«لو لم يكن هناك سجون أميركية فى العراق، لما خرج تنظيم داعش إلى حيز الوجود.لقد قدّم لنا السجن الذى يديره الأمريكيون فرصة استثنائية للتخطيط فيما بيننا حول ما يمكن فعله خلال المرحلة المقبلة حيث كان بوكا به 24 ألف سجين تم تقسيمهم على 24 معسكرا . لقد كان بوكا بمثابة مصنع أنتجنا جميعا، وكوّن نهجنا الفكري» . 17 من 25 قائدا بالتنظيم تخرجوا فى السجون الأمريكيةبالعراق عملاء المخابرات الأمريكية أسسوا التنظيم ومولوه بالمال والسلاح والتدريب على التجسس والقتال
هذا ماقاله أبوأحمد أحد قيادات داعش لصحيفة الجار ديان عام 2014 «داخل سجن بوكا.. بدلا من احتجازنا للسجناء، فإننا في واقع الأمر كنا ندير مفرخة للإرهابيين».. هذا ما كتبه المأمور السابق لسجن بوكا بين عامي 2006 و2007 ، جيمس سكيلر جيروند، في رسالة عبر تويتر في 2014 مع تزايد الاهتمام بمفاجأة الألفية الجديدة، شبح الإرهاب الجديد داعش، أخطر التنظيمات الإرهابية التي عرفتها البشرية حتى الآن. وتبدو داعش في عيون الجميع لغزا محيرا.. ويتردد السؤال دائما.. كيف نشأ هذا التنظيم الممثل الأهم لأنصار الفوضى الخلاقة التي نعيشها منذ سنوات، وهل له علاقة بمؤامرات ما عرف بخرائط الشرق الأوسط الكبير وسايكس بيكو2 ؟. ................................................ لقد كشف مؤخرا ضباط سابقون فى المخابرات المركزية الأمريكية، مؤخرا عملوا فى السجون الأمريكية فى العراق عن كيفية نشأة تنظيم داعش , ففى عام 2004 وفى ظل أزمة طاحنة بدأت تعانيها القوات الأمريكية جراء ارتفاع وتيرة المقاومة الشرسة التى بدأت تواجهها فى العراق من بقايا حزب البعث ومن تنظيم القاعدة فى العراق بزعامة أبو مصعب الزرقاوى ارتكبت القوات الأمريكيةوالعراقية حماقات متعددة فى مواجهة التنظيمات المسلحة حيث رسخ اعتقاد لدى البنتاجون والسى أى إيه بأن القضاء على تنظيم القاعدة السنى لن يتأتى إلا من خلال انشاء ميليشيا سنية شبه عسكرية مدربة , وبدأت القوات الأمريكية عملية إلقاء القبض على أكبر عدد من الشباب العرب السنة القادرين على حمل السلاح ولهم توجهات أو مواقف سياسية وإيداعهم السجون الأمريكية فى العراق , وفى تلك السجون ومنها سجن بوكا بالبصرة بدأت القوات الأمريكية فى سياسة جذب العناصر التى لديها استعداد للتعاون مع الجانب الأمريكى , وهى ذات السياسة القديمة المتجددة لواشنطن فى تجنيد العملاء وإنشاء التنظيمات العميلة لمحاربة طرف ثالث ومن أشهرها تنظيم القاعدة والتنظيمات اليمينية فى أوروبا الشرقية لمحاربة الاتحاد السوفيتى سابقا. وفى سجن بوكا أنشأت واشنطن معسكرا لهؤلاء المتعاونين فدربتهم عسكريا ومخابراتيا فكانوا نواة إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق ( داعش ) بهدف القضاء على تنظيم القاعدة الذى كان فى ذلك الوقت بقيادة أبو مصعب الزرقاوى أشرس تنظيم يواجه القوات الأمريكية على الأرض والذى أدت عملياته الى مقتل المئات من القوات الأمريكية حيث تكررت مشاهد النعوش العائدة إلى واشنطن تحمل جثث أفراد من القوات الأمريكية , وأصبح اسم أبو مصعب ألزرقاوي، يثير الرعب فى قلوب كثيرين فى العراق وأوروبا والولاياتالمتحدة. ومن بوكا بدأت واشنطن سياسة أخرى خاطئة وهى دس عملاء للسى أى ايه من شباب العرب السنة داخل تنظيم القاعدة بهدف تقديم معلومات استخباراتيه عن أسرار التنظيم وتحركاته وعناصره ومن ثم تسهيل عملية ضرب تنظيم القاعدة واصطياد عناصره , ووقع اختيار السى أى أيه على عدد من الشباب العربى السنى الذى له توجهات ومواقف سياسة فتم القاء القبض عليهم بتهم متعددة مع استدراجهم