► شبكة الرفاق .. والقائد المقرب .. وأزمة الانتماء .. بين آليات تجنيد المقاتلين الأجانب
في محاولة لفهم التطور السريع في ظاهرة «التكفيريين الأجانب» أو «المقاتلين الوافدين»، ودروها في توجيه أهم النزاعات الحاضرة خاصة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا فيما يتعلق بساحات القتال في سوريا، والعراق، وليبيا، أصدر المعهد الايطالي لدراسات السياسة الدولية ISPI، دراسة شاملة تحت عنوان «البؤر الجهادية (التكفيرية) .. فهم عملية التطرف على المستوى المحلي». وتسعى الدراسة، التى أعدها الباحثان علي سوفان، ودانيل تشوينفيلد، إلى تقديم اجابات للأسئلة التي تشغل رجال السياسة والقيادات الأمنية دوليا، حول الظاهرة التي لا تعد جديدة كليا أو غير مسبوقة، فهناك تجارب سابقة في توظيف « الفكر المتطرف» في تجنيد وتوجيه المقاتلين الأجانب لإدارة النزاعات عبر الحدود. لكن زيادتها العددية، هذه المرة، واعتمادها كعنصر أساسي في رفع أسهم تنظيمات مثل تنظيم داعش، وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى فاعليتها ميدانيا بشكل فاق مختلف التجارب السابقة، ويضاف إلى ذلك تطور دور « الجهادي العابر للحدود» في مرحلة ما بعد العودة للمجتمع الأم، وتكرار وقائع توظيف خبراته وتجاربه في توجيه ضربات تخريبية إلى مراكز التجنيد الأولى أو مواقع مستهدفة أخرى. ويتطلب ذلك كله مقاربة مختلفة ومحاولة جديدة لفهم بواعث وطبيعة الظاهرة في صورتها الحاضرة، فيستعرض «الأهرام» هنا أحد أهم فصول الدراسة والمعنون: « البؤر الإقليمية : محركات عملية التطرف»، الذي يقدم ما يشبه الخريطة الوافية لأهم مراكز تجنيد وتصدير التكفيريين حول العالم. ويتضح، بمطالعة سريعة، انتشار هذه المراكز بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وغرب أوروبا، ودول القوقاز والاتحاد السوفيتي السابق، بالإضافة إلى الولاياتالمتحدة. ويلاحظ، مبدئيا، صعوبة حصر التعداد الفعلي لفرق التكفيريين العابرين للحدود، خاصة مع تعمد بعض الحكومات التعتيم بشأن مواطنيها المتسربين إلى هذه الفرق، لكن تشير المعلومات المتوافرة، والعهدة على الدراسة، إلى أن نزاعات العالم الإسلامي جذبت خلال الفترة بين عامي 1980 و2011 ما بين عشرة إلى ثلاثين ألف تكفيري، ليتم تسجيل طفرة مهولة وفقا لتقارير أجهزة المخابرات الأمريكية في سبتمبر 2015، والتي أشارت إلى مشاركة 30 ألف تكفيري من 100 دولة حول العالم، ويعود الرقم للارتفاع إلى 38 ألف مقاتل انضموا إلى صفوف داعش، وفقا لتقديرات مارس 2016. وتتوجه هذه الموجة في الأساس إلى سورياوالعراق، ويلاحظ إضافة ليبيا مؤخرا إلى قائمة الوجهات القتالية الرئيسية. وفيما يخص المراكز الجغرافية التي تعد « حاضنات» لإعداد المقاتلين ومراكز توريد العناصر التكفيرية، تشير الدراسة إلى أن أغلب العناصر مصدرها دول الجوار السوري والعراقي في أقاليم الشرق الأوسط (متضمنا تركيا) وشمال إفريقيا، بمقدار حوالي 16 ألف شخص، مع قيام دول مثل تونس، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، والأردن، بدور أكبر الموردين. وتأتي أوروبا الغربية في المرتبة الثانية، فتسهم بحوالي 5 آلاف مقاتل، أكثرهم من أربع دول فقط لا غير، يليها دول منطقة القوقاز والاتحاد السوفيتي السابق بإجمالي 4700 شخص، فيما رجحت تصريحات رسمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتفاع ذلك