وكأن الزمن لم يمر من هنا.. باب من الحديد الفورفوجيه على شكل آلة الهارب فى 34 شارع بهجت على بالزمالك، هو الأثر الوحيد الباقى الذى يشهد على ميلاد أعظم الألحان، حيث اختار هذا المكان الموسيقار الراحل بليغ حمدى ليكون مكتبا له، بجوار منزل سيدة الغناء العربى أم كلثوم. بعد أن تحول هذا المكتب لمحل لبيع السجاد، تغيرت معالمه كلها، ولم يبق إلا هذا الباب الذى صممه بليغ معلنا بأعلى صوت »هنا كان يوجد فنان عظيم« ..فنان ترجم كل أحاسيسه ومشاعره إلى نغمات فى رحلة مليئة بالعطاء..تأثر بالهزيمة فلحن «عدى النهار» وانفعل بالنصر فعسكر فى مبنى الإذاعة للغناء لمعشوقته فأبدع «يَا حبيبتى يا مصر»، كما أبدع فى الغناء الصوفى فلحن للشيخ النقشبندى عدة أعمال منها «مولاى إنى ببابك»، وحتى فى الغربة ترجم حالته النفسية لموسيقى فكتب «بودعك وبودع الدنيا معك»، محدثا مصر، كما كشفت الفنانة وردة من قبل، حيث غنى للوطن كما لو كان يغنى للحبيبة، وغنى للحبيبة كأنها الوطن. كان كل حلمه أن يعيد الحياة للموسيقى الشعبية، فقام بجولة فى قرى ونجوع مصر ليسمع ويدرس الوجدان الشعبى فبرع فى ألحان الفلكلور مثل «على حسب وداد قلبى - عدوية» وهذا ما يتفق معه الكاتب الصحفى سمير شحاتة حيث يقول: «بليغ معجون بالوطنية وعشق الموسيقى وفى لقاء صحفى معه عبر عن قلقه على الموسيقى لاختفاء حصة وكراسة الموسيقى من المدارس كما اختفى البيانو من جهاز العروسة». وفى الفيلم التسجيلى «بليغ لحن الشجن» بطولة المذيعة مها بهنسى وتأليف وإنتاج وإخراج أشرف خليل، يدور الفيلم فى إطار روائى وثائقى من خلال فتاة تستمع بالصدفة لموسيقاه فتبدأ رحلة البحث عنه. ويدخل المشاهد معها عالمه من خلال تعليق الشخصيات التى لها علاقة مباشرة به مثل الملحنين حلمى بكر ومحمد نوح والإعلامية سلمى الشماع والذين أجمعوا على عشقه لوطنه، وأن كل نفس كان يتنفسه قدم من خلاله نغمة جديدة. وهنا يقول أشرف خليل: أعتقد أن اضطرار بليغ للخروج من البلد كان موته الحقيقي..حيث كانت حالته النفسية فى باريس سيئة جدا، بعد أن اضطر لمغادرة مصر لمدة 5 سنوات بسبب قضيته الشهيرة، ثم حكم ببراءته، وعاد لمصر لكن ازدادت صحته تدهورا، فغادر للمرة الأخيرة لباريس للعلاج ومات بها في12 سبتمبر 1993 وعاد ليدفن فى تراب مصر.