من مفارقات الأيام والأحداث فى مصر أن التاريخ بات يعيد نفسه معنا دورة كل عشر سنوات ربما يكون شديد الكرم والتعويض لنا هذه المرة حيث إننا من الآن وطيلة عام كامل سنظل حبيسى الانفاس نضع ايدينا على قلوبنا انتظارا للحظة الحسم النهائى فى معركة اليونسكو التى قررنا خوضها هذه المرة بوجه جديد هى السيدة مشيرة خطاب فى ظل منافسة شرسة وحملات شيطنة ومناكفة سياسية مع مرشح عربى هو القطرى حمد الكوارى الذى قررت بلاده خوض حرب تكسير عظم واقدام مع مصر حتى لو انفقت آخر ريال فى خزائنها. المعركة هذه المرة ليست بالهينة أو النزهة أو الترف الدبلوماسى الذى نتحدث عنه بالتربيطات مع العواصم الافريقية أو بعض دول أمريكا اللاتينية حيث كل هذا لا يكفى وبالتالى مادمنا قررنا خوض غمار هذا السباق فلنتصارح بشيء من الحقائق حتى نعرف أين نضع اقدامنا واتجاه البوصلة مع نهاية التصويت ولا نكتفى بعدة وفود دبلوماسية أو شعبية تزور هذا البلد أو ذاك بحجة أن تاريخنا وحضارتنا ودورنا يوما فى صناعة تاريخ الحضارة الإنسانية سيشفع لنا. فلنا تجربتان من الفشل والتعثر لا يجب أن يكون ما قبلهما كما بعدهما حيث الظروف والمعطيات والرهانات تغيرت وبالتالى الأدوات والآليات تغيرت كثيرا، واقصد بتلك التجربتين قصة صفر المونديال عندما ترشحنا لاستضافة كأس العالم مايو عام 2004 والثانية منافسة فاروق حسنى عندما كان وزيرا للثقافة على منصب رئاسة اليونسكو حيث كنت شاهدا قريبا على مجريات الأحداث والوقائع يوما بيوم أن لم يكن ساعة بساعة حيث كنت وقتها محررا دبلوماسيا للأهرام فى وزارة الخارجية سنوات طويلة. ولفاجعة صفر المونديال قصة يجب أن تروى حيث كان وزير الخارجية المصرى وقتها السيد أحمد ماهر رحمه الله وكنت بشكل شبه يومى فى اللقاءات الصحفية اليومية أتوجه إليه بالسؤال عن آخر الاتصالات والجهود والتربيطات التى يبذلها هو وفريقه فى الخارجية بالتعاون مع بقية وزارات ومؤسسات الدولة للفوز باستضافة ذلك المونديال وظل على مدى عام كامل يطمئننى ويجيب فى اللقاءات الصحفية اليومية بصوت مرتفع مفعم بالثقة والطمأنينة أن فوزنا فى متناول اليد وأن الأصوات والوعود قد تجاوزت المطلوب وأننا سنربح التصويت باجتياح وثقة. ولكننى لم أكن مطمئنا وكنت ألجأ إلى المشاغبات والمناكفات الصحفية معه بشكل دورى حتى أننى ذات مرة فاجأته بالقول كيف ستربح المعركة وادوات ولوحات ويافطات الدعاية الضخمة التى تم تجهيزها لارسالها عبر الخارجية للخارج موجودة فى مخازن وزارة الخارجية باستثناء عدة لوحات صغيرة تم وضعها فى مصاعد واسانسيرات الوزارة حتى يراها وزراء الخارجية الضيوف الذين يحضرون للقاء الوزير بعدة لغات وبالتالى اكتفينا بهذه الدعاية داخل الخارجية لانفسنا فكانت الهزيمة القاسية وحصلنا على صفر المونديال. ويومها كتبت موضوعا صحفيا كان غلافا لمجلة الأهرام العربى تحت عنوان دبلوماسية الاسانسير رصدت أسباب الاخفاق وكيف تقاعست الخارجية عن الدعاية والتربيطات السياسية والدبلوماسية مع الدول والسعى لعقد صفقات شرعية وغير شرعية استنادا إلى أن كل شيء فى عالم السياسة مباح كما فى حالتى الحرب