فى عيد الفلاح مازال البحث جاريا عنه لتقديم التهنئة والأسئلة التى مازالت تبحث عن اجابة بخصوص اختفائه وهل جاء قسريا أم طوعيا. على جدران المعابد المصرية فى الأقصر وأسوان، نرى الفلاح المصري منحوتاً وهو يروي أرضه بالشادوف، نفس الآلة التى كانت تستخدم منذ سنوات قليلة وانقرضت بعد بناء السد العالي لتحل محلها ماكينات رفع المياه، وفى مقابر الفراعنة هناك أوان تحتفظ ببذور جافة لكل المحاصيل التى كان يزرعها الفلاح القديم منذ خمسة آلاف سنة. قمح وشعير وذرة، هى نفس المحاصيل التى كان يزرعها المصري القديم ومازال الأحفاد يزرعونها حتى الآن. زاد عليها القطن الذى أدخله محمد على حاكم مصر وراعي نهضتها الحديثة، والأرز الذي توسعنا فى زراعته بعد بناء السد العالي، ونسعى الآن للحد منه.جرت فى النهر مياه كثيرة، وتغيرت الظروف وتبدلت الأحوال وأصبحنا على أبواب شح مياه يطرق الأبواب بكليتا يديه، ليصبح محصول الأرز الذى كنا نسعى للتوسع فى زراعته في السبعينيات يشكل الآن تهديداً حقيقياً على مواردنا المائية المحدودة، ونسعى بكل حسم لمقاومة التوسع فى زراعته. كما اختفت نوارة القطن التي كان يغني لها المصريون "نورت يا قطن النيل يا حلاوة عليك يا جميل" بعد أن فقدت القدرة على التنافس مع أقطان عالمية طورت نفسها بالتكنولوجيا الحديثة والتكلفة القليلة وأصبح استيراده ارخص من زراعته.إن مصر التى علمت العالم الزراعة تأخرت كثيراً فى مواكبة التكنولوجيا الزراعية الحديثة والهندسة الوراثية التي حققت طفرة فى الإنتاج على مستوى العالم كله. وقد تقلصت نسبة مساهمة الزراعة فى الدخل القومى السنوى الى 14% فى السنوات الاخيرة، بينما يمثل الفلاحون 35 % من اجمالى قوة العمل فى مصر. فلاح اليوم مساحة أرضه محدودة نتيجة تفتت الملكية بسبب التوارث او البيع، فدان واحد هو متوسط الملكية للفلاح فى الأراضى القديمة بالوادى والدلتا، وبالتالى ترتفع تكلفة إدخال الري الحديث فى أرضه، فيستمر فى الري التقليدي بطريقة الغمر كما كان يمارسها قدماء المصريين، والتي تهدر كميات هائلة من المياه.الفلاح الآن يرتدى القميص والبنطلون ويعمل موظفاً أو مدرساً أو سائقاً على ميكروباس أو توكتوك، يقضي نصف نهاره فى عمل، والنصف الثاني يتابع أرضه، لم يعد لديه الوقت ليروي الأرض بالليل ليوفر المياه، لأنه يقضي الليل أمام شاشة التليفزيون يتابع الفضائيات والتوك شوز. وبالرغم من أن فلاح اليوم حاصل على قسط من التعليم يتمثل فى مؤهل متوسط على الأقل، فان مقدار علمه وخبرته فى الزراعة لا تقارن بأسلافه.تجمد الفلاح المصري وسبقه الزمن السريع الذي لا يتوقف، فهو مازال محافظاً على تراث أجداده في أساليب الزراعة والري، بينما تطور العالم كله من حولنا. اذا أردنا ترشيد استهلاك المياه يجب أن نبدأ من تعليم الفلاح الجديد أصول الزراعة الحديثة، التي تعتمد على كمية مياه أقل، وتعطي فى الوقت نفسه إنتاجية أكبر، مع تبني طرق الزراعة العضوية وتكنولوجيا الهندسة الوراثية التي تستنبط سلالات جديدة صالحة للتصدير. إذا أردنا زيادة الدخل القومي يجب أن نهتم بالميزات التنافسية التى نمتلكها على أرضنا، يجب أن يتم اختيار المحاصيل على أساس اقتصادي وهو أعلى عائد ممكن من المتر الواحد من المياه. وهذا التعليم لن يتم إلا بوجود إرشاد زراعي فعال ومدرب، واهتمام بالفلاح مسمار استقرار هذا البلد وسنده فى الشدائد والملمات. لمزيد من مقالات د. خالد وصيف