متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    30 ألف سيارة خلال عام.. تفاصيل عودة إنتاج «لادا» بالسوق المصرية    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    أول تعليق من شعبة الأسماك بغرفة الصناعات على حملات المقاطعة    حزب الله يعلن استهداف إسرائيل بمسيرات انقضاضية وصواريخ موجهة ردا على قصف منازل مدنية    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    عاجل.. إسرائيل تشتعل.. غضب شعبي ضد نتنياهو وإطلاق 50 صاروخا من لبنان    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    التتويج يتأجل.. سان جيرمان يسقط في فخ التعادل مع لوهافر بالدوري الفرنسي    حسام غالي: كوبر كان بيقول لنا الأهلي بيكسب بالحكام    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    لا نحتفل إلا بالبطولات.. تعليق حسام غالي على تأهل الأهلي للنهائي الأفريقي    مصرع عروسين والمصور في سقوط "سيارة الزفة" بترعة دندرة بقنا    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    ضبط مهندس لإدارته شبكة لتوزيع الإنترنت    تعرف على قصة المنديل الملفوف المقدس بقبر المسيح    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    كيف تختارين النظارات الشمسية هذا الصيف؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الثقافية المصرية التونسية
التاريخ المسارات المعوقات المستقبل
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 09 - 2016

تبدو شحيحة الكتابات التاريخية حول جذور هذه العلاقات بين البلدين، لاسيما تلك التي تنضبط مفهومياً واصطلاحياً بالمنهج التاريخي وأصوله وقواعده، وهو ما يمثل ثغرة معرفية في أي مقاربة لهذه العلاقات.
بعضُ هذه الكتابات لا تعدو أن تكون مقارنات بين الإصلاحية التونسية، والإصلاحية المصرية وبين الطاهر بن عاشور والإمام محمد عبده، وسعي بعض رجال الدين الإصلاحيين علي قلتهم في الانفتاح علي الفقه المقاصدي المالكي عموماً والوجل من التجربة التونسية حول إصلاح أوضاع المرأة في التراث الزيتوني والبورقيبي، وكلتا التجربتين التاريخيتين متميزة في المنطقة العربية، علي الرغم من بعض التمايزات بين كلتيهما، وثمة نسيان لدي بعضهم في مصر وتونس عن دور العلامة علي النوري الصفاقسي في نهاية القرن ال17 وبداية القرن ال18 وسفره لاستكمال تعليمه بالأزهر بالقاهرة في عام 1663م وتفاعله مع الحياة الفكرية والفقهية ومحاولته إحداث نهضة في مدينته المتوسطية صفاقس.
العلاقات الاجتماعية بين المصريين والتونسيين قديمة، وربما يعود ذلك إلي أن مصر جغرافياً تمثل أحد أبرز معابر المنطقة لتونس والمغرب العربي لانتقال الحجيج فيها إلي الأماكن المقدسة في مكة والمدينة معاً، ومن ثم شكلت ممرا روحيا ومركزا جذب وتفاعلا للحجيج في طريقهم إلي هناك، ومن ثم منطقة تفاعل قيمي وتبادل اقتصادي نسبي، واكتشاف إنساني متبادل. من ناحية أخري تستدعي الذاكرة الجمعية التاريخية وعديد المصادر هجرة قبائل بني هلال وبني سليم إلي تونس، وهو ما تولد عنه أثر أدبي تمثل في واحدة من أقدم السير الشعبية بما تشكله من عوالم متعددة من الشخصيات الأسطورية ونماذج للبطولة، والصراعات حول قيم الخير والشر والنخوة ورفض الضيم ومن المعروف أن ثمة روايتين للسيرة، أولاهما الجازية الصلالية التونسية، وثانيهما السيرة الهلالية المصرية. وهي واحدة من السير الشعبية العربية الذائعة، وذات طابع «ملحمي» أو «شبه ملحمي» وتسرد مرحلة طويلة في مسار قبيلة بني هلال وتغريبتهم وهجرتهم إلي تونس. وتبلغ في نظر بعض الباحثين مليون بيت شعر، وتتداول علي ألسنة الرواة والمنشدين حول أبو زيد الهلالي وقصصه وآخرين في هذه السيرة الأكثر ذيوعاً في الريف لاسيما في صعيد مصر. وقد لعب الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي دوراً مهماً في تجميع بعض من شتات السيرة من خلال الرواة وشعراء الصعيد والمراجع، وسافر إلي تونس عديد المرات لجمع بعض من متونها وشذراتها المتناثرة، وذلك لكي تقوم أحد الفرق الشعبية الصعيدية المتخصصة في رواية السير الشعبية في سردها المموسق والمغني، في عديد العقود والاحتفاليات والأماكن الأثرية وغيرها، وتسجيلها للاحتفاظ بها، من خلال فرقة جابر أبو حسين مع إلقاء عبدالرحمن الأبنودي.
