نحن فى العادة نسعد ونبتهج كثيرا لمطرب يبدأ رحلته بالتميز والإبداع الحقيقي، وبمقدار تلك السعادة نحزن كثيرا عندما تواجهه كبوة جواد لا يحسن قواعد السباق.. ويحزننا أكثر وأكثر أن بعض المطربين عندما يصل إلى مرحلة معينة من النجومية يفقد تركيزه فيما يقدمه،مما يتسبب فى حالة من التخبط، وبالتالى ينصب تركيزه على أغنيتين أو ثلاثة فى ألبومه الجديد، وربما خيل إليه بأنه إذا قدم أى شىء بلا معنى أو مضمون فستهتف الجماهير باسمه فى الشارع دون وعى أو إدراك، وربما تصور أن تلك الجماهير صاغرة تردد اسمه بسعادة متغاضية عن مستوى ما قدمه، ويبقى كل ما يهمه من وجهة نظره وحده أنها ستستمتع بصوته الشجى العاطفي، ويكفى أنه تنازل وتعطف عليهم وأسمعهم حنجرته الذهبية!. ................................................ هذا الكلام للأسف ينطبق على كثير من المغنيين الحاليين، ومنهم المطرب اللبنانى «وائل جسار» الذى قدم عبر مشواره عدة أغنيات جيدة، من خلال ألبوماته الغنائية، لكنه حتى الآن لم يقدم ألبوما متميزا بشكل كامل، باستثناء «نبينا الزين»، رغم أن الله منحه ميزة ليست متوفره للكثيرين، وهى أنه يملك «القبول فى صوته»، فعندما تستمع إلى صوته لأول مرة تشعر أن هذا الصوت مشغولا بالحنان، يطبطب ويحنوعليك، وأنك تعرفه نظرا لبصمته المميزة، لكن يبدو أن «جسار» للأسف لا يعى خصوصية وجمال صوته، فتجد العشوائية وعدم التركيز تسيطر على اختياراته الغنائية التى لا تتناسب مع حلاوة وعذوبة صوته. منذ فترة قليلة طرح المطرب اللبنانى ألبومه الجديد « عمرى وذكرياته» الذى يتضمن 12 أغنية، كتب كلماتها ( أيمن بهجت قمر، منير بوعساف، أحمد السيد هلال، تركى المشيقح، خالد تاج الدين، محمد الغنيمي، أحمد فوده، محمد البوغه، هشام صادق، وائل الأشقر) ، وتولى التلحين ( وليد سعد، بلال الزين، محمود الخيامي، مصطفى عوض، أحمد محيي، مدين، ملحم أبوشديد )، ووزع الألبوم ( أحمد عبدالسلام، أسامة عبدالهادي، بلال الزين، خالد نبيل، عادل حقي، طارق عبدالجابر، مدحت خميس،ملحم أبوشديد، ومحمد مصطفي) . ورغم أهمية الأسماء التى تعاون معها، لكن « السى دي» مر مرور الكلام ولم يلق أى نجاح فى الشارع المصرى حتى الآن، نظرا لاحتواء معظم أغنياته على كلمات مستهلكة تشعر الجمهوربالملل من سماعها، بإستثناء عدد محدود أو أقل من أصابع اليد الواحدة، كما أن الموسيقى المصاحبه لهذا الكلام موجودة ومنتشرة فى كل الألبومات التى طرحت بالتزامن معه، فلم نجد جملة لحنية جميلة تنتزع من صدورنا آهة إعجاب أوإنبهار، ولا كلمة جديدة مختلفة أو مبتكرة تخطف أذنك وتجعلك ترددها، أو تعيد سماعها، فعلى العكس تماما معظم الكلمات مليئة بالضعف والهوان والذل. يمكننا القول بأنها لايمكن أن تخرج عن مطرب لديه ثقه من نفسه أومنحاز لرجولته، بل أن بعض الأغنيات لايصح أن يغنيها رجلا من الأصل، ولكنها تليق بمطربة رقيقة مثل «أنغام أو جوليا بطرس» مثل أغنية « بتقلى بحبك» كلمات منير بوعساف، وألحان وتوزيع بلال الزين، والتى جاءت كما يغنيها وائل جسار على لسان إمرأة!، فرغم جمال مفردات الأغنية وعذوبتها، ولحن بلال الزين شديد التميز والجمال، لكنها لا تليق حقا برجل، ربما يرجع ذلك لجمال كلماتها ولحنها على الأرجح، والتى يقول مطلعها: « وبتقلى بحبك كلمة حلوة بتحكيها وهيك معيشنى فيها ومنك عارف إنو الحب مش كلمة بتتقال لو خطرت عالبال قبل ما تقللى هالكلمة لازم تفهم معانيها بحبك يعنى تحس بوجعى اللى ما بينحمل بحبك يعنى لما أضعف تعطينى الأمل تبقى حدى وتقوينى لما هالدنيا تبكيني» ولا يقتصر الضعف بصفة عامة على هذه الأغنية فقط، ولكن يتضح أكثر فى أغنية «عمرى وذكرياته» كلمات أحمد السيد هلال، ألحان وليد سعد، الذى لم يكن فى أفضل حالاته اللحنية كما تعودنا، توزيع طارق عبدالجابر، حيث يقول الكوبليه الثالث