مع الاعلان عن توعك المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الأسبوع الماضي وانسحابها من أهم تجمع جماهيري سنوي في نيويورك، وهو الاحتفال بسنوية الحادي عشر من سبتمبر ،صعدت نسب القابلين بالسيد ترامب علي مضض، وأصبحت الاحتمالات تقريبا متقاربة في استطلاعات الرأي العام بين المرشحين. هذه الاستطلاعات التي يعول عليها خبراء ومتابعو السياسة الأمريكية، حيث استقر أن ما تشير إليه، خاصة في شهر سبتمبر ، في الغالب يتحقق. صحيح أن الانتخابات الأمريكية بعيدة جغرافيا عنا، إلا أنها تؤثر بشكل أو آخر علي مجريات الأمور في منطقتنا، وهي المنطقة الأكثر اضطرابا وتعج بالتوتر، في عدد مجلة الفورين أفيرز (سبتمبر أكتوبر) الذائعة الصيت المتوافرة في الأسواق، يكتب جو بايدن نائب رئيس الجمهورية ورفيق السيد باراك أوباما مقالا عن (تركة ادارتهما) طبعا مليئا بما يراه من إيجابيات قد تحققت، لكن اللافت انه يقول في مقدمة الموضوع ان (الإدارة القادمة للبيت الأبيض سوف تواجه عقبات في السياسة الخارجية لم تواجهها الولاياتالمتحدة من قبل لا في أثناء الحرب الباردة، ولا حتي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ، هي صعوبات أكبر وأخطر ). ولم يكن السيد بايدن بعيدا عن الحقيقة فيما قال، فقد كان في وسط إدارة الرئيس أوباما وكلف بملفات في الشرق الأوسط وفي آسيا خطيرة فهو في موقع العارف.بالنظر الي نتائج الانتخابات فإننا أمام احتمالين أولا أن يصل إلي البيت الأبيض ترامب أو السيدة كلينتون. في الحالة الافتراضية الأولي، فإن السيد ترامب حتي لو أراد تحقيق جزء يسير من وعوده الانتخابية فإنه سوف يصطدم بعدد من المشكلات، أولاها نابع من منطقتنا، فكيف سوف يتصرف مع (الإرهاب) الذي وعد باستئصاله وإبعاده عن شواطئ الولاياتالمتحدة ؟ لعل الأقرب هنا أن توضع (قوائم سوداء) لأبناء الشرق الأوسط والعرب بالتحديد من أجل منعهم من الدخول للولايات المتحدة، هذه القوائم سوف تشكل سابقة قد تتبعها بعض دول أوروبا في سياسة خارجية مختلفة كليا عما عرفه العالم، كما أن خبرة السيد ترامب المحدودة في العمل السياسي بشكل عام والخارجي منه علي الخصوص سوف تنعكس علي عدد من الخيارات اقلها عدم الدراية الذي قد يؤدي إلي كوارث، فإن أمريكا سوف تلبس قناع (الكاوبوي) في عهده، كما لم تلبسه قط في أي عهد سابق ، وإذا أضفنا ما يقوم به اليوم من (مغازلة) للعسكرية الأمريكية وأيضا شركات صناعات السلاح الأمريكي، فإن العالم بالتأكيد سوف يدخل في مرحلة مغايرة للسلم العالمي الذي نعرف، وربما تنشأ صراعات غير محدودة في ضوء ما قال عنه السيد بايدن ان (التحديات غير مسبوقة) يمثل اكبر التحديات القادمة ما شرعه مجلس النواب الأمريكي في الأسبوع الماضي من (حق المتضررين من كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 برفع قضايا ضد المملكة العربية السعودية) هذا القانون الذي من المتوقع ان يعترض عليه البيت الأبيض، لكن في ضوء الأجواء العامة في أمريكا يمكن أن يحصل علي النسبة القانونية لتمريره بعد ذلك ، قد يشكل أكبر التحديات للقادم الجديد، وإذا افترضنا أنه ترامب فذلك سيسعده ، لأنه حريص علي أن يستنزف مال الآخرين. لذلك سوف تفتح شهية أهالي المتضررين إلي استنزاف ما يمكن استزافه من الاخرين، وعلي امتداد هذا الافتراض، فإن سوق مزايدات سوف تفتح وليس له سقف من رفع قضايا التعويضات و التعويضات المضادة، مما سوف يسبب صداعا للعمل الخارجي الامريكي ويحرفه عن مساره. ليس المشكلات التي سوف تواجهها السيدة هيلاري كلينتون باقل من المشكلات التي تواجه ترامب في حال فوزها، مع فارق أنها أكثر خبرة وتأهيلا في العمل السياسي العام والخارجي علي السواء، فنحن نعرف من الكتب، التي أصدرت و من المقابلات التي أجرتها، خاصة في لجان الاستماع في الكونجرس، وجهة نظرها في الكثير من الأمور المركزية الخاصة بالسياسة الخارجية، فهي مثلا ليست علي علاقة جيدة بالسيد فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، وقد قالت علنا إنها علي خلاف معه في عدد من القضايا أبرزها الموضوع السوري وأيضا التمدد الروسي شرقا خاصة في احتلاله لجزيرة القرم وشرق أوكرانيا، واحد الأسباب التي تجعل من روسيا اليوم تسارع للوصول إلي اتفاق مع إدارة اوباما معرفتها الأكيدة بأن السيدة كلينتون سوف تكون شديدة المراس في هذه القضايا، ايضا نعرف وجهة نظرها في إيران، فقد وصفتها في أكثر من تصريح أنها (راعية الإرهاب) وأن (الحرس الثوري الايراني) منظمة ارهابية مثله مثل (حزب الله) في لبنان، فإن الاحتمال والأمر ذاك أن تفتح ملفات كانت ادارة اوبما تعالجها (بتودد) وحتي (ببعض التنازلات) من هنا ربما جاءت اشارة جو بايدن (أن القادم غير مسبوق) بقي عن ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية بضعة أسابيع ،وهي المعركة الانتخابية الأكثر حدا واستخدمت فيها جميع الأدوات، إلي درجة أن البعض يري أنها تخطت الحدود المتعارف عليها في الديمقراطيات الغربية، بل تأذن بأفول تلك الممارسة كما عرفت منذ سنوات طويلة . العالم يشهد تغيرا جذريا في العلاقات الدولية، يشبه كما يري البعض الاجواء التي سبقت الحربين الأولي والثانية العالميتين، وقد يكون الصراع القادم أكثر تكلفة للبشرية من أي تكاليف تكبدتها حتي الآن، فالعالم الغربي يستقطب بين (يسار متطرف ) و(يمين متطرف) ويظهر ذلك في الانتخابات التي تمت حتي الآن في بعض مدن أوروبا، سواء في بريطانيا أو ألمانيا. السؤال الكبير وماذا عنا نحن العرب الذين نخوض حروبا أهلية مريرة وحروبا اقتصادية قاسية وتسري بيننا أفكار ذات تشدد تحمل في الأوعي ثقلا نتاج قرون من التخلف! وترفع درجة التوتر الاجتماعي إلي حد تقسيمنا بين ( قاتل ومقتول). لمزيد من مقالات محمد الرميحي