يمكن القول إن التجربة الدستورية الحديثة، وكتابة دساتير في هذه المنطقة من العالم بدأت في تونس، ومصر ومن ثم سبق كليهما في مسار التحديث السلطوي للقيم محمد علي نموذجاً- وفي الحداثة الدستورية والقانونية عن القوانين اللاتينية. من ناحية أخري بروز دعاوي الإصلاح الديني في قوانين الأسرة لاسيما في تونس في ضوء اجتهادات الطاهر بن عاشور ومحمد عبده ومحمد الطاهر بن عاشور بالإضافة إلي سبق التفاعل الثقافي مع النموذج الأوروبي لأسباب جيوسياسية، واستراتيجية.
يبدو لي أن الرجوع إلي بعض الأمثلة التاريخية علي التفاعل الثقافي البيني التونسي المصري، قد تكون دالة تاريخياً علي عمق هذه العلاقات ورسوخها ومن أبرز أمثلتها التاريخية حضور العلامة عبد الرحمن بن خلدون إلي مصر حيث ولي منصب قاضي القضاة المالكية بالقاهرة ومكث بها ما يناهز ربع قرن وتوفي بالقاهرة في 19 مارس 1406، ودفن قرب باب النصر، أو انتقال بعض المثقفين والمبدعين التونسيين لمصر، وبعض المصريين إلي تونس، في ظل هامش من حرية الحركة والانتقال بين البلدين الشقيقين وبعض هؤلاء كانوا رواداً في مجالاتهم، أو مبدعين بارزين، ونذكر من هؤلاء بيرم التونسي المؤسس الحقيقي لشعر العامية المصرية الحديثة، وإنتاجه الإبداعي المتميز، فضلاً عن دوره المبرز في تطوير الأغنية المصرية والعربية التي شدت بها أم كلثوم وعديد من المطربات والمطربين المصريين. وحضور أحمد فريد أبو حديد إلي تونس وكتابة قصائده عن سوسة، ولا يمكن نسيان دور الموسيقار صالح المهدي الملقب بزرياب تونس في التفاعل بين الموسيقي المصرية والتونسية. في الذاكرة الأدبية المصرية استقر دور الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي كجزء من طلائع شعراء مدرسة أبوللو مع إبراهيم ناجي، وصالح جودت وآخرين ممن ساهموا في تطوير القصيدة العربية، وبُناها التخييلية من خلال النزعة الرومانسية كلُ وفق مخيلته المبدعة، ولا نزال نستدعي قصائد أبو القاسم الشابي وعلي رأسها قصيدته «إرادة الحياة» التي أصبحت جزءاً من التجربتين الثوريتين التونسية والمصرية في يناير 2011، والتي شكلت كلماتها وموسيقاها وإيقاعاتها، موسيقي الهبة الثورية في الشارع، والمنزل، وفي بعض من خطاب الحياة اليومية المنتفضة ضد التسلطية والشمولية.