منها: « أعمل ايه غير انى أفوض أمرى لله وأشتكيك كل ذنب عملتو فيا بكرا راح يطلع عليك روحى كانت تحت أمرك قلبى والله خسارة فيك، مش هسامحك روح يا ظالم الله لا يرضى عليك». هل يعقل أن يخرج هذا الكلام على لسان رجل؟! وكيف يسمح مطرب لنفسه أن يرضى بهذا الضعف والخنوع؟!. وفى أغنية « أجمل حب» كلمات محمد الغنيمي، ألحان مصطفى عوض، توزيع أسامة عبدالهادى يقول: « مش بفتكر كام ليله فيها جيت عليا ولا أى حاجة من الحاجات الوحشة دي» ومعنى هذا أن الحبيب فى أوقات كثيرة كان لابد أن يأخذ من حبيبته « علقة سخنة» أو «دوش كلام فى جنابه» قبل أن ينام! وإلا لماذا يقول: « كام ليلة فيها جيت عليا»!. وفى أغنية « انتبه ع حالك» كلمات منير بوعساف وألحان وتوزيع بلال الزين نجد الحب الذى يبثه الحبيب لحبيبته أكبر من كونه مجرد علاقة حب عاطفية بين شاب وفتاة، لكنه يبدو حبا عظيما يليق ويتناسب مع حب أب لابنته أو ابنه فيقول: « اذا ما كنت بخاف عليك ع مين بدى اخاف إذا بتدقك شوكة يمكن أنا قلبى يوقف» ويرجع بوعساف ويقول « انتبه ع حالك كرمالى يعنى انتبهلى على حالي» وغيرها من كلمات الأغنية المليئة بعاطفة الحب الشديد. ورغم جمال كلمات أغنية « إحساس ماليني» كلمات هشام صادق، لكن لحن مدين، وتوزيع أ حمد عبدالسلام لم يستطيعا وضع الإطار اللحنى المناسب لكلمات الأغنية الجميلة، بل خذلا الشاعر الذى قدم تجربة متميزة من خلال كلمات معبرة جدا. ويقدم الشاعر اللبنانى وائل الأشقر، مع الملحن والموزع ملحم أبوشديد، حالة غنائية متميزة جدا، وواحدة من أجمل أغنيات الألبوم من خلال أغنية « بعدك بتحبو»، حيث يدور سجال حاد بين المطرب وقلبه، يعاتب من خلاله المطرب قلبه على عدم نسيانه لحبيبه القديم الذى هجره وراح فيقول: «بعدك بتحبو بعدو بيخطر على بالك بعدك بتحنلو يللى خيب آمالك يا قلبى حرام عليك حلفتلى انك نسيتو بتشوفو بتوقف دقاتك كيف حتى لو وقفت حكيتو يعنى يا قلبى ما نسيتو وعم تكذب على حالك» أما عن الأغنية التى توقفت أمامها طويلا فهى أغنية « النهاية واحدة» كلمات أيمن بهجت قمر، وألحان مدين، وتوزيع عادل حقي، فرغم أن كلمات الأغنية شبيه بتترات المسلسلات لكن استطاع الشاعر أن يقدم حالة خاصة جدا عن الحياة والأيام، وإن كنت لم أفهم جملة « حياتنا اخترنا تفاصيلها لسنين قدام» فى الكوبليه الذى يقول: « فى حب يعيش بإسراره وحب بتحرقه ناره بناءا عاللى نختاره حياتنا اخترنا تفاصيلها لسنين قدام». على أية حال كنت أفضل اختيار جمله أخرى تؤكد المعنى وتبرزه أكثر، خاصة أن جملة « فى حب يعيش بأسراره وحب بتحرقه ناره» جيدة وجديدة. ومن الأشياء التى تدل على عدم تركيز وائل جسار فى اختياراته الغنائية تكرار جملة « بقالك مكان» فى ثلاثة أغنيات بأشكال مختلفة أولها أغنية «ما تزعلش مني» كلمات أيمن بهجت قمر، وألحان وليد سعد، وتوزيع خالد نبيل، حيث يقول « وبقولك حاجة واحدة لسه بقيلك مكان»، ويكرر نفس المعنى فى أغنية « عادى لما أعيش» كلمات خالد تاج الدين، ألحان وليد سعد، توزيع طارق عبدالجابر، حيث يقول : « يبقى عادى قلبى ليك جواه مكان»، وفى أغنية « أجمل حب» يقول « طمنى قوللى فى مكان جواك يساعني». فى النهاية أقول وبلا مواربة: حين يغيب الكلام الجميل والمعبر كما يقول أستاذنا الشاعر الكبير فاروق جويده تهرب الموسيقي، ويختفى الإيقاع ويموت الإحساس، فأسوأ الأشياء ألا يشعر المطرب بحلاوة الكلمات، وحين تسقط الكلمات تبحث الألحان عن نغم جميل ولا تجده، ويقف المطرب والملحن وصاحب الكلمات أمام العمل الفني، وكل واحد يلقى المسئولية على الآخر، بينما المطرب المسكين يسأل نفسه لماذا لم يتجاوب معه أحد ويدرك فى النهاية إنه شريك فى الجريمة، فهو لم يفهم الكلام، ولم يسمع اللحن، لهذا هرب منه الجمهور، وهذا ما حدث بالضبط فى ألبوم «عمرى وذكرياته» لوائل جسار!