الرقم إلى سبعة آلاف دفعة واحدة. ومن المرجح مشاركة دول جنوب شرق آسيا بما لا يقل عن 900 مقاتل، وحوالي 875 مصدرهم دول البلقان. وعند استعراض المراكز الموردة، يلاحظ عدة نقاط : أولا، اختصاص مناطق بعينها ومدن أو قرى محددة في كل دولة، ودون باقي الدولة ذاتها كحاضنة لتفريخ التكفيريين العابرين للحدود، فيصعب فهم أسباب تفرد هذه المراكز تحديدا وتطورها إلى مورد دائم للمقاتلين، ويصعب أكثر فهم عدم تطور مناطق أخرى للقيام بالدور ذاته، إذا ما كانت الأخيرة تتسم بنفس الخصائص الاقتصادية والاجتماعية. وثانيا، فيما يخص الموجهات، يلاحظ أن الأزمات المحلية والمشاكل الشخصية تعد الموجه المشجع لعملية التجنيد، ولا يعني ذلك غياب الحساسية إزاء القضية الكبرى أو الشعور بمعاناة أهالي سورياوالعراق والاقتناع بضرورة التدخل لمناصرتهم، ولكنه البحث الأزلي عن الهوية والسعي وراء الانتماء، الذي يوجه المقاتل الجديد في المقام الأول. وثالثا، لا تقوم شبكات التجنيد في المراكز الموردة على نطاق واسع ومتشعب باجتذاب عناصر معروفة أو غير معروفة، ولكنها تتسم بهيكل الشبكة المحدودة القائمة في أوساط الأصدقاء والمعارف، مما يشكل نمطا من الترابط والولاء. ويتمحور نشاط هذه الشبكة في العادة حول شخص الداعية الذى يتسم بالحضور والقدرة على التأثير والجذب، ويبرز دور داعية التجنيد ذلك في البؤر الأوروبية تحديدا، فيعتمد هذا الداعية على سماته الشخصية في الأساس، وعلى قدراته الهيمنة على شبكة التجنيد التي تتسم بالمحدودية كما أوضحنا سابقا، فضلا عن معرفته الوثيقة بمعضلات وأزمات محيطه، ما يجعله يعدل من خطابه وفقا لهذه المعرفة، ويجعل تواصله مع المجندين المحتملين أيسر، وقدرته على التأثير والجذب أكبر. ويلاحظ أنه حتى بتفكك الشبكة لأسباب أمنية أو لغياب الداعية المهيمن، لا يغيب تأثير الشبكة وإرثها عن الموقع الجغرافي كليا، بل تبقى بشكل أو آخر لتنشط، ويتم البناء على الخبرات والمعارف السابقة في دعم حركات تكفيرية تالية. وأخيرا، تحتشد آلية التواصل المباشر الشخصي، مع التسهيلات التي توفرها «وسائل التواصل الاجتماعي» في خلق ما تصفه الدراسة ب»عاصفة التجنيد المثالية». ويمكن تحقيق فهم أفضل لنقاط التوافق والاختلاف بين مراكز تجنيد وتوريد التكفيريين والمقاتلين الأجانب، عبر استعراض بعض النماذج لأبرز هذه النماذج وفقا لتوزيعها الجغرافي وكما ورد في الدراسة الايطالية وذلك كالتالي : أولا: منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا : تونس : تعد تونس أكبر مورد للتكفيريين في سورياوالعراق، بالإضافة إلى 1500 آخرين توجهوا إلى ليبيا، مع توقعات بزيادة ذلك الرقم في المستقبل القريب، وترجح التقديرات الرسمية تعداد المقاتلين التونسيين في صفوف التنظيمات المتطرفة بحوالي 6 آلاف، يرتفعون إلى 7 آلاف في تقديرات أخرى، وهو ما يمثل 55 مقاتلا مقابل كل مائة ألف من إجمالي تعداد سكان تونس المقدر ب11 مليون نسمة، ويشكل المقاتلون التونسيون حوالي نصف تعداد القوات الأجنبية في ليبيا. وعلى الرغم من ضخامة العدد المشارك من المقاتلين التونسيين في تشكيلات المليشيات المتطرفة، فإن تلك الفرق ترد من ثلاثة مراكز رئيسية داخل البلاد هي مدن بن قردان وبنزرت، بالإضافة إلى ولاية القصرين. وتعتبر بن قردان أكبر حاضنات التكفيريين في العالم، بتوريدها 15% من إجمالي مقاتلي البلاد في الخارج، ومسقط رأس