لم يقف كثيراً أمام شلل الأطفال الذى أعاق حركة ساقيه منذ أن كان طفلا لم يكمل العام الأول، وكانت رعاية والديه بمنزلة «ساقين بديلين» يسير عليهما فى مشوار حياته، ولم ييأس لعدم حصوله على وظيفة بعد تخرجه فى الجامعة، بل ترك قريته فى المنيا وقصد القاهرة للبحث عن عمل، حتى قادته المصادفة إلى ممارسة رياضة رفع الأثقال، وبالإصرار والعزيمة حصل على المركز الأول فى جميع البطولات التى شارك فيها .. إنه البطل «الذهبى» شريف عثمان الذى حصد 3 ميداليات ذهبية أوليمبية متتالية آخرهم «ريو دى جانيرو» بالبرازيل. ولد شريف عثمان عام 1982 فى قرية «صفط أبوجرج» التابعة لمركز بنى مزار بمحافظة المنيا، من أسرة متوسطة كباقى أسر الصعيد، تتكون من أب وأم وخمسة أبناء، 4 من الصبيان وفتاة واحدة، هو أكبرهم عمرًا، وأصيب بشلل الأطفال فى الساقين عندما كان عمره عامًا، نتيجة سخونة عادية أثرت على العضلات. وفى عام 1988 دخل شريف مدرسة صفط أبوجرج الابتدائية، وكان طالبًا مجتهدا، وتخطي المرحلة الابتدائية بنجاح، ثم التحق بمدرسة صفط أبو جرج الإعدادية، وبعد انتهاء هذه المرحلة، دخل مدرسة بنى مزار الثانوية بنين، وقضى فيها عامًا واحدًا، ثم انتقل إلى مدرسة صفط أبو جرج الثانوية التى أنشئت فى القرية، ووفقه الله وتخطى المرحلة الثانوية بنجاج بسبب تشجيع والده ووالدته وأهل قريته الذين عاملوه كطفل سليم وليس معاقًا. وفى هذا التوقيت وبسبب المعاملة الطيبة من الناس فكر شريف جديًا أن يفعل شيئا كبيرا فى حياته لرد هذا الحب، كأن يصبح ضابط شرطة أو رياضيًا مشهورًا أو رجل أعمال كبير حتى يرد لهم الجميل، وفى عام 1999وبعد اجتيازه مرحلة الثانوية العامة التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة المنيا، وبدأ فى أثناء فترة الجامعة ممارسة رياضة رفع الأثقال لبناء جسم رياضى والحفاظ على صحته، وتخرج فى الجامعة عام 2003. ومثل باقى شباب الصعيد، وجد شريف صعوبة فى إيجاد عمل بعد التخرج، وفى 24 يونيو 2003، عقد العزم على السفر إلى القاهرة، وعمل فى شركة استيراد جلد صناعى وإكسسوارات، واستمر فى هذا العمل لمدة عامين دون ممارسة أى نشاط رياضى. بالمصادفة البحتة فى أثناء تجوله بمنطقة العتبة، تقابل مع صديق قديم من أيام الجامعة وهو الكابتن غريب محمود كان يلعب أيام الجامعة مصارعة زراعين وهو معاق أيضا، واقترح عليه العودة للرياضة والتمرين مرة أخرى، ورجع شريف فى بدايات 2005 للتمرين معه فى استاد الشرطة الرياضة، وبدأ مستواه الرياضي يرتفع شيئا فشيئا، حتى رفع ثقل 160 كيلو، ودخل على أساسه بطولة جمهورية فى نهاية 2005 وفاز بها. وبعد حصوله على بطولة الجمهورية انضم شريف للمنتخب فى شهر ديسمبر 2005، وعسكر فى المنتخب من أجل الاستعداد لبطولة العالم فى شهر يونيو 2006وفاز بالميدالية الفضة، ورفع فيها ثقل 175 كيلو، وهذه كانت الميدالية الفضية الوحيدة التى حصل عليها فى حياته، وحصل بعدها على 13 ميدالية ذهبية فى 13 بطولها دولية شارك فيها من أهم وأقوى البطولات التى حصد فيها شريف الميدالية الذهبية وحقق رقماً قياسيا كانت بطولة أوليمبياد بكين عام 2008 التى كانت أقوى بطولة بالنسبة له، ويأتى بعدها أوليمبياد لندن 2012، وأخيرا أوليمبياد البرازيل 2016. شريف متزوج وله 3 أبناء، ويعيش حياة أسرية جميلة، بسبب رعاية زوجته له ولأبنائه، وبذلها كل الجهد لكى يتفرغ للتدريب وتحقيق البطولات، ويتمنى أن يكون حظ أبنائه فى الحياة أفضل كثيرا من حظه، لأنه كشخص ذى إعاقة يشعر بتمييز واضح وصريح بين الرياضيين الأصحاء والمعاقين، ويظهر هذا التمييز فى المكافآت التى تصرف من وزارة الرياضة للمشاركين فى البطولة الأوليمبية والباراليمبية، حيث يحصل الرياضى السليم على 5 أمثال ما يحصل عليه الرياضى ذو الإعاقة. ويطالب شريف المسئولين عن الرياضة بالاهتمام بالرياضيين ذوى الإعاقة طوال الوقت، وليس فى مرحلة حصد البطولات فقط، ومساواتهم بالرياضيين الأصحاء ولو تطلب ذلك تغيير اللوائح والقوانين المنظمة لرياضة ذوى الإعاقة. لم يستطع شريف وصف إحساسه وهو يرفع علم مصر عاليا على منصة التتويج، بعدما حقق رقماً قياسيًا فى دورة الألعاب الباراليمبية التى اختتمت الأحد الماضي عندما رفع ثقل 211 كيلو جراما، وحصل على الميدالية الذهبية الثالثة على التوالى فى هذه الدورة التى تقام كل 4 سنوات، لأنه أدخل الفرحة إلى قلوب 90 مليون مصرى. وقام شريف بأداء التحية العسكرية وهو على منصة التتويج لأنه كان يحلم وهو صغير أن يصبح «ضابطا»، وعندما لم يتحقق الحلم، أدى التحية من باب الفخر والتقدير للجيش المصرى والشرطة. ويهدى شريف الميدالية الأوليمبية الذهبية الثالثة إلى زوجته، لأنها أكثر إنسانة وقفت بجانبه وتعبت معه طوال مشوار حياته، مؤكدا أنه سوف يعمل خلال الفترة المقبلة دون ملل أو تعب حتى يحقق حلمه ويحصل على 6 ميداليات ذهبية أوليمبية.