للتعاون مع القوات الأمريكية مقابل آلاف الدولارات , وبهذه الطريقة استقطبت القوات الأمريكية بشكل منفرد العشرات من الشباب السنة العرب من خلال السجون التى كانت تديرها فى العراق ودربتهم على أعمال التجسس والقتال وسبل إقناع قادة القاعدة بانضمامهم إلى التنظيم وهذا ماحدث مع أبو بكر البغدادى وآخرين. وفى فبراير عام 2004 ألقت القوات الأميركية القبض على ( أبوبكر البغدادى ) إبراهيم عواد إبراهيم على البدرى السامرائي، فى الفلوجة غرب بغداد، ، وهو فى منزل أحد أصدقائه ويُدعى ناصف جاسم ناصف، ثم تم اقتياده إلى سجن بوكا..وكان البغدادى وهو يحمل الدكتوراه فى القانون الإسلامى من جامعة العلوم الإسلامية عام 2000 . يعيش فى حى الطبجى فى بغداد وبقى فى الحى نفسه حتى أول يناير 2004، وكان يسكن فى غرفة ملاصقة لمسجد الحى الذى عمل فيه إماما لنحو 14 عاما ، لكنه غادر المنطقة إثر خلاف مع بانى المسجد وأهل الحى , وكان للبغدادى أتباع كثر لأنه خطيب مفوه يدعى نسبه إلى آل البيت , وعلم الأمريكيون بقصة البغدادى من خلال أحد عملائهم الذى وشيء بالبغدادى عند بانى المسجد واشاع حوله بعض المعلومات الخاطئة ليتم طرده من المسجد فلا يجد سبيلا للعيش سوى التعاون مع صديقه أحد عملاء المخابرات الأمريكية مقابل المال, وهذا ما قبله البغدادى بعد طرده من المسجد إذ كلفه صديقه بالكشف عن الجماعة المسلحة التى تتخذ من المناطق السنيّة المحيطة بمدينته الفلوجة غرب بغداد مركزا لها , وفور عودته الى الفلوجة بدأ مهمته الجديدة , فساعدت معلوماته القوات الأمريكية فى العثور على جماعة جيش أهل السنة والجماعة فى تلك المنطقة . الصيد الثمين واعتبرت المخابرات الأمريكيةالبغدادى صيدا ثمينا بسبب شخصيته القيادية ومهارته فى جذب الأتباع وقدرت له تعاونه معها فى الكشف عن أحد التنظيمات المسلحة التى قتلت عددا كبيرا من القوات الأمريكية , فألقت عليه القبض وأودعته سجن «بوكا» فى عمق صحراء البصرة وعلى فترات متقطعة ألقت القبض على عدد أخر من أصدقاء وأتباع البغدادى وأودعتهم نفس السجن ليكونوا نواة للتنظيم الجديد الحليف لها الذى تعده واشنطن لتضرب به التنظيم الأخطر على قواتها وهو القاعدة فى بلاد الرافدين . وفى حديثه مع صحيفة الجارديان عام 2014 فى إطار سلسلة من المقابلات الطويلة قامت بها الصحيفة مع أبو أحمد وهو الآن مسئول بارز داخل تنظيم داعش, قال أبو أحمد لقد حظى البغدادى فى سجن بوكا باحترام الجيش الأمريكى . عندما كان يريد زيارة سجناء فى معسكر آخر ليجتمع بهم ، كان ينال ما يطلب، فى حين كان مصير طلبنا الرفض. ويبدو أن هذا الأمر كان متفقا عليه بينهما . . وأقرّ كثيرون ممن تم إطلاق سراحهم من سجون بوكا، ومعسكر كروبر بالقرب من مطار بغداد، وكذلك سجن أبو غريب، الواقع على الأطراف الغربية للعاصمة , وبالطبع عدد من المسئولين الأمريكيين البارزين الذين قادوا عمليات الاعتقال، بتأثير السجون السلبى فى خلق جيل من الارهابيين , ومن هؤلاء على الخضيرى الذى عمل مساعدا خاصا لكل السفراء الأمريكيين الذين خدموا فى العراق منذ 2003 وحتى 2011 وكذا لقادة فى الجيش الأمريكى، قائلا: فى النهاية اقتنع حتى المسئولون الأمريكيين البارزون بأنهم باتوا عناصر تشجع على التطرف، وبأنهم تصرفوا بطريقة تؤتى نتائج عكسية ، وبأنه تم استغلالهم فى التخطيط لإنشاء تنظيم داعش, ووفقا لهشام الهاشمي، وهو محلل مقيم فى بغداد، تشير تقديرات الحكومة العراقية إلى أن 17 من ال25 قائدا الأهم من قادة تنظيم داعش الذين يديرون الحرب فى العراقوسوريا أمضوا وقتا فى السجون الأمريكية بين عامى 2004 و2011. وفى