منفذي هجمات رئيسية مثل عملية متحف باردو التونسي في مارس 2015، وعملية منتجع سوسة في يونيو من العام ذاته. وتقع المدينة الساحلية جنوبا، بالقرب من معبر حدودي مؤد إلى الأراضي الليبية، وتعرف بأنها مركز أساسي لعمليات التهريب وتصدير المقاتلين على حد سواء، ومكانتها راسخة في مجال توريد المقاتلين منذ الأيام الأولى لحرب الخليج الثانية، ودورها ممتد، حتى أن أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس جناح تنظيم القاعدة في العراق، قال عنها « إذا كانت بن قردان بالقرب من الفلوجة .. لتمكننا من تحرير العراق». وتتاخم بن قردان أكبر المراكز السياحية في البلاد، والتي تشكل عصب الاقتصاد التونسي، لكنها على خلاف هذه المراكز لا تحظى باهتمام وتمويل حكومي لائق، فيعاني سكانها من ارتفاع شديد في معدلات الفقر والبطالة، بالإضافة إلى العزلة الثقافية والحضرية عن باقي المجتمع التونسي، وهو ما يجعلها بيئة مثالية لدعاة التجنيد واستغلال نقاط الضعف والأزمات الشخصية لدى المجندين المحتملين. وتتشابه الظروف الاقتصادية والعزلة الجغرافية لبن قردان مع مثيلاتها في ولاية القصرين، حيث تقع الأخيرة بالقرب من الحدود المشتركة مع الجزائر، في واحدة من أفقر أقاليم تونس، وأسهم الموقع الجغرافي والطبيعة الجبلية للولاية في جعلها مركز تجمع وتواصل بين التكفيريين على الجانبين الجزائريوالتونسي. وتعد الولاية من أقدم مراكز توريد المقاتلين لساحات النزاع الإقليمية، فقد شكل أبناء الولاية، جانبا كبيرا من المجموعة التونسية التي شاركت في أنشطة مسلحة باسم «الجهاد» ضد القوات السوفيتية في أفغانستان خلال حقبة الثمانينيات، وتعد حاضرا منصة مهمة لانطلاق أنشطة دعاة التجنيد لصالح « داعش». وتعتبر بنزرت ثالث أكبر مراكز توريد المقاتلين التونسيين، فتسهم ب11% من إجمالي المقاتلين في سورياوالعراق، وأسهمت الخلفية التاريخية للمدينة في منحها هذه المكانة، لاستقبالها المئات من التكفيريين الذين ظلوا رهن المعتقلات حتى ثورة 2011، لينتقلوا بعدها إلى بنزرت حيث تكونت أحد أهم وأكبر شبكات التجنيد التكفيري في تونس والمنطقة. ليبيا: تتميز ليبيا بمكانة مزدوجة، فهى مركز لتوريد التكفيريين ووجهة رئيسية لاستقبالهم في الوقت ذاته، كما أن غياب حكومة مركزية قوية واستمرار الفراغ السياسي والآمني في البلاد، يحول دون تقديم تقديرات موثقة حول إجمالي المساهمة الليبية في تشكل الفرق التكفيرية في سورياوالعراق، وإن ترجح بعض المصادر وجود حوالي 600 مقاتل ليبي في صفوف تنظيمات داعش وغيرها هناك. وأصبحت ليبيا وجهة في حد ذاتها في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة، حيث يزداد اهتمام التنظيمات المتطرفة مؤخرا بتوجيه مجنديها الجدد إلى هناك. أما مراكز التوريد المحلية، فتأتي مدن سرت ودرنة في مقدمة حاضنات التكفيريين في ليبيا، فقد نجح تنظيم «داعش» عند دخوله سرت في توظيف الحقائق الديموجرافية هناك لصالحه، فسارع بالتعامل مع واقع أنها مسقط رأس الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، ومركز لقبيلته، باجتذاب العناصر الموالية للنظام القديم والمتجذرة في المجتمع الليبي المحلي، لتتحول المدينة إلى أحد أهم مراكز التجنيد وعاصمة للتنظيم بمنطقة البحر المتوسط وشمال إفريقيا، مع توقعات بزيادة الأهمية الاستراتيجية لها، مع زيادة المحاصرة الدولية لمراكز عمليات داعش في كل