من ناحية أخري، نتذكر أثرا آخر، رمزيا وأدبيا خلاقا كدلالة علي تفاعل هذه العلاقات الثقافية، وهو نص محمود المسعدي المتفرد «حدث أبو هريرة .. قال» بمقدمة الأستاذ العميد د. طه حسين وهو عمل أدبي فريد في تاريخ السرد العربي الحديث، استعاد فيه المسعدي صيغ رواية الحديث النبوي الشريف في سرد حداثي بامتياز. تمثل رواية المسعدي أحد المصادر المرجعية في توظيف بعض الأشكال التراثية في السرد في بنية السرد الروائي المعاصر، كما ظهر في كتابات جمال الغيطاني المتميزة إبداعياً في أوراق شاب عاش منذ ألف عام، والزيني بركات، والتجليات. ثمة بعض الأصوات التونسية الجميلة التي أغنت الوجدان المصري والعربي، وظهرت في السينما المصرية كعلي الرياحي (30/3/1912 27/3/1970) وهو الذي مزج القالبين الشرقي والتونسي في أغانيه، وأدخل الإيقاع الافريقي علي الألحان التونسية كما في أغنيته الذائعة «حبيبتي الزنجية»، وهو من مجددي الموسيقي والغناء في تونس. ومحمد الجموسي (12/7/1910 3/1/1982) الذي شارك يوسف وهبي في بداية الستينيات في (ظلمت روحي) و(بنت الهوي) و(ناهد)، وبثت أعماله في الإذاعة المصرية، وفي بداية عقد العشرينيات سافرت حسيبة رشدي إلي القاهرة وكانت لها تجربة فنية متميزة، وعليا التونسية ولطيفة وذكري، ولطفي بوشناق وصابر الرباعي أخيراً. ثمة بعض المترجمين التونسيين البارزين من مثيل التشكيلي والمترجم علي اللواتي، وترجمته الأنيقة لسان جون بيرس، والتي استقبلت باهتمام لدي قلة قليلة من المثقفين في مصر.
من بين الكتابات المهمة التي وجدت اهتماماً لدي بعض الباحثين المصريين، كتابات المحلل النفسي التونسي فتحي بن سلامة، ومحمد الشرفي المثقف البارز ووزير التعليم الأسبق ودوره في دمج حقوق الإنسان في مناهج التعليم وهي تجربة مهمة، والطاهر لبيب السوسيولوجي المرموق.
في مجال الدراسات المشتركة ما قامت به سارة بن نفيسة مع أماني قنديل حول الجمعيات الأهلية كمرجع أساسي في هذا المجال، ودراساتها معي وآخرين كمحررين بالفرنسية والإنجليزية والعربية لكتابين هما الجمعيات الأهلية، والمحكومية في العالم العربي، والحركات الاحتجاجية في العالم العربي بالفرنسية والعربية مع عديد من أبرز الباحثين الفرنسيين والتونسيين والمغاربة والجزائريين، ونشر في مركز الدراسات الاجتماعية والتاريخية بالأهرام، ودراساتها العديدة بالفرنسية عن مصر. نستطيع القول أن بعض الأفلام التونسية وجدت اهتماماً لدي بعض من الطليعيين في الجماعة السينمائية والنقدية المصرية من أمثال أعمال نوري بوزيد (بيزنس مثلاً)، وفريد بو غدير (عصفور السطح)، ومفيدة التلاتي (قصر الأحلام).
ومن أهم الذين تابعوا باهتمام نقدي الأعمال السينمائية المصرية الناقد التونسي خميس خياطي بدءاً من أطروحته للحلقة الثالثة في السوربون حول سينما صلاح أبو سيف وكتاباته النقدية، عن أجيال من السينمائيين المصريين يوسف شاهين والأجيال اللاحقة محمد خان، وداود عبد السيد، وخيري بشارة وعاطف الطيب، ومجدي أحمد علي وآخرين.
في مجال الدراسات الإسلامية دور شيخ الأزهر التونسي من 1952 إلي 1954- الجزائري الأصلي- محمد الخضر حسين ومن أعماله رسائل الإصلاح مؤلف في ثلاثة أجزاء، وديوان شعر «خواطر الحياة»، وبلاغة القرآن، وأديان العرب قبل الإسلام، وهو شخصية تمثل رمزاً ودلالة علي الانفتاح المصري في المجال الديني علي تونس.
