أكتب إليك قصتى لأستشيرك فى بعض أموري، وأعود بذاكرتى إلى الوراء عشر سنوات، عندما كنت فى سن الرابعة والعشرين، فلقد تقدم لى وقتها شاب تعرف عليّ بالمصادفة، وترددت فى الارتباط به، ثم وافقت عليه تفاديا للصدام مع أبى الذى كان قد خرج إلى المعاش، وأراد الاطمئنان على حياتى المستقبلية، وكانت قناعته أن الزواج استقرار، لكنى كلما تقدم لى شاب ورآه من وجهة نظره مناسبا، يفاجأ برفضى له، فالحقيقة أننى عشت عدة سنوات وأنا مرعوبة من فكرة الارتباط، والانتقال إلى حياة أخرى مع شخص لا أعرفه، ولم تكن لى صداقات، ولا حتى مجرد معرفة بشاب من قبل، ونظرا لأنى رفضت عريسين فى أسبوع واحد، وكان هذا الشاب هو الثالث، فإننى استحييت من أبى أن أرفضه، فوافقت عليه أمام أسرتي، وفى قرارة نفسى أننى سأفسخ خطبتى له بعد فترة بأى حجة، واشترطت عليه أن تقتصر مراسم الخطبة على قراءة الفاتحة فى وجود أسرتينا فقط لكى لا يعلم الجيران والمعارف، ويحسبونها عليّ خطبة قبل أن أعرفه جيدا، ووافق الجميع على ذلك، ثم فوجئت يومها بامتلاء البيت بالمعازيم الذين جاءوا من كل حدب وصوب، وتمت خطبتى وراقبت أحوال خطيبى فوجدته شابا مهذبا ومحترما ومكافحا، وبعد نحو شهرين أحسست بحبه يسرى فى قلبي، وزادنى ذكاؤه واحترام الجميع له ارتباطا به، واعتبره أبى ابنا له، وسهّل له أمورا كثيرة، فلقد تعثر فى إتمام الزواج خلال الفترة التى اتفق عليها مع أبي، فطلب منه أن يمد فترة الخطبة، فلم يمانع، وظللت مخطوبة لمدة سنتين، ثم جمعنا عش الزوجية فى شقته التى بناها بمنزل والده فى محافظتنا، وبرغم أنها شقة عادية فإننى وجدتها جنة بالنسبة لي، ويكفينى أننى اخترت كل شيء فيها، حتى ألوان دهان حوائطها، ومضت خمسة أشهر لم أعش أجمل منها من قبل، وأسرنى زوجى بحبه وعطفه وحنانه وتفهمه لأقصى درجة، ولا أستطيع أن أصف لك سعادتي، وأنا أسمعه يشكر فيّ أمام الجميع، وعندما نكون معا يكرر على مسامعى أنه يستكثرنى على نفسه، فأمازحه متسائلة: «أنا كثير عليك كما أم كيفا»؟! وذات يوم أبلغنى بعد أن تناولنا طعام الإفطار بأنه سوف يسافر إلى بلدته لزيارة أهله، وكنت وقتها حاملا، فطلبت منه أن يصطحبنى معه، لكنه فضل أن أقضى اليوم مع والدتى خوفا عليّ من طول السفر ومشقته، وخرجنا معا وذهب هو إلى محطة القطار، واتجهت أنا إلى والدتي، وبعد وصولى إليها بدقائق دق جرس هاتفي، ووجدت على الجانب الآخر من يسألني: «ده تليفون فلانة»، قلت له نعم، قال: «فلان مات»! فأصابنى الذهول، وتسمرت فى مكانى وساد الوجوم على وجوه أهلي، وأسرعنا إلى المشرحة التى قال لنا من أبلغنا بالخبر المشئوم بأن جثته موجودة بها، وكم تمنيت أن يكون خبرا كاذبا، وما إن وصلنا إليها حتى كانت إجراءات الدفن قد اكتملت، وجرت مراسم الجنازة سريعا، وواريناه التراب، ولزمت بيت زوجى رحمه الله، فلم أغادره، وصار نهارى كليلي، وإذا تحدث معى أحد لا أرد عليه، وأصبحت حياتى بكاء ودموعا، ولا يشغل بالى شيء إلا جنينى الذى طالما حلمنا بأن نسميه معا، وأفقت بعد أشهر طويلة فوجدتنى أرملة لم تكمل خمسة وعشرين عاما، ولا دخل لى سوى راتب قدره مائة وخمسة وسبعون جنيها بعقد مؤقت، ولا أعرف كيف ستسير بى الحياة؟ وكلما ثار داخلى هذا السؤال أجد صوت أمى يقطع تفكيرى بأن الله سيكون معى دائما، وسوف تثبت الأيام ذلك، أما عن أهل زوجى (رحمه الله) فلقد شعرت وقتها بأن أمه هى أمي، وأن إخوته هم إخوتي، وتبنيت فى معاملتى لهم مبدأ مهما هو أن أعاملهم كما أحب أن يعامل زوجى أهلى إذا كنت أنا من رحلت عن الحياة، وهكذا بقيت بالشقة، وتركت لحماتى نسخة من مفتاحها، وظلت بجوارى نتناول الطعام، ونقضى الوقت كله معا، وتكفل والدى بكل متطلباتى المادية، ووضعت طفلي، وتجددت الأحزان كأنه يوم رحيل زوجي، ووجدتنى أصرخ بأعلى صوتي: «يارب بارك لى فى ابني.. ياربى اجعله مثل أبيه.. ياربى لا تخذلنى وهيئ لى من أمرى رشدا»، وبعدها بأسابيع طلب منى أبى أن أعود إلى بيتنا فرفضت وصممت على بقائى مع أسرة زوجى لإحساسى بألمهم، ورغبتهم فى أن أكون بجوارهم. ووجدتنى أتحدى الظروف مستعينة بالله، فأكملت دراستى للماجستير، وحصلت عليه، ثم فوجئت بشقيق زوجى يعرض عليّ الارتباط به، فلم أتردد فى رفضه، وقلت له إننى مصممة على عدم الزواج مرة أخري، فلقد اتخذت عهدا على نفسى بأن أتفرغ لرعاية ابني، لكنه لم ييأس وأوعز إلى أمه للحديث معي، فقالت لي: أنت فى سن صغيرة ولن تستمرى بلا زواج طوال العمر، ولم أفلح فى إقناعها بموقفي، ولما علم أبى بذلك طلب منى أن أنتقل فورا إلى بيتنا لأنه لا يصح أن أعيش فى بيت به شباب، ومنهم من يريد أن يتزوجني، واقتنعت بكلامه هذه المرة ولم أقطع صلتى بهم، إذ كنت أتصل يوميا بوالدة زوجى للاطمئنان عليها، ومرت الأيام وأعددت رسالتى للدكتوراه، وحصلت عليها بامتياز، ومن باب صلة الرحم أخذت ابنى وفاجأت أهله بزيارتنا لهم، فاستقبلتنى حماتى بترحاب، وفى ثنايا الحديث أبلغتنى بأنهم يستعدون لفتح الشقتين اللتين تسكنان فيهما لكى يتزوج فى الشقة الجديدة ابنهم الذى رفضته، وأنهم نقلوا بعض الأثاث الموجود بهما إلى شقتى بعد أن وضعوا أثاثى فوق بعضه، فسألتها: ولماذا لم تخبرينى بما فعلتموه، خاصة أنك كنت معى قبل هذه الزيارة بيومين؟ فردت علىّ بأنه لم يرد بذهنها أن تخبرني، فاستأذنت وانصرفت وأنا مندهشة من موقفهم، وقصدت صديقة لى جلست عندها بعض الوقت، ثم اتصلت بزوجة شقيقى ورويت لها ما حدث، وبعد أن أنهيت مكالمتى معها، اتصل بى أبى فعرفت أنها أبلغته بما فعلوه، ولم يدع لى فرصة للكلام وقال: «الحمد لله أنها جت منهم، وأنا معك فى أى قرار تتخذينه، إذا أردت أن ترفعى دعوى فى المحكمة لكى تحصلى على حقوقك وحقوق ابنك.. أنا معك، وإذا رأيت أن تتعاملى معهم بأى أسلوب يرضيكى لن أمنعك.. المهم فكرى وخذى قرارك»، وفى تلك الليلة فكرت طويلا، وانتهيت إلى أننى لن أقف أمامهم بالمحاكم حتى لا أقطع صلة رحم ابنى بأهله، وإكراما لزوجى الراحل الذى لم أر منه إلا كل خير، وفى الصباح أخبرت أبى بأن يتصل بهم لكى أحصل على «عفشي»، وأرحل بسلام، ففعل ما طلبته، وحددوا له موعدا، وهناك فوجئ بعدد كبير من الرجال قالوا إنهم من جمعية خيرية، وعقدوا جلسة مطولة كتبوا فيها ورقة بتسليم ابنى شقته بعد بلوغه سن الرشد، واتفقوا على تسليمها لى بعد أخذ «عفشي»، وأخبرنى أبى بأن هذه الورقة ليست لها قيمة لأن إخوة زوجى ليست لهم صفة لتوقيع أى أوراق تخصني، لكنه ساير الموقف لكى يتبين ما الذى سيفعلونه فى حقوق ابني، وخلال أسبوع أخذت العفش ثم جاءتنى مكالمة من قريبة لهم تبلغنى بأنهم يريدون رؤية ابني، وتسألني: هل ستمنعينه عنهم؟ فقلت لهم: «ابنى أكبر بكثير من أن أضعه فى مقارنة بشقة، وإذا أرادوا أن يزوروه فى أى وقت فليتفضلوا، ولو أحبوا أن يأخذوه فى زيارة لديهم ليس لدى أى مانع» وتوالت الزيارات، وفى إحدى المرات اصطحبه عمه معه وعندما سألته أمى عن ورقة الشقة، رد عليها بأنها فى «الجمعية الخيرية» وسوف يتسلمها ابن شقيقه عندما يبلغ سن الرشد، وكان عمره وقتها ثلاث سنوات. وانقطعت تماما عنهم، وفوضت أمرى إلى الله، وكنت أرى فى منامى أحلاما كثيرة، وأرى غبارا أحمر كثيرا فى الجو، فأصحو من نومى وأنا أسأله عز وجل أن يصلح لى أمرى حتى أؤدى رسالتى نحو ابنى على أكمل وجه، وصحوت ذات صباح فوجدت فى انتظارى مفاجأة من أبى وإخوتي، إذ قرروا أن يبنوا لى طابقا بالمنزل خاصا بى وبابني، وخلال ثمانية أشهر انتقلت إليه، وفى اللحظة التى كنت أرتب فيها أثاثي، تلقيت مكالمة من جامعة بالخارج تعرض التعاقد معى للتدريس فيها، فى البداية ظننت أنها مداعبة من أحد إخوتي، لكنى تأكدت أن الأمر جاد، ووافقت الجامعة على اصطحاب ابنى معي، ومضت الإجراءات سريعا، ولا أجد لذلك تفسيرا سوى رحمة ربي، ورافقنى أبى كمحرم لي، وترك تجارته فى مصر لكى يديرها إخوتي، وأحسست بأن الغربة أرهقته وأنه لم يستطع التأقلم عليها، فأعدت التفكير فى الزواج، خاصة أن الكثيرين يتقدمون لي، وقابلت بعضهم لكنى لم أرتح لأى منهم، ويبدو أن موقفى كان ظاهريا فقط، ومر عامان وأنا فى الغربة، ثم أبلغنى إخوتى بأن شقيق زوجى الذى كان يرغب فى الارتباط بى كرر طلبه من جديد قائلا: إنه على استعداد لكى يفعل كل ما أطلبه منه، وأنه لن يرتبط بأخرى لأننى بالنسبة له كل شيء، فكان كلامه غريبا، ولا يتناسب مع ما فعلوه معى أنا وابني، ورددت عليهم بأننى سأقابله فى الإجازة وجها لوجه، لكى