من العراقوسوريا. ويشكل دخول داعش إلى مدينة درنة في عام 2014 مجرد حلقة جديدة في تاريخ المدينة كمنصة للأنشطة التكفيرية والأيديولوجية المتطرفة على المستوى الاقليمي. فقد بدأت أهمية المدينة مع خمسينيات القرن الماضي عندما استقلبت عناصر هاربة من جماعة الإخوان المسلمين، وأسهم ذلك، مع سياسات القمع التي مارسها القذافي بحق الجماعات الإسلامية، في ذيوع الفكر المتطرف في درنة وتصديرها للتكفيريين على مدار حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، فشارك مقاتلو درنة في المعارك الأفغانية ضد السوفيت، وبعدها في حرب العراق الثانية، وتكشف الوثائق المتداولة بين قيادات القاعدة في العراق، أن أغلب منفذي التفجيرات الانتحارية هم من واردي درنة الليبية. وقد تم طرد تنظيم «داعش» من درنة في يونيو 2015، ولكن هذا لا يعني تخلص المدينة من إرثها وسمعتها في أوساط الحركات التكفيرية المتطرفة. مصر : يقدر عدد المقاتلين الوافدين من مصر للمشاركة في أعمال القتال في كل من العراقوسوريا، وذلك وفقا للتقديرات الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية بحوالى 600 مقاتل، وكانت منطقة شبه جزيرة سيناء قد شكلت تناميا في مستويات عدم الاستقرار منذ عام 2011، بمحاولات جماعات مثل أنصار بيت المقدس اختراق المنطقة والهيمنة عليها، خاصة عقب إعلان زعيمها أبو أسامة المصري في عام 2014 تحالفه مع أبو بكر البغدادي وتشكيلهما معا تنظيما مشتركا في محاولة لخلق موقع قدم لتنظيم داعش داخل الأراضي المصرية. وقد نجحت السلطات المصرية من حينها في تنفيذ استراتيجية مزدوجة للتعامل مع مساعي الاختراق، بأعمال سياسة أمنية وعسكرية مكثفة تحاصر وتحبط مساعى الدخول الداعشي، مع توجيه جانب كبير من المخططات التنموية ومخصصات تحديث البنية التحتية إلى منطقة شمال سيناء. ثانيا: القوقاز والجمهوريات السوفيتية السابقة : يشكل إقليم شمال القوقاز المركز الرئيسي لتوريد المقاتلين العابرين للحدود إلى ساحات القتال في سورياوالعراق، وتحديدا من الشيشان، ووادي بانكيسي. وتشير الدراسة إلى الحقائق التاريخية حول ما شهده إقليم الشيشان من صراع قومي مسلح للانفصال عن الجمهورية السوفيتية، ليتحول الإقليم إلى قبلة المقاتلين الوافدين طوال عقد التسعينيات ويوسع دائرة النشاط التكفيري ليتجاوز الإقليم إلى الرحاب القوقازي الأوسع، فيتم تشكيل إمارة القوقاز الإسلامية عام 2007، التي جمعتها روابط قديمة بتنظيم القاعدة، وتم إعادة توجيه الكثير من عناصرها في مرحلة لاحقة إلى سوريا للانضمام إلى جبهة النصرة، أو إلى تشكيل ولاية القوقاز التابع لتنظيم داعش في المنطقة. وشكلت منطقة وادي بانكيسي مركزا رئيسيا للتجنيد والحشد التكفيري، لكونه مسقط رأس أحد قيادات البارزة لتنظيم داعش، أبو عمر الشيشاني، الذى تولى وزارة الدفاع ضمن تشكيل داعش، وظل رغم مقتله في قصف أمريكي في مارس 2016، أحد أكبر رموز الحركة التكفيرية في القوقاز بفضل حضور ونشاط العديد من العناصر التى نجح في تجنيدها بشكل مباشر أو غير مباشر بتوظيف شخصه وسيرته من قبل آخرين. ثالثا : القارة الأوروبية : بلجيكا : أسهمت بلجيكا وفقا لأحدث التقديرات والصادرة في فبراير 2016، بإجمالي 562 مقاتلا في عمليات القتال الدائرة في كل من سورياوالعراق، ويقارن ذلك بإجمالي تعداد سكان الدولة الأوروبية والبالغ 11 مليون نسمة، مما يشكل أكبر مساهمة من أوروبا