أحد أبرز الملاحظات علي العلاقة بين الثقافيين أنها اتسمت بالنزعة الطوعية والفردانية من حيث المبادرات أو التفاعلات لاسيما في المجال الغنائي، ولم تعتمد علي بعض توجهات السياسة الثقافية الرسمية في كلا البلدين، وهو ما يعطي لهذا التفاعل بعضُا من التميز حيث تتواري السياسة والسياسي عن مشهد التفاعل الثقافي. ويمكن القول إن الانفتاح الثقافي في مصر شبه الليبرالية، أسهم في هذه الديناميكية والحيوية الثقافية، والأذرع المفتوحة لها إزاء المبدعين العرب وحضورهم في تجربتها التاريخية.
لا يقتصر الأمر علي الموسيقي والإبداع، ولا علي المحاولات التأسيسية لتأطير وتنظير الموسيقي العربية من خلال مشاركة أبرز الموسيقيين التونسيين في المؤتمر الأول للموسيقي العربية 1932 الشيخ خميس ترنان 1894 / 31 أكتوبر 1964 الذي تأثر بالموسيقي المصرية من قصائد وأدوار ومواويل، وشارك في جوقة البارون ديرلنجي في مؤتمر الموسيقي العربية كعازف عود عربي وسجل نماذج من المألوف التونسي مع زملائه. وشارك أيضاً الشيخ «العفريت» وهو مطرب تونسي يهودي أيسيرن إسرائيل روزيو 1897 26 يوليو 1979- ومع موسيقيين كبار كمحمد القبانجي والشيخ درويش الحريري، وزكي مراد الذي أعجب بصوت الشيخ العفريت وأدائه. وغنت أيضاً حبيبة مسيكة مارجريت بنت خوليو التي تأثرت بأم كلثوم والطقاطيق المصرية، وسيد درويش. وهناك دور بارز في التفاعل الموسيقي قام به الموسيقار صالح المهدي الملحن والموزع الموسيقي البارز 9 فبراير 1925- 12 سبتمبر 2014 - والذي لعب دوراً مهماً في المجال الموسيقي. وامتد اهتمام بعض المثقفين المصريين ذلك إلي متابعة بعض الإنتاج الأكاديمي التونسي المتميز وعلي رأسها كتابات هشام جعيط، ومدرسة الأستاذ عبد المجيد الشرفي وتلامذته المتميزة في دراسة الفكر والتاريخ الإسلامي، كناجية الوريمي وآمال قرامي وسواهم من الباحثات المتميزات، وكتابات ألفه يوسف ورجاء بن سلامة، ويوسف الصديق، ومحمد الباقي الهرماسي، وعبد السلام المسدي في الدراسات اللغوية وعبدالقادر زغل في علم الاجتماع. لا شك أن هذه التفاعلات الأكاديمية / الثقافية، تمت من خلال عديد من الأوعية الثقافية المؤتمرات وورش العمل، ونشر كتب بعضهم ورقياً في بيروت أوتوكس وبثها رقمياً وإطلاع بعض المثقفين المصريين عليها، وما بها من بعض التجديدات النظرية والتطبيقية. والملاحظ أن ذلك كان يتم في أطر طوعية وليست منسقة أو منظمة، وبعيداً عن الدولة / النظام في كلا البلدين الشقيقين، وهو أمر حرر هذه التفاعلات من ضوابط وقيود السياسة والسياسي علي الإنتاج الإبداعي الفكري والتخييلي، وساعد علي ذلك أخيراً بعض دور النشر الخاصة التي أخذت تنشر أعمال الروائيين حسونة المصباحي والحبيب السالمي ورواية رشدي المبخوث «الطلياني» التي حصلت علي جائزة البوكر العام الماضي.