والعشق. وبالتالى الغرض من كشف النقاب عن كل هذه القصص والروايات هو تعليق الجرس لوزارة الخارجية وكبار الهيئات والمؤسسات المصرية بان المعركة ليست بالقليلة أو البسيطة وبالتالى ستكون الدولة وأجهزتها والشعب أيضا أمام امتحان صعب حيث الأمر يتعلق بسمعة وتاريخ ومستقبل وطن حيث إننا وبعد أن ارتضينا بالترشح وخوض غمار هذه المعركة لصالح مشيرة خطاب لابد أن تعلن الخارجية الطوارىء وتشكل فرق عمل وتخوض معارك يومية حقيقية وتعقد صفقات مع غالبية دول العالم بالطبع صفقات سياسية ودبلوماسية وليست مالية فنحن لا نملك مال وريالات قطر ونتعامل مع الأمر بجدية متناهية لا بخفة الوزير ماهر حيث سمعتنا ودولتنا ستكون على المحك وبالتالى يجب أن يكون مبدأنا وجوهر تحركنا أنه آن الأوان لهذا البلد مصر، بعد ثورتين وتاريخ حافل بالإنجازات الثقافية وامتلاك أكثر من ثلث إرث العالم التاريخى وبلدنا جوهرة ودرة ثقافة العالم، فبالتالى يحق لنا ويصبح من حقنا أن نحصل على رئاسة اليونسكو هذه المرة خاصة انها ستكون دورة رئاسية عربية لرئاسة هذه المنظمة الدولية مع الأخذ فى الاعتبار أن الرهان على الأصوات الافريقية والترشيح الافريقى لاسم المرشحة المصرية خطاب لا يكفى وحده ففى الوقت الذى اكتب فيه هذا المقال هناك قرار من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لمرشحه الكوارى بتجهيز طائرة خاصة ودفتر شيكات مفتوح يحمله المرشح القطرى خلال زيارات مطولة لعواصم افريقية هذه الأيام لتبديل المواقف والتأثير عليهم بالدولارات الخضراء لصالح المرشح القطرى فعندئذ ماذا سنفعل! أنا أعلم أن هناك أزمة ستقع بين العواصم العربية بسبب معركة الترشح والاختيار لليونسكو حيث هناك ثلاثة مرشحين عرب مصرية وقطرى ولبنانية وربما يكون هناك رابع وخامس من الآن وحتى موعد التصويت وبالتالى فأنا من الذين استبق الجميع وكتبت مناشدا فى بداية مايو الماضى فى هذا المكان السيد أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية حتى قبل أن يتولى منصبه بشهرين طالبا قيام الجامعة بدور قوى وديناميكى مع توليه الأمور وكتبت تحت عنوان حتى لا نقع فى الفخ محذرا من تفتيت الأصوات العربية وضياع فرصة العرب الأخيرة. واليوم وقبل اجتماع وزراء الخارجية العرب الخميس بعد غد أجد الفرصة سانحة أمام الأمين العام أبوالغيط ووزراء الخارجية للاتفاق على مرشح عربى واحد انهاء للانقسام المرتقب ومنعا للفوضى وتفويت الفرصة على الأوروبيين والأمريكان والكبار فى العالم لحرمان العرب هذه المرة من أحقية رئاسة اليونسكو. أعلم أنها مهمة صعبة أمام أبوالغيط ولكنها ليست مستحيلة فالرجل بدهائه وخبرته الدبلوماسية وأدواته وتاريخه ومعاركه الناجحة من قبل قادر ويستطيع انهاء هذا السباق واختيار من يصلح من العرب لهذا المقعد.. ولكن قبل أن يداهمنا الوقت ويدخل مشعلو الحرائق والفتن والمؤامرات على الخط فيضيع حق العرب فى اليونسكو وصورتهم أمام العالم فتلك دورة العرب فإذا كان موقف المجتمع الدولى كذلك فهل يليق بنا نحن أن نفعل العكس.. فالفرصة مازالت قائمة.. ونعم أبوالغيط يستطيع. لمزيد من مقالات أشرف العشري