الغربية بالمقارنة من تعداد السكان. وتوضح الدراسة أن أغلبية المقاتلين الوافدين من بلجيكا، مصدرهم العاصمة بروكسل، وتحديدا مقاطعة مولينبيك التي تشكل نموذجا لفشل إدماج الأجيال الثانية وحتى الثالثة من المهاجرين الوافدين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، إذ ترتفع في هذه المقاطعة معدلات الفقر والبطالة ومظاهر التهميش في أوساط الجاليات المسلمة، وهو ما يشكل بيئة رحبة أمام الخطاب التكفيري وجهود التجنيد المتطرفة. ويشكل نموذج مولينبيك مثالا جيدا على نجاح الداعية المناسب في اتباع الخطاب المناسب. تشير الدراسة إلى الدور الذي لعبه خالد زرقاني- مغربي الأصل- والمعروف محليا ب « بابا نويل» في استغلال إحباط الشباب والمراهقين من أبناء الجالية المسلمة في مولينبيك، وأصحاب السجلات الإجرامية السابقة، في بناء شبكة مترابطة قوامها العلاقات العائلية والصداقات الوثيقة، ما ساعد في طول عمر هذه الشبكة دون التعرض إلى الكشف عنها. ومحدودية شبكة زرقاني وانغلاقها لم يحل دون اتساع تأثيرها، فقد كشفت التحقيقات عن علاقة ما لا يقل عن 45 عنصرا من العناصر البلجيكية الوافدة لساحات القتال السوري والعراقي، بشبكة مولينبيك لصاحبها الزرقاني، فضلا عن علاقته وشبكته بعبد الحميد عبود، زعيم الخلية المسئولة عن هجمات نوفمبر 2015 في باريس، والهجمات المتتابعة التي شهدتها بروكسل في مارس الماضي. ويلاحظ أن الاعتداءات وردت بعد اعتقال زرقاني ومحاكمته في يوليو 2015، مما يرجح عظيم تأثير ومتانة العلاقات والروابط التي أسستها شبكة مولينبيك، والتي يتوقع أن يكون لها تداعيات طويلة المدى بالنسبة للمجتمع الأوروبي ككل. المملكة المتحدة : تقدر السلطات البريطانية المشاركين من مواطنيها في النزاعات الدائرة بالشرق الأوسط بحوالي 760 تكفيريا، فيما أثار الرأي العام والدوائر الاكاديمية والإعلامية في المملكة المتحدة لتتبع الأسباب الماثلة وراء تضخم هذه الظاهرة. ويصعب الجدل بأن واقع المشاركة البريطانية في الحركة التكفيرية حول العالم يرجع للتطورات الحاضرة في الشرق الأوسط والعالم، ولكن جانب من موجهاته يرجع بجذوره إلى حضور الأيديولوجيا المتطرفة في أوروبا خلال حقبة التسعينيات وقبيل مرحلة هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدة والحرب الدولية على الإرهاب، فقد كان تنظيم القاعدة حاضرا بتوجيهات مباشرة من زعيمه أسامة بن لادن لتحصيل الدعم المالي والعناصر اللازمة للتجنيد على الأراضي الأوروبية. وأسهم في ذلك السياسات المتراخية في رأي البعض والمرنة في رأي البعض الآخر، فيما يخص مسائل الهجرة واللجوء السياسي، التي سمحت للعديد من الدعاة المتطرفين وقيادات الحركات الإسلامية في إيجاد ملاذ آمن لهم في الأراضي البريطانية بعيدا عن الملاحقات القانونية والأمنية في أوطانهم الأم. وعلى الرغم من تعقب واجتثاث السلطات الأوروبية إجمالا والبريطانية تحديدا لمثل هذه القيادات في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، فإن البنية التحتية والخلفية الأيديولوجية لنشاط مثل هذه الحركات كان قد تم تكريسه أوروبيا وبريطانيا بالفعل. وتشير الدراسة إلى نماذج المؤسسين الأوائل لهذه البنية التحتية، ومن أبرزهم أبو حمزة المصري، الذي وصل إلى المملكة المتحدة عام 1979 وجمعته علاقات وثيقة مع قيادات تنظيم القاعدة، وعمر بكري محمد الذي هاجر إلى المملكة