يبدو أننا أمام مواجهة وكسر لقاعدة: ان التاريخ يعيد نفسه كل مائة عام لتصبح كل سبع سنوات، حيث قادم الأيام والشهور التالية سيشهد معركة آخذة طابع التحدى وربما تكسير أقدام بين مصر وبعض الدول العربية، وأعنى هنا معركة الترشيح على مقعد اليونسكو منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم ومقرها باريس، حيث سيبدأ السباق مبكرا، خاصة أن الرئاسة الحالية للسيدة إيرينا بوكوفا ستنتهى أوائل العام المقبل، وربما خلال أشهر معدودة لو نجحت فى سباق معركة رئاسة الأمانة العامة للأمم المتحدة التى تخوضها حاليا مع عدة شخصيات دولية أخرى خلفا لبن كى مون التى تنتهى ولايته الثانية والأخيرة خلال أشهر. وبات لافتا أن الاتفاق على أن تكون رئاسة اليونسكو للجانب العربى هذه المرة ولأول مرة فى تاريخ المنظمة بات أمرا محسوما، اللهم إذا اختلف العرب مثل كل مرة ووقعوا فى الفخ فيتنازعون على المنصب فتذهب رياحهم شتى ويخطفه مرشح دولى آخر فتوجه سهام النقد والانتقاد من قبل المجتمع الدولى لنا هذه قضيتكم أنتم وسبب فشلكم خلافاتكم المستمرة وعدم تنسيقكم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، وفى غمرة التحضير لهذا السباق دفعت قطر بمرشح لها هو حمد الكوارى وزير الثقافة السابق، وهو دبلوماسى وتقف القيادة القطرية وخزائنها ودفاتر شبكاتها المتنقلة والعابرة للقارات وراءه هذه المرة. وفى المقابل باتت تقبل لبنان فى العموم بعد خلاف بين أعضاء الحكومة وعموم الطوائف هناك بترشيح الدكتور غسان سلامة وزير الثقافة أيام حكومة رفيق الحريرى الأخيرة، بجانب أنه الدبلوماسى السابق فى الأممالمتحدة والأستاذ للعلوم السياسية بجامعة السوربون فى باريس، أى بصريح العبارة شخصية ناجحة وفذة وصاحب رؤية وتاريخ وله حضور وعلاقات متشابكة على المستوىين العربى والدولى، وفى الوقت نفسه تستعد مصر لترشيح شخصية كبرى ضمن هذا السباق، ورغم تكتم دوائر الدبلوماسية المصرية على اسمه حتى الآن، إلا أن كل التكهنات تصب فى خانة اسم الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، مع الأخذ فى الاعتبار أن المملكة العربية السعودية تجهز هى الأخرى اسما جديدا سيتم ترشيحه ضمن هذا السباق. وبالتالى تحدث نفس مأساة عام 2009 عندما رشحت مصر فاروق حسنى وكان الأقرب إلى الفوز وفى آخر جولة تصويت اختلف العرب ونجحت التربيطات الدولية والإقليمية فى الإطاحة به، حيث كان هناك المرشح العربى السعودى فى مواجهته أيضا غازى القصيبى، وكان شخصية لها حضور على المستوى الدبلوماسى والثقافى، وكان وزيرا أيضا فى ذلك الوقت فى الحكومة السعودية، وكان معهم مرشح عربى ثالث لم يكن لديه أى حضور أو إسهامات تذكر، فأدى التنافس بينهم إلى خسارة العرب المنصب، ولذا فالوضع هذه المرة يجب أن تحسب حساباته بدقة من قبل دوله العربية، وأتمنى فى المقام الأول الدولة المصرية، حيث يجب أن يخضع الأمر والتحرك لدراسة وعناية خاصة، حيث إن طرح المرشح المصرى فى الأيام المقبلة لو حدث سيكون أقرب إلى المشى على حد السيف، حيث يحتاج الأمر إلى خوض معركة سياسية ودبلوماسية لا تقل وربما تفوق معركة ترشيح فاروق حسنى الذى كان يومها دولة مبارك بأكملها تقف وراءه، وبالتالى ففى حالة ترشيح د. إسماعيل سراج الدين يجب أن تكرس الدولة كل جهدها وتلجأ الخارجية والدبلوماسية المصرية إلى تكتيكات غير معهودة ومناورات غير منظورة لأننا سنكون فى الأغلب فى مواجهة المرشح القطرى أولا قبل المرشح اللبنانى وما أدراك ما قطر وأموال وريالات قطر التى ستكرس للنيل من مصر قبل اسم مرشحها وربما تستخدم كل ذلك فى حرب التشويه والإلغاء، خاصة أنها ستكون معركة فاصلة ونهائية بعد المعركة الأولى فى الشهرين الماضيين لاختيار أحمد أبو الغيط لمنصب الأمين العام للجامعة العربية، وما فعلته قطر ودبلوماسيتها، ولكنها منيت بالضربة القاضية فى جولة التنافس والتربيطات وأفشل مسعاها ومؤامرتها فى اللحظة الأخيرة بعد أن فاجأت الجميع بمناورتها، وبالتالى سيختلف الوضع فى رئاسة اليونسكو، وحان الوقت لنقول فيه لقطر كفى لأنها ستكون لمصر معركة الدور واستعادة النفوذ والمواقع فى الإقليم. وهذا لن يحدث إلا عبر هزيمة المرشح القطرى، لأن المرشح المصرى د. سراج الدين أو غيره سيكون أفضل من حيث المقام والخبرة والمؤهلات الثقافية والسمعة الدولية عن المرشح القطرى الذى لا تملك بلاده غير دفاتر الشيكات لدفع الرشى والرشاوى مثلما فعلوا فى سباق تنظيم كأس العالم 2020 والفضائح التى ظهرت بعد ذلك بحجم الأموال التى دفعتها قطر. التحرك الثانى هذه المرة هو عربى ويقع على عاتق الأمين العام للجامعة العربية الجديد أحمد أبو الغيط بامتياز لأن نبيل العربى سيغادر المنصب الحالى فى أقل من شهرين، كما أنه لا يتمتع بالقدرة والجهد وتربطه علاقات مثار تساؤل بقطر، وبالتالى ستلقى كرة الترشيحات العربية فى ملعب أبو الغيط لا محالة، ولذا لابد من حركة تنسيق عربية هذه المرة عبر الجامعة العربية ودولها لأنه لا يمكن الزج بأربعة مرشحين عرب أو ثلاثة فى وقت واحد لينافسوا بعضا فيضيع المنصب وتطير فرصة العرب هذه المرة فى رئاسة اليونسكو، وبالتالى يتزايد ارتفاع منسوب الخوف والقلق من أن العرب بمثل هذا التنافس والتناقض بمرشحيهم ومواقفهم لن ينالوا هذا المنصب يوما ما، والتاريخ لا يكذب لأن التجاوزات التى يمكن أن تقع وتحدث بين الدول المرشحة أعضاؤها ستصير ردود فعل متوترة ومنفلتة وكل الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة والمزاج العربى لا يحتمل حاليا، ولذا لابد من التنسيق العربى أولا وتبقى هذه مهمة الجامعة العربية هذه المرة وأمينها العام الجديد أبو الغيط لما له من خبرة وحنكة دبلوماسية تطفئ مثل هذه الحرائق مبكرا. لمزيد من مقالات أشرف العشري