هذا الطابع الطوعي للتفاعلات الثقافية والبحثية لم ينف قط دور بعض الأوعية التنظيمية الثقافية الرسمية التي قام بها المجلس الأعلي للثقافة من خلال ندواته الكبري ودعوته العديد من الأدباء والشعراء التونسيين وبعض كبار المثقفين للمشاركة في عديد المؤتمرات والندوات حول قضايا الثقافة وإشكالياتها في مجال الثقافة العالمية، والإنتاج النقدي ومدارسه واتجاهاته المختلفة. من ناحية أخري مشاركة بعض الفرق المسرحية التونسية ببعض أعمال متميزة قدمت في إطار مهرجان المسرح التجريبي، الذي شكل مركز تفاعل واكتشاف الاتجاهات الجديدة للمسرح التونسي ورموزه في الإخراج والتأليف والتمثيل. من ناحية أخري لعب مهرجان القاهرة السينمائي دوراً كبيراً بالتعريف بالسينما التونسية وبعض رموزها البارزة كفريد بوغدير ونوري بوزيد وآخرين ومنها أيضاً مهرجان الإسكندرية لسينما المتوسط، ومهرجان السينما الأفريقية الخاص الذي يعقد سنوياً في مدينة الأقصر .. المهرجانات تمثل أرضية منافسات لكن الأهم نقل الخبرات، وتبادل الرؤي النقدية، والتفاعل الإنساني / الاجتماعي المباشر بين الجماعة السينمائية والمسرحية المصرية والتونسية.
أحد أبرز أوعية وأشكال التفاعل الثقافي السياسي المصري/ التونسي تمثلت في نقل خبرات الانتفاضة الثورية التونسية في يناير إلي نظرائهم من الأجيال الشابة في مصر أثناء الانتفاضة المصرية، وهي مرجع في الخبرات التنظيمية، وأساليب مواجهة أشكال القمع المادي التي مورست علي الجيل التونسي الشاب وكيفية تعامله معها سواء علي مستوي أساليب الحشد والتعبئة، وثقافة التظاهر التي بدأت في التشكل مع التجربة التونسية. إن كلتا التجربتين والاستعارة الثقافية، الافتراضية والواقعية ساهمت إيجابياً في مسار التجربة المصرية. صحيح أن المسار الثوري المصري أصيب ببعض الأعطاب إلا أن بعض أشكال الاحتجاج والرفض السياسي والتظاهرات، والتعبئة والحشد ساهم في إحداث تغيير كبير في مسار التحول السياسي المصري أياً كانت نتائجه وتقييماته المختلفة.
ثمة أشكال أخري من التفاعل تمت من خلال استعارة بعض عناصر ثورة المجال العام الرقمي، وأثره علي المجال العام الفعلي. هذا النمط بين العلاقات الطوعية الرقمية الجديدة ابنة ثورة الوسائط المتعددة وتطوراتها المذهلة ساهم في إحداث بعض الخلخلة في نسق الثقافة السياسية التسلطية السائدة، وهو ما يمثل بدايات تحول كبير ونوعي مستقبلاً في بث دينامية جديدة نحو التحول إلي القيم السياسية الديمقراطية حول الحرية الفردية، وحريات الرأي والتعبير والتدين والاعتقاد وحقوق المرأة التونسية التي تمثل أحد أبرز مصادر إلهام قلة شابة من الأجيال الجديدة من طلائع الحركة النسائية المصرية .... إلخ، والأهم المساهمة في عمليات إنتاج الفرد والفردية في مواجهة ثقافة الإجماع والامتثال والخضوع، وكسر بعض القيم البطريركية التقليدية والمحدثة، والنزعة الرعائية حول الدولة.
المعوقات الهيكلية في العلاقات الثقافية، التونسية/ المصرية
ثمة عديد المعوقات التي تعتري مسار العلاقات الثقافية بين كلا البلدين الشقيقين يمكن إيراد بعضها فيما يلي:
ضعف التعاون الرسمي بين كلتا الدولتين في المجال الثقافي واقتصاره علي بعض المشاركات الفنية في بعض التظاهرات الرسمية بين وزارتي الثقافة في كلا البلدين الشقيقين، ولا تتجاوز ذلك إلي أشكال منظمة في أطر مؤسسية تتجاوز هذا الشكل من العلاقات، أو تفعيل أي اتفاقات بدقة بين كلتا الدولتين.