أذكره بما فعلوه! ولما التقيت به وجدته يبرر ما حدث، وأنهم سوف يعيدون الشقة إليّ، فقلت له إننى لن أعود إلى مكان تعرضت فيه للإهانة، ولو حدث أننى أعدت النظر فى مسألة الزواج به فستكون لذلك ترتيبات محددة، وفى شقة أخري، فتظاهر بالموافقة، ثم حدثنى عن صعوبة توفير شقة أخرى فى الوقت الحالي، فأدركت ما يرمون إليه، وانتهى الموقف عند هذا الحد، وسافرت من جديد، وفى كل عام يجدد طلبه، وقد تزوج كل إخوته إلا هو. وفى الصيف الماضى وخلال وجودى فى مصر اتصل بى وطلب منى أن يصطحب ابنى إلى بلدهم التى كان زوجى (رحمه الله) ذاهبا إليها عندما مات فى حادث على الطريق، فثرت عليه ورفضت رفضا قاطعا مجرد الحديث فى هذا الموضوع، وشكا لأخي، وجاءت أسرته كلها للحديث معنا، وكان هذا هو اللقاء الأول لى مع حماتى منذ سبع سنوات، وحدثتنى عن أن حق ابنى فى الحفظ والصون، وأنهم سوف ينتظروننى فى زيارة لاطلاعى على كل شيء يخصني، وذهبت إليهم بصحبة شقيقى فأبلغونى بأن المنزل مكون من أربعة طوابق، وأن ربعه مسجل فى الشهر العقارى باسم زوجى الراحل، وأنهم تأخروا فى إبلاغى بما تم فى هذا الشأن، ولم أهتم لكلامهم ليقينى بأن ابنى لن يحصل على شيء منهم، ولأن الله عوضنى بأكثر مما كنت أتطلع إليه، وفاتحونى فى الارتباط بشقيق زوجى الذى مازال ينتظرنى منذ عشر سنوات، والأغرب من ذلك أن شقيقه الأصغر طلب منى الزواج هو الآخر دون علمهم، وقال لى إنه على خلاف مع زوجته، وفى طريقه للانفصال عنها! وعرف إخوتى بموقفه فأصابتهم الدهشة، وزاد تعجبنا أنه اتخذ موقفا مغايرا أمام أهله مدافعا عن شقيقه الذى ينتظر أن يلين موقفى منه بعد كل هذه السنوات ولم أعطهم ردا، وعدت إلى البلد الذى أعمل به، وفى هذه المرة كان أخى هو المحرم لي، بعد أن عاد أبى إلى مصر، وقد حدثت خلافات بين أخى وزوجته فطلقها وأخذت ثلاثة أطفال فى حضانتها، وقد سافرت هذا العام بمفردي، ولحق بى ابنى وأخى فى أول أيام عيد الأضحى المبارك، وبالأمس وأنا أكتب إليك رسالتى فى الذكرى العاشرة لرحيل زوجي، تلقينا خبر وفاة مطلقة أخي، فانخرطت فى البكاء واسودت الدنيا فى عيني، ولا أعرف ماذا أفعل لأولاد أخي، فلقد حان وقت رد جميله ووقوفه إلى جانبي، ثم تساءلت فى نفسي: هل أتجاوز عن مواقف أهل ابنى وأرتبط بعمه؟ أم أنتظر فربما أجد من هو أحن على ابنى منهم، أم ألغى فكرة الارتباط من الأساس وأضم أبناء أخى إلى ابنى وأتفرغ لتربيتهم؟ إن الدنيا تدور بى ولا أعرف الطريق الصواب من الخطأ، وبرغم ما أنجزته من نجاحات وسط الصعاب الجمة التى واجهتها، فإن ما عايشته من مفاجآت الحياة والموت المفاجئ لزوجى الراحل ومطلقة أخى وأم أولاده جعلنى أفقد كل متع الحياة، وأجدنى مضطربة التفكير، ولا أدرى ماذا أفعل، فبماذا تشير عليّ؟! ولكاتبة هذه الرسالة أقول : تؤكد تصرفاتك العقلانية فى المواقف والأحداث التى تمرين بها أن خبرات الحياة ليست فيما يتعرض له المرء من أحداث، وإنما فيما يفعله تجاه مايحدث له، فعندما رحل زوجك فجأة بعد خمسة أشهر من الزواج، لم تتركى بيتك، واحتويت العاصفة التى تنهار أمامها الكثيرات، ولولا موقف حماتك وإخوة زوجك من مسألة الميراث، لكان لك درب آخر غير الذى سرت عليه، وربما استجبت وقتها لنداء شقيقه بالزواج منه، سعيا إلى أن ينشأ ابنك فى كنف اهله، فيحدث التآلف وتتحقق القربي، ثم استمررت على دأبك من الكفاح، فنلت الماجستير والدكتوراه، ثم سافرت إلى الخارج، وصار لك اسم وشأن كبيران، ولم يكن «الغبار الأحمر» الذى رأيته فى منامك كثيرا سوى ما أنعم الله عليك به من نعم ظاهرة وباطنة، وفقا لتفسير ابن سيرين بأن رؤية الغبار بشرى بالمال الوفير، فلقد حققت الثراء والمكانة العلمية المرموقة معا، وعوضك الله خيرا عما ذقته من مرارات منذ رحيل زوجك وانتما فى عز الشباب. ولعل المأخذ الوحيد عليك هو ترددك غير المبرر فى الاقدام على الزواج.. صحيح أن التريث مطلوب، ولكن ليس إلى هذه الدرجة المغالى فيها، فعلى الأقل يجب أن تتيحى لنفسك الفرصة للتعرف على من يبغى الارتباط بك، تماما مثلما فعلت مع زوجك الراحل الذى كنت تنوين فسخ خطبته، ولم توافقى عليه إلا استجابة لرغبة أبيك، ثم أحببته، واستحوذ على قلبك وعقلك، ولم تنسه حتى بعد عشر سنوات على رحيله، فالتريث لا يكون بالصورة المرضية التى تسيطر على تفكيرك، فأعط نفسك فرصا جديدة للتعرف على آخرين فى محيط عملك ودائرة معارفك، ولكن بعيدا عن أهل زوجك الراحل، فلا تتزوجى شقيقه الذى يدّعون أنه ينتظرك طوال السنوات الماضية، فهذا ليس صحيحا فلقد رفضته منذ البداية، وقالت لك والدته إنهم يجهزون شقته التى سيتزوج بها عندما حاولت تبرير موقفهم بوضع «عفشهم» فى شقتك وموقفهم من ميراث ابنك، ولا تعيرى أى اهتمام لما قاله شقيقه الثانى الذى يراك غنيمة وفريسة يريد اقتناصها، فأوهمك بأنه سوف يطلق زوجته لكى يرتبط بك، فكل من له صلة بأهل ابنك لا يناسبك بعد ما جرى منهم، وإذا كان البعض يحبذون ارتباط زوجة ابنهم المتوفى بشقيقه من باب الحفاظ على الأولاد. وينجح هذا المسعى فى بعض الأحيان، فإنه فى حالتك سيكون بابا جديدا للمتاعب، وسوف تتكرر مأساة الشقة والميراث وخلافه، كما أنهم ينظرون إلى وضعك المادى والأدبى أكثر من الاستقرار واحتواء حفيدهم الذى رحل أبوه قبل أن يخرج إلى الحياة. نعم الطمع فيك هو دافعهم إلى أن ترتبطى بشقيق زوجك، وقد تناسوا أن ما فعلوه بأكلهم مال حفيدهم اليتيم إنما يأكلون فى بطونهم نارا، فجلسة «الخداع» التى كتبوا فيها ورقة وأودعوها فى جمعية خيرية والتى أيقن أبوك بعدها أنهم كاذبون، هذه الجلسة كفيلة وحدها بكشف مخططهم الخبيث، فالمعروف