إنتاج دولة زالإستبدادس وقد استدعت الي عقول وقلوب المصريين أشباح بعث دولة زالطغيانس وإن برداء ينسب نفسه بهتانا الي الإسلام. وللحديث بقية عن خصومة جماعة الإخوان المسلمين لدولة المواطنة, التي تمثل دون غيرها عنوان إنتصار ثورة 25 يناير. المزيد من مقالات د. طه عبد العليم