من الإيجابي الإقرار بأن التفاعلات الثقافية الفنية والإبداعية والأكاديمية الطوعية تتسم بالدينامية والتلقائية، ولا تزال تدور في إطار المبادرات الطوعية، من بعض المنظمات الطوعية / الحقوقية وتبادلها للخبرات المشتركة أو الخاصة، أو آلية المؤتمرات وورش العمل، أو الأعمال الفنية الغنائية أو التمثيلية من لطيفة عرفاوي المطربة المعروفة وأيضاً في بعض الأعمال الدرامية، وبروز بعض الممثلين التونسيين في السينما، أو في الدراما كهند صبري، ودرة زروق حيث رصد بعضهم في الإعلام المكتوب أن الموسم الدرامي لشهر رمضان شهد مشاركة بارزة لتسعة ممثلين وممثلات تونسيين في بطولة 12 عملا دراميا مصريا من 30 مسلسلا وعلي رأسهم درة زروق، وظافر العابدين في مسلسل «الخروج»، و«ليالي الحلمية» والمطربة لطيفة في مسلسل «كلمة سر»، والممثلة فريال يوسف في «أزمة نسب»، و«سقوط حر» الذي أخرجه التونسي شوقي الماجري، وعائشة بن أحمد في مسلسل «شهادة ميلاد»، و«ألف ليلة وليلة»، وسميرة معروف في مسلسل أبو البنات، ومسلسل «الميزان»، وسامية الطرابلسي في «الطبال» وفي «الأسطورة»، وساندي في مسلسل «المغني» والفنان تميم عبده في «مأمون وشركاه» وشارك في العام الماضي مع عادل إمام في مسلسل «أستاذ ورئيس قسم»، أو في طليعة المشهد الغنائي المصري والعربي من خلال الأغنية كتابة ولحناً هذا الشكل من التفاعل الخلاق في مجال الإبداع، يجد سنداً له في كلا البلدين، حيث كلاهما يمتلك حساً وذوقاً موسيقياً وسينمائياً متميزاً، وهنا تجدر الإشارة إلي الولع الشعبي التونسي بالموسيقي الشرقية والغناء الذي يعطي حاضنه شعبية لهذا النمط من التفاعل الوجداني المتبادل.
بعض الفجوات في التفاعلات التونسية المصرية تتمثل في ضعف الأنشطة المشتركة في مجال تبادل الأفكار والتجارب في مجال الفنون التشكيلية، سواء علي المستويين الرسمي، أو الطوعي من خلال المهرجانات والجاليريهات، أو التجارب التشكيلية المشتركة بين المصورين، والنحاتين من المبدعين في كلا الجانبين.
لا شك أن مهرجان قرطاج للسينما الإفريقية شكل أحد قنوات المشاركات السينمائية المصرية الطليعية، والمهمة في العلاقات بين كلا البلدين، وقد ألهم هذا المهرجان المتميز بعضهم لعمل مهرجان سنوي في الأقصر للسينما الإفريقية، ولكنه دون مستوي الأداء والتراكم التنظيمي والتاريخي لقرطاج، ولا مجال للمقارنة بين كليهما.
لا يوجد تنسيق بين كلا البلدين في مجال التظاهرات الثقافية المتماثلة سواء علي المستويين الرسمي أو الأهلي، وهو أمر شائع عربياً، وأحياناً داخل بعض الدول بين مكوناتها المختلفة.
محدودية العلاقات الأكاديمية المشتركة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية علي نحو يؤدي إلي وضع مشروعات علمية وبحثية مشتركة حول بعض الظواهر أو الأسئلة أو الإشكاليات أو أزمات التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في كلا الدولتين والمجتمعين، لوجود بعض الظواهر المشتركة والتحديات التي تواجه تطورهما. ومن بينها ظواهر العنف الاجتماعي ذي الأقنعة الدينية، أو المنظمات الإرهابية التي تمارس تهديداً للأمن والاستقرار في كليهما.
غياب الرؤي التكاملية المشتركة في مجال العمل الثقافي علي المستوي الثنائي علي نحو يؤدي إلي مأسسة عملية الخبرات المشتركة وتراكمها، علي الرغم من أن خبرة كلا البلدين الثقافية عريضة وممتدة، وما تشكله الثقافة والإبداع من مصدر للقوة الناعمة لمصر وتونس. من ناحية أخري، يشكل الإقليم المضطرب، وأزمة دولة ما بعد الاستقلال، وانهيار وتقوض بعض أسسها وهياكلها، وضعف ثقافة الدولة في الوعي شبه الجمعي لعديد من الفئات الاجتماعية العربية، أحد المحفزات الكبري للنخبة السياسية، والجماعات الثقافية المصرية / التونسية كي تتبادلا الرؤي والأفكار والتحليلات حول أزمات الإقليم ودولة وأنظمته السياسية، والسعي إلي لعب دور متميز في الكشف عن طرق ومسارات جديدة، لتجديد الفكرة العربية إزاء تحديات جديدة وغير مسبوقة في ظل أزمات دولة ما بعد الاستقلال.