مارس 2009 فى حديث له مع أنتونى شديد، مراسل واشنطن بوست، أعرب رئيس الشرطة العراقية سعد عباس محمود عن اعتقاده بأن 90 فى المائة من السجناء المفرج عنهم سيستأنفون القتال قريبا , وذكرت واشنطن بوست أن هؤلاء السجناء عندما أفرج عنهم عام 2009 وعادوا إلى بغداد، تحدثوا عن أمرين: تحولهم للراديكالية - والانتقام. وبمرور الوقت، أثبتت الأيام نفاد بصيرة التقييم الذى طرحه محمود، اذ أصبحت السجون الأمريكيةبالعراق بمثابة فصل مفتوح فى تاريخ داعش - حيث التقى الكثير من قيادات الجماعة، بما فى ذلك أبو بكر البغدادي، ببعضهم البعض فى سجن بوكا الذى شكل فترة مهمة فى مشوار تطور داعش وبلوغها ما هى عليه الآن . وبصورة إجمالية، قضى 9 من كبار قيادات داعش بعض الوقت فى سجن بوكا، تبعا لما ذكرته مجموعة صوفان. العميل ينقلب وعقب مقتل أبومصعب الزرقاوى أواخر عام 2006 فى غارة أمريكية بمساعدة المخابرات الأردنية وبناء على وشاية ومعلومات وصلت للمخابرات الأمريكية من خلال عناصر من خريجى سجن بوكا دستهم المخابرات الأمريكية داخل تنظيم القاعدة , فقد تراجع أداء التنظيم الذى أعاقته ثورة قبلية اقتلعت قيادته من الأنبار، وقلصت من وجوده فى أماكن أخرى فى العراق . ومع تدهور وضع تنظيم القاعدة وتلاشى تأثيره على القوات الأمريكية ، تخلت واشنطن عن البغدادى ومجموعته وأهملتهم سواء من كان منهم خارج سجن بوكا أو داخله ما جعل البغدادى يغير موقفه من الأمريكيين ليصبح أكثر كراهية ومقتا لهم , كما تخلت واشنطن عن قوات الصحوات والتى حققت معظم الأهداف الأمريكية فى مواجهة تنظيم القاعدة , فشعر عناصر تلك القوات باليأس والإحباط من الأمريكيين وتولد لديهم احساس بأنهم استغلوا فتحولوا للعمل ضد الأمريكيين باعتبارهم قوة احتلال كانت سببا فى المآسى التى لحقت بالسنة, فتصاعدت ذروة أعمال العنف بالعراق عام 2007، وازدادت وتيرة حملات المداهمات الأمريكيةوالعراقية للمناطق السنية واقتياد الأسر للسجون الأمريكية سيئة السمعة التى كان روادها فقط من السنة رجالا ونساء ومع الكشف عن فضيحة سجن أبو غريب الشهيرة وغيرها من السجون الأمريكية فى العراق , ازدادت مشاعر الغضب السنية فى مواجهة القوات الأمريكيةوالعراقية خاصة بعدما تأكد للسنة أن الوعود الأمريكية لهم بخصوص طلباتهم وحقوقهم مجرد سراب كبير. وبعد مقتل الزرقاوى ومقتل أبو حمزة المهاجر دخلت القاعدة مرحلة مشروع الدولة الإسلامية فى العراق ( داعش ) حيث اندمجت مجموعة كبيرة من قوات الصحوات وبعثيين وخريجى سجن بوكا فى تنظيم القاعدة الجديد الذى تولى زعامته أبو عمر البغدادى عام 2007 والذى دخل مرحلة سكون .. واستغل التنظيم الفرصة ليتطور، وليكشف عن براجماتيته، بالإضافة إلى أيديولوجيته المتشددة. وتم إطلاق سراح عدد من أتباع البغدادى على مراحل منذ بداية عام 2005 حتى إطلاق سراح أبوبكر البغدادى وعدد كبير من أتباعه فى نهاية 2008 حيث مكث البغدادى مدة أربعة أعوام فى سجن بوكا فى البصرة , وهناك تعرف على أعضاء معتقلين من تنظيم القاعدة , واندمجت الجماعة المسلحة الصغيرة التى تزعمها البغدادى تحت لواء تنظيم القاعدة الجديد فى العراق . وبحلول عام 2007، كان الجنرال ديفيد بترايوس يقول إن هناك معلومات استخبارية شديدة الوضوح حيال التعاون القائم بين الاستخبارات العسكرية السورية والجهاديين , فقد نُظم فى سوريا عدة اجتماعات جمعت قيادات من المقاومة العراقية شملت مسؤلين من تنظيمات الدولة الاسلامية بالعراق والصحوات مع المسئولين السوريين، برفقة البعثيين من كلتا الدولتين . كان السوريون قد فتحوا قنوات للتواصل مع المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكى. وفى مارس من عام 2010، ألقت القوات العراقية، إثر إشارة من الولاياتالمتحدة، القبض على أحد قيادات تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق فى بغداد الذى يُدعى مناف عبد الرحيم الراوي، وأحد القلائل الذين كان لديهم اتصال مباشر بزعيم التنظيم فى ذلك الوقت أبو عمر البغدادى ونائبه أبو أيوب المصرى والرجل الثالث فى التنظيم أبو بكر البغدادي. فتحدث الراوي، كاشفا معلومات مهمة استخدمتها أجهزة الاستخبارات العراقية ، فى دس جهاز تنصت وجهاز لتحديد المواقع العالمية (للتعقب) داخل صندوق زهور يصل إلى مخبأ أبو عمرالبغدادى فى الجنوب الغربى من مدينة تكريت، تعرض المنزل للهجوم من قبل غارة أميركية. وفجر الرجلان سترات انتحارية ليحولا دون إلقاء القبض عليهما حيين. وعُثر فى المنزل على رسائل إلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى داخل حاسوب , ولم يكن فى مخبأ أبو عمر أى اتصال بالإنترنت أو خطوط للهواتف، وكانت الرسائل المهمة تصل وتُسلم من خلال 3 رجال فقط ؛ أحدهم كان يُدعى أبو بكر البغدادي, وكان أبو بكر البغدادى مرسالا لدى أبو عمر. ثم صار أقرب مساعديه إليه. فقد كانت الرسائل الموجهة الى أسامة بن لادن تجرى صياغتها من خلاله، وكانت رحلة تسليم تلك الرسائل تبدأ من عنده. ربيع الارهاب وجاء مقتل أبو عمر البغدادى وأبو أيوب المصرى بمثابة ضربة شديدة لتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق ، ولكن الأدوار التى فرغت بمقتلهما سرعان ما قام بها خريجو سجن معسكر «بوكا»، الذى كانت الأنساق العليا فيه قد بدأت التحضير لتلك اللحظة منذ أام سجنهم الأولى ، فتمكن البغدادى ومجموعته عام 2010 من الاستيلاء على تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وتولى زعامته والدخول فى مرحلة سكون واعداد العدة للاعلان عن مولد التنظيم الجديد الذى يعرف الآن باسم داعش. وتحت قيادة أبوبكر البغدادى نمت داعش بشكل ملحوظ ، ولفت جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، فى مقدمته لتقرير إستراتيجية الاستخبارات الوطنية الذى صدر فى سبتمبر 2014، أن الدولة الإسلامية ظلت تبنى نفسها خلال السنوات التى انشغل العالم فيها بالربيع العربى البرّاق ليفاجئنا أبوبكر البغدادى فى أبريل 2013 بحركة تصحيحية للتنظيم مع دخوله عنصرا فاعلا وكبيرا فى الحرب الأهلية السورية عبر عنها فى بيانه بابتلاع جبهة النصرة وأنها امتداد تنظيمى لداعش التى تسعى إلى انشاء دولة عابرة للحدود وكاسرة لحدود الدولة التقليدية التى رسمها سايكس - بيكو، ومعلنا عدم ولائه لتنظيم القاعدة الأم وداعيا القاعدة لإعلان ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام ( داعش ) وأصبح لتنظيم داعش وجود كبير فى المحافظات السورية. وقال أبو محمد العدنانى المتحدث باسم التنظيم إن مجاهدى الدولة قاموا بإزالة الحدود التى وصفها بالصنم، معتبرا أنها فرقت بين الدول الإسلامية ومزقت الخلافة لكن الأمر كان أبعد من الكفر بحدود الدولة القطرية إلى استهداف شرعية رفاق الأمس بمبررات ذات مضامين شرعية وإن كانت الغايات والدوافع سياسية الطابع، فالتسمية لم تكن قرارا دعائيا أو محاولة تضخيم قدرات التنظيم فقط الذى يجول طولا وعرضا فى مناطقه بالعراق والشام بقدر ما كان تحديا وجوديا لافتراس الأسماك القاعدية الصغيرة ومنها جبهة النصرة وتنظيم أحرار الشام وتنظيم خرسان ، وهو ما أدركته هذه التنظيمات مبكرا فرفضت الاندماج معه وبدأت معارك إثبات الوجود التى لا تزال مستمرة إلى الآن .