فى 7/4/2014 نشرت مقالاً فى جريدة «المصرى اليوم» تحت عنوان «أصولى فى البيت الأبيض» جاء فيه إنه عندما انتخب أوباما رئيساً لأمريكا وجد ستة من الأصوليين الاسلاميين فى البيت الأبيض فدخل فى علاقة عضوية معهم، ثم امتد بهذه العلاقة إلى العالم الاسلامى. ولا أدل على ذلك من العبارة التى وردت فى خطابه فى جامعة القاهرة فى 4/6/2009 حيث قال إن الشراكة بين أمريكا والاسلام يلزم أن تستند إلى حقيقة الاسلام وليس إلى ما هو غير اسلامى. إلا أنه لم يعثر على حقيقة الاسلام إلا عند الاخوان المسلمين، أو بالأدق عند الأصولية الاسلامية التى تستند إلى فكر ابن تيمية الذى يُبطل إعمال العقل فى النص الدينى فيرادف بين العقل والحواس، وينتهى إلى ضرورة سيادة السمع والطاعة. وفى هذا السياق أعلن أوباما صراحة أن على الاخوان المسلمين الاستيلاء على السلطة، وقد كان إثر قيام ثورة 25 يناير وهروب الاخوان من المعتقلات وذهابهم إلى ميدان التحرير فى الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر من يوم 28 يناير ثم التفاهم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الإذن لهم بتولى السلطة، وقد كان. وعندما عاثوا فساداً فى الدولة وفككوها قامت ثورة 30 يونيو وطردتهم من السلطة واستدعت المشير عبد الفتاح السيسى لكى يكون رئيساً للدولة. وهنا ثار أوباما وطالب بتنحيته وعودة الاخوان المسلمين. ومن هنا يمكن القول بأنك إذا أردت أن تكون على وعى بسياسة أوباما الخارجية فيلزم أن يكون حزب الاخوان المسلمين هو المدخل من أجل توليد هذا الوعى. والسؤال بعد ذلك: هل أنا على صواب فى هذا السرد؟ استعنت فى الجواب عن هذا السؤال بكتاب صدر عن جامعة أكسفورد فى العام الماضى تحت عنوان رئيسى «نظرية أوباما» وعنوان فرعى «الاستراتيجية العظمى لأمريكا اليوم». والمؤلف مفكر سياسى أمريكى اسمه كولن ديوسك. خلاصة رأيه أن أوباما يتجنب الخوض فى الشئون الدولية لكى يتفرغ للاصلاحات الليبرالية الداخلية. ولا أدل على ذلك من أنه فى خطبه السياسية يوحى إليك بأنه يتحدث فى الشئون الدولية ولكنه لا يرغب فى فرضها على الواقع، إذ ليس لديه أى احساس بالمسئولية الأخلاقية إزاء السياسة العالمية، ومع ذلك فعندما اعتلى أوباما منصة الرئاسة وجد نفسه أمام حرب كانت قد شنتها أمريكا قبل عام 2001 ضد الجهاديين الارهابيين فارتأى أن إعلان إنهاء الحرب قد يكون مدخلاً إلى السلام. إلا أن رؤيته كانت خائبة لأن تنظيم القاعدة أعلن مواصلة الحرب. وهكذا أساء أوباما الفهم فى معرفة مكمن الخطر، إذ كان هذا التنظيم قد أعد نفسه لإحداث تكامل بين الجماعات الارهابية والاسلاميين الوطنيين والمجرمين المحليين واسقاط الحكومات العلمانية واسترداد الأراضى الاسلامية المحتلة . وكان الأجدر بأوباما البحث عن سياسات اقتصادية وتكنولوجية ومخابراتية من أجل هزيمة الجهاديين الارهابيين. هذا مع ملاحظة أن الذهنية الارهابية تدور حول ضرورة طرد الغرب من العالم الاسلامى واسقاط الحكومات والحصول على أسلحة الدمار الشامل. ومع ذلك فإن أوباما يصر على أن الحرب ضد الارهاب قد انتهت. واللافت للانتباه هاهنا أن المفكر السياسى الأمريكى مؤلف كتاب «نظرية أوباما» قد ألمح إلى ثلاث ملاحظات سريعة من غير أن يتعمقها مع أنها محورية، وهى على النحو الآتى: لزوم التعاون مع مصر إلى أقصى حد فى محاربة الارهاب. الرعب من مولد عراق أخرى على غرار عراق صدام حسين. لزوم وجود قائد قادر على اتخاذ قرارات فى مجال السياسة الخارجية دون اعتبار للرأى العام، وبالتالى دون اعتبار لمتطلبات الديمقراطية التى تعنى حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب. والرأى عندى هو على النحو الآتى: القول صحيح بلزوم التعاون مع مصر فى مكافحة الارهاب، ولكن الأصح يكمن فى ضرورة الجواب عن السؤال الآتى: لماذا هذا اللزوم؟ لأن مصر هى مصدر الارهاب والسؤال بعد ذلك: لماذا هى كذلك؟ ضد إحياء الخلافة الاسلامية التى انتهت فى عام 1924 بقرار من كمال أتاتورك. وجاء صدور كتاب الشيخ على عبد الرازق المعنون «الاسلام وأصول الحكم» فى عام 1925، أى بعد عام من إنهاء الخلافة الاسلامية تأييداً بطريق غير مباشر لكمال أتاتورك. وقد يقال رداً على هذا الرأى بأن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف قد أصدرت حكماً باجماع الآراء باخراج الشيخ على عبد الرازق من زمرة العلماء ومصادرة كتابه. وتأييداً لهذا الحكم تأسس حزب الاخوان المسلمين فى عام 1928، أى بعد ثلاث سنوات من إصداره. وكانت الغاية من تأسيسه إحياء الخلافة الاسلامية ليس فقط فى العالم الاسلامى بل على كوكب الأرض. والرئيس أوباما فى سياسته الخارجية يسير فى هذا الاتجاه، وهو اتجاه معاكس لما تسير فيه مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى وكان ينبغى أن يكون التعاون معه هو جوهر السياسة الخارجية الأمريكية. الرعب من مولد عراق أخرى وارد بالضرورة. صحيح أن أمريكا انتصرت على العراق عسكرياً ولكنها هُزمت ايديولوجياً لأن «داعش» هى العراق بعد الهزيمة. وإذا قيل إن قيادة أوباما للسياسة الخارجية «لغز» على نحو ما يتصور الأمريكيون فهو تصور واهم، إذ هو فى أعماقه أصولى متواطئ مع الاخوان المسلمين فى إحياء الخلافة الاسلامية. لمزيد من مقالات مراد وهبة