المتحدة من سوريا عام 1980 ليؤسس تنظيم «المهاجرون» المتطرف في بريطانيا. وعلى الرغم من هروبه إلى لبنان عقب تفجيرات 7 يوليو 2005 في لندن، فإنه ترك إرثا ومريدين يتقدمهم أنجم تشودري الذي تم اعتقاله من جانب السلطات البريطانية في أغسطس 2015 لدعمه العلني تنظيم داعش، ويعرف بأنه مسئول مباشر عن تجنيد وتوجيه عدد كبير من مقاتلي المملكة المتحدة العابرين للحدود. البوسنة : يشكل قطاع البلقان مركزا تاريخيا لنشاط المليشيات المسلمة، وأسهمت البوسنة وحدها بحوالي 330 مقاتلا من إجمالي 875 ترجح التقديرات أن تكون البلقان قد دفعت بهم إلى ساحات النزاع في الشرق الأوسط. وعلى غرار ما جرى في الشيشان، وأسهمت حرب التسعينيات في جعل البوسنة وجهة للمقاتلين التكفيريين من كل جهة، حتى كانت الهجمات الإرهابية خلال عامي 2010 و2011، والتي استوجبت حركة أمنية موسعة من جانب الحكومة ضد التشكيلات التكفيرية والمتطرفة دفعت بقيادات هذه التشكيلات إلى مناطق نائية من البوسنة، والتي أصبحت بدورها معاقل لنشاط هذه القيادات الهاربة وأتباعهم. وتندرج قرية كورنجي ماوك الواقعة شمال شرق البلاد، في مقدمة هذه المعاقل، حيث لمع نجم الداعية المعروف باسم حسين بلال بوسنيك، الذي ربطته علاقات مباشرة ووثيقة بأغلب عناصر المحيط الاجتماعي له، وقام بتجنيد المئات من مواطني هذه القرية والمناطق المجاورة وتسهيل سفرهم إلى سوريا، فضلا عن تحويل القرية إلى معبر للمقاتلين الوافدين من الدول المجاورة والمتوجهين إلى الأراضي السورية. واستغل بوسنيك الأزمات الاعتيادية في مثل هذه البقاع النائية من تراجع فرص العمل وارتفاع معدلات الفقر وتراجع الخدمات أو انعدامها في جذب المجندين الجدد، فاعتقلته السلطات المحلية وحاكمته في نوفمبر 2015، لكنه كان قد أسس بالفعل شبكة من المتعاطفين مع الأيديولوجيا التكفيرية والنشطاء القادرين على مواصلة عمليات التجنيد والتدريب للمقاتلين الجدد. رابعا : الولاياتالمتحدة : لم تسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية بأعداد كبيرة في حركة المقاتلين التكفيريين، فقد رجحت التقديرات مشاركة حوالي 250 أمريكيا في معارك سورياوالعراق، وما يشكل نسبة بالغة المحدودية بالمقارنة مع إجمالي تعداد الولاياتالمتحدة المقدر بنحو 320 مليون نسمة. لكن يلاحظ من تتبع حركة تجنيد المتطرفين في الولاياتالمتحدة ظهور معقل رئيسي في مينيابوليس، والتي تعرف باستضافتها جالية كبيرة من الأمريكيين أصحاب الأصول الصومالية، والتي كانت مصدرا لتوريد التكفيريين منذ منتصف عام 2000 إلى حركة الشباب الصومالي التابعة للقاعدة، وجرى التحول في مسار تكفيريي مينيابوليس، مع ظهور «داعش»، إلى سورياوالعراق وليبيا. وتقوم عمليات التجنيد في النموذج الأمريكي على اعتماد الوسائط الإليكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي أكثر من التواصل المباشر والذاتي، وعوضا عن فكرة مثول شخص الداعية، جرت أغلب عمليات التجنيد عبر عناصر توجهت إلى سوريا بالفعل لتحاول التواصل من هناك مع الدوائر المقربة منها وتشجيعهم على اتخاذ الرحلة ذاتها، على غرار قضية عبدي نور - 20 عاما - والذي نجح عبر المراسلات الإليكترونية من سوريا في إقناع ستة من أصدقائه بالانضمام إليه، إلا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي نجح في التدخل واعتقال المجندين الجدد قبيل مغادرتهم الأراضي الأمريكية.