بعض المعوقات السابقة تتطلب دورا للدولتين والنخبتين السياسيتين، والمثقفين والمبدعين ومنظمات «المجتمع المدني»، في إبداع أشكال جديدة للتعاون المشترك.
مقترحات للمستقبل:
إعادة النظر في الاتفاقات الثقافية المصرية التونسية الرسمية من خلال لجنة مشتركة تضم بعض المثقفين بين كلا البلدين، لإعادة هيكلة هذه الاتفاقيات وتطويرها وتجديد أطرها ومضامينها من أجل تأطير بعض أشكال العمل الثقافي المشترك، ليغدو أكثر تفعيلاً وشمولاً عن ذي قبل، في نطاق دراسة مشتركة حول معوقات العمل المشترك ووضع بعض الأفكار المبتكرة في مجال تمويل هذه الأنشطة ومجالاتها، وإمكانية مشاركة القطاع الخاص، وبعض مؤسسات التمويل والمنظمات الدولية، والعربية، لاسيما في مجال البحوث المشتركة.
تنشيط عمليات التشبيك في مجالات الإبداع والإنتاج الثقافي، ومنها الجمعيات الثقافية السينمائية، وفي الفنون التشكيلية، والجاليريهات الخاصة ودور العرض الرسمية، وبين الجماعات الأدبية والموسيقية والسينمائية وبناء مواقع وصفحات علي المجال العام الافتراضي لنقل الخبرات، والكتابات النقدية حول أنماط وأشكال الإنتاج في كلا البلدين.
ضرورة اطلاع المثقفين في كلا الجانبين علي التجارب الثقافية والفنية من مهرجانات 400 مهرجان في تونس سنوياً في بعض التقديرات- وتجارب نقل العمل الثقافي من الفضاءات المغلقة إلي الفضاءات المفتوحة في الشارع، وفي القري ..... إلخ. وتوثيق هذه التجارب وتحليلها، وإمكانية استلهامها في العمل الثقافي المشترك بين البلدين سواء كان في إطار الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني تحت التشكيل أو في الإطار الرسمي المؤسسي.
تأسيس ملتقي ثقافي مصري / تونسي بين المثقفين في كلا البلدين، ويعقد بالتبادل بين مصر وتونس سنوياً، ويرمي لدراسة القضايا والهموم الثقافية المشتركة، والقضايا والمشاكل الثقافية في الإقليم العربي، أو علي مستوي التطورات ما بعد العولمية، وتمس التطور الثقافي لكلا البلدين وفي المنطقة. ويمكن للملتقي بعد استقرار أسسه وتقاليده الانفتاح علي بعض الجماعات الثقافية المغاربية، ويكون بمثابة جسر بين المنطقة المغاربية وبين مصر من ناحية، وبين البلدين والجماعات الثقافية في إفريقيا جنوب الصحراء.
بحث إمكانات النشر المشترك في بعض الأوعية الرسمية، والخاصة.
البدء المتدرج بعمل أسابيع ثقافية في الفن التشكيلي، والسينما، والموسيقي الشرقية، والغربية. من ناحية أخري تأسيس مختبر للسرديات التونسية / المصرية الشابة، يكون لها موقع علي الواقع الافتراضي.
هناك إمكانات طموح لتطوير العلاقات الثقافية بين البلدين، ويمكن التدرج في عمليات التطوير المتبادل والعمل المشترك، ولكن يتطلب ذلك إرادة سياسية في الجوانب الرسمية، وإرادة طوعية ومبادرات فردية وجماعية، يمكن من خلالهما، إبداع إرادة التفاؤل- في إطار سياسات للأمل المشترك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.