أن تركة القصر تكون تحت وصاية «النيابة الحسبية» وتتولى الأمر برمته محكمة الأسرة، ولا يستطيع أحد أن يتصرف فى التركة من تلقاء نفسه، وتستطيعين أخذ حقوق ابنك بالطريق الشرعى والرسمي، فلا تفرطى فيها، ودافعى عنها بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة وليعلم هؤلاء معدومو الضمير أن الله سبحانه وتعالى حذر من يستولون على أموال اليتامى فقال: «إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا»، وقال أيضا: «ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا» وسوف يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة، ولهب النار يخرج من فمه، وأنفه وأذنيه وعينيه، فيعرفه كل من يراه، فإذا استمر أهل ابنك فى غيهم وظلمهم، فليعلموا أن هذا هو مصيرهم الذى لا مفر منه. ولاشك أن شهامة أخيك ووقوفه إلى جوارك فى محنتك، وسفره معك لكى لا تكونى بمفردك، تحتم عليك أن تسانديه فى محنته، ولو باستقدام أولاده فى زيارة إليك فى البلد الذى تعملين فيه، إلى أن تتهيأ له الفرصة للزواج بمن تكون أما لأولاده، وهناك الكثيرات ممن يرغبن فى أداء هذا الدور الانسانى النبيل، وأنت أيضا عليك أن تفتحى قلبك للحب والزواج، واستشراف مستقبل باسم يعوضك عما لقيته من متاعب وآلام، ولتكن تجربتك الناجحة درسا لمن يتقهقرون أمام أول تجربة فاشلة تواجههم فى الحياة، ولا يستطيعون مواجهة الأنواء والعواصف التى لا يسلم منها إنسان، لكن القليلين فقط هم الذين يتخطونها ولا ينحنون أمامها، فتحقيق الأمانى يحتاج إلى عزم وإرادة ومثابرة، وصدق الشاعر حين قال: تريدين إدراك المعالى رخيصة ولابد دون الشهد من إبر النحل وعلى من يبحث عن النجاح أن يتجاوز التفكير السلبي، ويثق فى نفسه وقدراته، ولا يلقى بالا للانتقادات التى توجه إليه مادام أنه يدرك سلامة موقفه، وليؤمن بأن الله الذى أنعم عليه بكثير من النعم ظاهرة وباطنة، يبتليه بمصيبة ويختبر صبره عليها قبل أن يوفيه أجره، حيث يقول فى كتابه الكريم: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب»، وليعلم أيضا أن التفكير الايجابى هو المحرك الأول نحو النجاح، وإنى أرى أن خطواتك الدقيقة، وإيمانك بالله، ومساندتك شقيقك فى محنته ورعاية ابنك هى الشراع الحقيقية التى تساعدك على قيادة سفينتك بأمان فى نهر الحياة، ويكفيك أنك حققت الكثير مما كنت تهدفين إليه، فإذا كنا نسعى دائما إلى أن نحصل على ما نريد وأن نستمتع به، فإن الحكيم هو الذى يحقق الاستمتاع، ومهما يكن ما بين يدى المرء قليلا، فإن بإمكانه أن يستمتع به، وينظر إلى الجوانب الثرية فيه. ابدئى صفحة جديدة صافية وخالية من الشوائب، واستعينى بالله، وتوكلى عليه، وسوف تحققين أهدافك وسعادتك وتنعمين بالطمأنينة وراحة الباب بإذنه وإرادته.